بغداد | قبل أقلّ من أسبوعين على الانتخابات النيابية العراقية المبكرة، المقرَّرة في العاشر من تشرين الأول المقبل، صار جليّاً أن نتيجة هذه الانتخابات لن تكون حاسمة، وأن أيّ فصيل أو مجموعة فصائل متحالفة لن يحصل على أغلبية، بفعل قانون الانتخابات الجديد الذي يشتّت الأصوات، بما يجعل الصراع على تشكيل الحكومة المقبلة أكثر تعقيداً. وفي الصورة الأعمّ، يأتي هذا القانون ليزيد الواقع الفاسد إفساداً، بتحويله النوّاب إلى مجموعة من معقّبي المعاملات وشيوخ الصلح، جرّاء إدخاله النزعة العشائرية والمناطقية إلى البرلمان، لتُضاف إلى نزعات أخرى لا تفتأ تُثقل العراق وأهله
وكأن العراق لا تكفيه مشاكله السياسية الناجمة عن صراع طاحن بين القوى المحلية المُمثّلة لاتجاهات وقوميات وطوائف مختلفة، حتى يأتي قانون الانتخاب الجديد، ويضيف النزعة العشائرية والمناطقية إلى هذه الصراعات، من خلال تصغير الدوائر واعتماد الصوت الواحد والترشيح الفردي، بما يجعل من النوّاب مجموعة من معقّبي المعاملات وشيوخ الصلح، في وصفة مثالية لتعميق الفساد، في بلد يعاني أصلاً من استفحال الفساد والزبائنية والمحسوبية. وإذا أُضيف إلى ما تَقدّم الصراع الشرس المُتوقّع على منصب رئاسة الوزراء والحصص الحكومية، بالنظر إلى أن تشتّت الأصوات سيحرم أيّ طرف أو مجموعة أطراف متحالفة سياسياً من الحصول على أغلبية واضحة، وأخذاً في الاعتبار تنازع القوى السياسية على كلّ شي، حتى تلك المتحالفة منها، فللمرء أن يتخيّل الصعوبة التي ستواجهها عملية تشكيل الحكومة المقبلة.
توحي بنود القانون الجديد بأن الفلسفة الكامنة وراءه استهدفت عمداً إضعاف القوى السياسية التي سيطرت على المشهد العراقي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، كما حرمان فصائل المقاومة المسلحة من فرصة إيصال كتلة وازنة إلى مجلس النواب، من دون أن تُخرج البلد من مطحنة النزاع السياسي الذي شلّه، بل تبدو كفيلة بزجّه في صراعات أوسع بين العشائر والمناطق على المغانم. صراعاتٌ تخاطر بإضعاف هوية البلد، وتعزيز النزعة الانفصالية لدى من يملكونها، حتى لو كانت مستحيلة التنفيذ، وفي أحسن الأحوال هزّ وحدة العراقيين حول الكثير من القضايا الوطنية وتفاعلهم مع القضايا الإقليمية، ولاسيما الموقف من العدو الإسرائيلي، لمصلحة الاهتمام بقضايا محلية، عبر الإيحاء للناخبين بأن تحصيل حقوقهم الخدمية يتمّ عبر جعل مجلس النواب سلطة رديفة للسلطات المحلية، مثل المحافظات والبلديات. وإلى جانب بنود القانون، اتّخذت الحكومة العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، سلسلة إجراءات تحت عنوان تأمين نزاهة الانتخابات، إلّا أن هدفها في الحقيقة هو الحدّ من وصول الخصوم السياسيين. وتتضمّن هذه الإجراءات استدعاء المراقبة الدولية للانتخابات، لتبقى الأداة الوحيدة المتاحة للتأثير في النتائج هي المال السياسي، ما يفتح الباب أمام دول مثل السعودية لدعم مرشّحين من كل الطوائف. ومع ذلك، تشير حركة تسلّم البطاقة الانتخابية البايومترية إلى استنكاف الكثيرين عن المشاركة في الاستحقاق.
