ستوقف الحكومة دفعةً أسبوعية إضافية كانت تمنحها للمواطنين الفقراء والعاطلين من العمل
كلّ ما سبق، راكم تغييرات متوازية جرى التعامل معها دائماً بمنطق إدارة الأزمة، أو بالتجاهل التّام، وفق صيغة «دع السوق تعدّل نفسها»، أو حتى بمزيد من الخصخصة. لكنّ الأمور شرعت الآن، كما يظهر، بالانتقال نحو تغييرات نوعية كارثية تلاقت على إطلاقها الإدارة الفاشلة لجائحة «كوفيد-19»، كما التهوّر الإيديولوجي الموهوم وأحلام استعادة مجد الإمبراطورية الزائل والتي دفعت المحافظين إلى قرارهم إسقاط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهي ميزة استراتيجية قدّمت للدول الأعضاء، على الرغم من كل المآخذ عليها، نوعاً من شبكة أمان تكاملية.
تواجه بريطانيا، اليوم، أوضاعاً لا تُحسد عليها. فالبلاد لمّا تتعافَ بعد من التداعيات المترتّبة على الأزمة الوبائية، فضلاً عن أن هناك تخوّفاً حقيقياً - في الأوساط العلمية - من موجة متجدّدة قاسيّة تلوح في الأفق، وترقُّب لارتفاع جنوني في أسعار الغاز (مصدر الطاقة الرئيس لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء وتشغيل المعامل والزراعة) بعد خلل أصاب خطوط النقل من أوروبا عبر بحر المانش، وتقلُّص الإمدادات المحلية من بحر الشمال، مع رصيد مخزون استراتيجي يكفي بالكاد لأربعة أيام. كما أن هناك عجزاً حادّاً في قدرة شبكات الإمداد على توفير احتياجات المملكة من المحروقات والمواد الخام، والمنتجات الاستهلاكية من الغذاء بأنواعه، إلى الألعاب، ما يمكن أن يؤدّي إلى تضّخم غير مسيطَر عليه في أسعار الخدمات والسلع المقدَّمة للمستهلكين - عند توفرها -، فيما أعلنت الشركة الأميركية التي تنتج معظم إمدادات غاز الـ CO2 - الحيوي لبعض الصناعات التحويليّة - أنها ستتوقّف عن العمل، وستُشهر إفلاسها. ومن المعروف أن شبكة الإنترنت في البلاد تُعدّ الأسوأ من نوعها مقارنة بدول غرب أوروبا، كونها متأخرّة عدّة سنوات على خلفية رفض تبنّي حلول الجيل الخامس للاتصالات، والتي توفّرها الصين.
في الوقت ذاته، ستوقف الحكومة، مع نهاية تشرين الأول المقبل، دفعةً أسبوعية إضافية كانت تمنحها للمواطنين الفقراء والعاطلين من العمل (جزئياً أو كلياً من الذين يتلقّون إعانات اجتماعية) لمساعدتهم على تجاوز مرحلة العزل التي رافقت الجائحة، في ظلّ إعادة فرض بنود تعجيزية للحصول على المعونات كانت قد علّقتها لبعض الوقت، فيما ترتفع تكاليف الخدمات والمواد الاستهلاكية بلا رقيب، علماً أن المنافسة التجارية في معظم القطاعات الحيوية إمّا وهمية إلى حدّ كبير، أو مبنيّة على أسس هشّة على نحو متزايد لمصلحة عدد صغير من عمالقة المحتكرين متعدّدي الجنسية. وفي تقاطع جناحَي المقصّ هذا، ستجد الطبقة العاملة البريطانية نفسها وهي تستعيد أجواء السبعينيات الكئيبة، وأقتمها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما شتاء عام 1979 عندما وصلت الأزمة الاقتصادية إلى ذروتها في ما سمّي «شتاء السّخط»، وهي أجواء يكفي مجرّد التفكير في العودة إليها لجعل قادة الحكومة الحالية يرتجفون من قلق انحدار الجزيرة إلى الفوضى والاضطرابات المحمّلة ببذور ثورة بلا رأس، الأمر الذي دفع صحف اليمين المؤيّدة للمحافظين إلى التحذير من تسونامي مقبل بدأت معالمه الأوليّة بالظهور.