جنين | خمسة شهداء وعدد من المعتقلين، إصابة ضابط وجندي نخبة في جيش الاحتلال، حصار بيتٍ ومنطقة جبلية، اشتباكات مسلّحة عنيفة ومواجهات شعبية. هكذا بدا المشهد في جنين وشمال غربي القدس، يوم أمس، قبل أن يعلن العدو عن تنفيذ قواته الخاصّة ضرباتٍ متتالية استهدفت خليّة مقاوِمة تابعة لحركة «حماس». ففي جنين، بدأت «الحملة» الإسرائيلية باكراً، من خلال عملية خاطفة نفّذها جنود يستقلّون مركبة مدنيّة، هاجموا المطارَد محمد مازن السعدي، ورفيقه أحمد صلاح أبو رميلة - وكلاهما يتبع لحركة «حماس» -، واعتقلوهما من مركبة كانت متوقّفة لتعبئة الوقود داخل محطة محروقات «النفاع»، ليردّ مقاومون من «سرايا القدس»، بعد اعتقالهما بدقائق، بإطلاق النار على حاجز الجلمة قرب جنين.لساعات قليلة، خيّم السكون على المنطقة، قبل أن تعاود قوّة الاحتلال الخاصّة، «دوفدوفان»، التسلُّل، فجراً، إلى بلدة برقين غرب جنين، فارضةً طوقاً عسكرياً وحصاراً حول بيتٍ يقع عند أطراف البلدة. حصارٌ سرعان ما اندلع على إثره اشتباك مسلّح بين القوّة الإسرائيلية ومقاومين، ليتبيّن أن الهدف من وراء العملية العسكرية، خلية تابعة لـ«كتائب القسّام» كانت متحصّنة داخل البيت المستهدَف، وفق ما أفادت وسائل إعلام عبرية. وبحسب زوجة صاحب المنزل المستهدَف، فإن الزوج الذي يعمل ممرّضاً لم يكن موجوداً في الطابق الثاني حيث يقطنان، لكنها اكتشفت، عند اقتحام جيش العدو محيط منزلهما، أنه كان برفقة مقاومين آخرين أسفل البيت، حيث شاهدته جريحاً. وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن مقاومين اشتبكوا مع جنود الاحتلال فور حصارهم للبيت، وفيما حاول بعضهم الانسحاب، أعلن العدو اعتقالَ أفرادٍ من خلية تابعة لـ«حماس» في جنين. وتزامن ذلك مع مواجهات دارت في محيط البيت المستهدَف، استشهد على إثرها أسامة ياسر صبح (من «سرايا القدس»)، والفتى يوسف محمد صبح (16 سنة). وأوضحت مصادر «الأخبار» أن الفتى الشهيد أطلق النار على جنود القوّة الخاصة من بندقية «كارلو» كانت بحوزته، فيما خاض الشهيد أسامة اشتباكاً مسلّحاً مع جيش العدو في محاولةٍ لفك الحصار عن البيت الذي تحصّن فيه المقاومون. ولمّا كانت القوّة الخاصة، «دوفدوفان»، تهمّ بالانسحاب، لاحقتها مركبة مسرعة، وأطلقت النار عليها، قبل أن يُقدم العدوّ على اعتقال سائقها. وعلى خلفية تسارع الأحداث، وصفت إذاعة الجيش الإسرائيلي الحدث في برقين بـ«المعقّد»، بسبب إصابة ضابط وجندي من «قوّة النخبة» التي وقعت في كمين مقاومين فلسطينيين، أمطروها بالرصاص من على مسافة قريبة، فيما جرى إجلاء المصابَين اللذين وصفت حالتهما بالخطيرة، بطائرة مروحية.