«الأخبار» حاورت عدداً من المرشّحين من اتجاهات مختلفة، بمَن فيهم نواب حاليون وسابقون، اتفقوا جميعاً على أن الانتخابات لن تفرز أغلبية لأحد، وستشهد عزوفاً نسبياً عن الاقتراع، نتيجة تجربة العراقيين المرّة مع القوى السياسية.

ضحى الهاشمي
النائبة والمرشّحة عن «ائتلاف دولة القانون» ضحى الهاشمي، تعتقد أن «القانون أُقرّ على عجل، مع أنه قد تَتحقّق فيه نسبة من الإيجابية، لكن تحتاج هذه النسبة إلى إنضاج وتصحيح لبعض الفقرات، وإعادة نظر في البعض الآخر وفق التقسيم المناطقي، وكذلك وفق رسم حدود الدوائر». وتتوقّع الهاشمي حدوث اختراقات تختلف من قوّة إلى أخرى، مضيفة أن «الذي سيحقّق الأغلبية المطلقة في البرلمان مجموعة من الكتل وليس كتلة سياسية واحدة. أعتقد أن البرلمان المقبل سوف تكون له خصوصية باجتماع بعض الكتل السياسية لتحقيق الكتلة الأكبر التي من خلالها سوف يُساق الوضع في الحكومة المقبلة». وتُشير إلى أنه «من خلال التعايش المستمرّ مع الناس قرابة ثلاثة أشهر، وجدنا عزوفاً وتأخّراً وتردّداً»، مستدركة بـ«(أننا) لمسنا وجود رغبة تميّزت بها الأقضية والنواحي أكثر من مراكز المدن. عادةً، نرى الناس التي جذورها عشائرية تتحمّس لصياغة القرار. والأمر ملموس من خلال تسلّم البطاقة البايومترية». وتَعتبر أن العشائر «سيكون لها تأثير وقدرة في ضوء تقسيم الدوائر. وأعتقد أنه سوف تكون لهذه الانتخابات السِمَة العامة القبَلية، وسيظهر ذلك في اختيار الأفراد والمرشّحين». وتلفت الهاشمي إلى أن «التراكمات السياسية والإخفاقات المستمرّة في بعض السياسات ولّدت عزوفاً. لكن من خلال الإيمان بالقدرات والبرنامج، والإيمان بالمرشّح نفسه ومصداقيّته ومدى قدرته على إقناع الناس، يمكن التغيير. نتوقّع وجود قدرة على إعادة صياغة الكثير من المواقف التي أدت إلى هذا الإحباط». وترى أنه «لا يفيد أن نرى الكاظمي مرشّحاً لولاية ثانية، على اعتبار أن حكومته انتقالية وكان فيها إخفاق في الأداء. وهذا الأمر واضح للأعمّ الأغلب من الناس، سواءً من الداخل أو من الخارج». وحول ظاهرة تمزيق الملصقات الانتخابية، تؤكد الهاشمي أنه «أمر ملموس وموجود في الكثير من الأقضية والنواحي والمحافظات. والسرّ في ذلك المنافسة الانتخابية غير الشريفة».