حدث ما لم يكن في الحسبان حين أصيب قائد القوّة الخاصّة المهاجِمة وجندي آخر برصاص المقاومة


لم تكد العملية في جنين أن تنتهي، حتى اتّجهت الأنظار إلى منطقة عين عجب في بلدة بيت عنان شمال غربي القدس، حيث تحصّن ثلاثة مقاومين من بلدة بدّو، هم: المطارَد أحمد زهران، وزكريا بدوان، ومحمود حميدان، وجميعهم ينتمون إلى حركة «حماس»، وأسرى محرّرون من السجون الإسرائيلية، في مغارة وكوخٍ يقع إلى جانبها. وأفادت مصادر «الأخبار» بأن مقاوماً أطلق النار على القوّة الخاصّة الإسرائيلية عند اكتشافها، بينما حاول آخران الانسحاب من المكان، لكن الثلاثة استشهدوا. وبحسب الرواية المحلّية، فإن حميدان وبدوان عملا كمساعدَين لوجستيين للمطارَد زهران، حيث كانا برفقته على رغم أنهما يعيشان حياة طبيعية وليسا مطلوبَين، بل وحضرا حفل زفاف قبل استشهادهما. وأشارت آخر التقديرات إلى أن الاثنين ربّما أحضرا طعاماً أو مواد تموينية وتوجّها نحو مخبأ زهران، حيث تمّت ملاحقتهما قبل مداهمة القوّة الخاصّة الإسرائيلية للمكان. من جهته، نشر الإعلام العبري صورتَين من مكان استشهاد المقاومين الثلاثة، تظهر فيهما بندقية وعدّة مخازن ذخيرة، إضافة إلى منظار عسكري ومعدات أخرى ومواد غذائية وسجائر، فيما أعلن العدو أنه ضرب خلية تابعة لـ«حماس» في جنين وشمال غربي القدس، واغتال أربعة مقاومين على الأقلّ، واعتقل عدداً آخر، قبيل تنفيذهم عمليات فدائية ضدّ أهداف إسرائيلية. والشهيد أحمد زهران هو أسير محرّر من حركة «حماس»، أمضى ما مجموعه أكثر من ستّ سنوات في السجون الإسرائيلية بعد اعتقاله ثماني مرات، وهو شقيق الشهيد زهران زهران، أحد أبرز قادة «القسّام» في منتصف التسعينيات، والذي شارك في خطف الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان. ويتعرّض أحمد زهران وعائلته، منذ أسابيع، لملاحقة إسرائيلية بدأت على إثر رفضه تسليم نفسه، وقراره المضيّ مطارَداً خارج بيته، فيما أقدم العدوّ على اعتقال تسعة من أفراد عائلته ثم زوجته للضغط عليه، لكن من دون جدوى. ونعى بيان رسمي صادر عن «كتائب القسّام» الشهداء، مشيراً إلى جهودهم في الإعداد والتجهيز للمقاومة، وفي هذا إشارة تدل على صحّة فرضية وجود خلية لـ«القسام» كانت في طور التشكُّل أو أنها كانت تتجهّز لتنفيذ عمليات. وتعهّد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، صالح العاروري، بتدفيع الاحتلال الثمن، و«نعد شعبنا أن دماء الشهداء لن تذهب هدراً».
وبينما تتّجه الأنظار إلى مخيّم جنين بوصفه «معقلاً للمقاومين والمسلّحين»، تطفو على السطح بؤر تصعيد جديدة بعيدة نسبياً، مثل بلدة برقين (غرب)، ومنطقة شمال غربي القدس. ولدى مطابقة بيان «القسّام» مع بيانات جيش العدو وظهور مقاومين في مخيم جنين، يتأكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ وجود جمر يغلي تحت الرماد و«اشتباكات مسلّحة مؤجّلة»، في ظلّ حديث جيش العدو عن استمرار ملاحقة مقاومين آخرين لا يزالون طلقاء. أمّا أزمة مقاومي المخيّم، فلا تزال على حالها، حيث خرج عشرات المسلّحين من فصائل مختلفة قبل أيام في تأبين لآخر أربعة شهداء في جنين متوعّدين العدو الإسرائيلي.
وعلى رغم محاولة «الشاباك» وجيش الاحتلال الابتعاد عن خوض مغامرة غير محسوبة في جنين، يبدو أن القرار الإسرائيلي كان، كما رجّحته «الأخبار» سابقاً، بشنّ العدوّ عمليات خاطفة وسريعة عبر قوات «مستعربين» أو قوات نخبة خاصة للقضاء على المسلّحين والمطلوبين تدريجياً. ويهدف العدوّ من وراء هذا التكتيك، إلى الحدّ من خسائره وتجنّب سقوط أعداد أكبر من الشهداء الفلسطينيين، والذي يمكن أن يؤدّي إلى تصعيد أعنف وأوسع نطاقاً في الضفة الغربية، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حين أُصيب قائد القوّة الخاصّة المهاجِمة وجندي آخر برصاص المقاومة الفلسطينية.