توحي بنود القانون الجديد بأن الفلسفة الكامنة وراءه استهدفت عمداً إضعاف القوى السياسية المسيطرة على المشهد


حسام العزاوي
من جهته، يَعتبر النائب السابق والمرشّح الحالي عن «تحالف سائرون» حسام العزاوي أن «القانون الجديد جيّد نوعاً ما لاختلافه عن القوانين السابقة، كونه قسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، وكذلك قُسّمت المحافظات إلى دوائر انتخابية متعدّدة بحسب الإحصاء السكاني»، لكنه يعتقد أن «العبرة ليست في تشريع القانون فقط، وإنما في متابعة تطبيقه بحذافيره. فكثير من القوانين شُرّعت ولم تُطبّق. ولا فرص متكافئة بين المرشحين لأن المال السياسي له تأثير أكبر». ومع ذلك، يُعرب العزاوي عن اعتقاده «بصعوبة تحكّم القوى السياسية بالعملية لعدّة أسباب، منها وجود دوائر انتخابية صغرى وبطاقة انتخابية بايومترية ومراقبة دولية. وإذا كانت ثمّة جدّية من قِبَل الأمم المتحدة والجهات المراقبة الأخرى، فسوف يتحقّق الكثير من العدالة»، مضيفاً أن «على الناخب أن يتحلّى بالوعي لإبعاد الفاسدين عن المشهد السياسي، والبقاء على عهد دماء التشرينيين الذين خرجوا من أجل التغيير في العراق». ويُذكّر بأنه «في عام 2010، عندما فازت القائمة العراقية (بقيادة إياد علاوي) بـ91 مقعداً، كان هناك التفاف على قواعد تشكيل الحكومة، حيث أفتت المحكمة الاتحادية بأن الكتلة الأكبر هي من تفوز بأكبر عدد من النواب في صناديق الاقتراع، وليس التي تستطيع جمع أكبر عدد من النواب نتيجة التحالفات بعد صدور النتائج»، وهو ما أفضى إلى تشكيل الحكومة برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، متابعاً أن تشكيل الحكومة في المرحلة المقبلة سيكون أكثر صعوبة. ويؤكد وجود عزوف كبير عن المشاركة لوحظ من خلال ضعف الإقبال على البطاقة البايومترية، معتبراً أن «ذلك يعكس انعدام الثقة في النظام السياسي الحالي بسبب المحاصصة الطائفية السياسية وسوء الخدمات والملفَّين الأمني والاقتصادي. ولكن أعتقد أنه إذا خرجت نخبة مثقفة للاقتراع فسيكون هناك تغيير كبير. أمّا إذا حصل عزوف فستكون كارثة، وتبقى نفس الشخوص الفاسدة والطائفية تتصدّر المشهد السياسي. وعلى الحكومة العراقية حثّ الناس على الخروج إلى الانتخابات وتوعيتهم بكونها انتخابات مفصلية ومصيرية ترسم الخريطة السياسية للعراق».

حيدر الملا
بدوره، حيدر الملا المرشّح عن «تحالف تقدّم الوطني» بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، يُبدي تشاؤمه من الوضع السياسي في العراق، ويرى أنه من «السابق لأوانه الحديث عن تحالفات، لأنها تعتمد على النتائج الانتخابية»، معتبراً أن «القانون الجديد لا يمكن أن يفرز أغلبية مريحة، وبالتالي سيكون هناك بازار على الصوت الواحد». ويُعارض الملا مشاركة فصائل المقاومة في العملية الانتخابية، قائلاً إنه لم يكن لديها تمثيل حتى عام 2018، متوقّعاً أن «نشهد توسّعاً في تمثيل هذه الأجنحة المسلّحة، ينعكس سلباً على الواقع بكلّ أبعاده التي ستؤثّر على الناس ككلّ»، وكذلك أن يحظى «تحالف تقدّم» بما بين 70 و80 في المئة من المقاعد «السُنّية» في المناطق التي هو مرشّح فيها. ويلفت إلى أن «الانتخابات المبكرة كانت مطلب تظاهرات تشرين. والنقطة الإيجابية أن الكاظمي غير مشارك مباشرة أو من خلال حزب. كما أن ثمّة ضمانات قضائية للعملية الانتخابية، فقد أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى فايق زيدان أنه ستتمّ اتّخاذ خطوات تجاه الأمن الانتخابي تصل إلى حدّ شطب مَن يحاول التزوير، وقد نشهد خلال الأيام العشرة المقبلة شطب مرشّحين قاموا بمحاولات تزوير. المراقبة الأممية أيضاً ضامن لنزاهة الانتخابات، وكذلك الترشيح الفردي. لذا، فإن نسبة التزوير لن تكون مؤثرة». ويعترف بـ«أننا سنشهد خلال هذه الانتخابات نوّاباً معقّبي معاملات»، مشيراً إلى أنه شخصياً يحظى بدعم كبير من رئيس اللائحة، وهذا يعطيه إمكانية الوصول إلى السلطة التنفيذية لتحقيق مطالب منطقة المنصور في بغداد التي يخوض الانتخابات عنها، مضيفاً أن بإمكانه الفوز بسهولة على منافسه في الدائرة، وائل شكر.