الخرطوم | استفاق مواطنو الخرطوم، يوم أمس، على وقع أنباء محاولة انقلابية لمجموعة من ضبّاط الجيش برتب مختلفة، يقودهم ضابط برتبة لواء وتساندهم مجموعة من المدنيين، سيطرت على سلاح المدرعات في ضاحية المهندسين في أمّ درمان غرب الخرطوم، وعمدت إلى إغلاق الجسر الرابط بين المدينتَين. وكان من الممكن أن يمرّ خبر المحاولة من دون أن يكترث له أحد، كغيره من المحاولات الانقلابية التي تمّ إجهاضها منذ الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، لولا المناشدة التي أطلقها عضو «مجلس السيادة» والمتحدّث باسمه، محمد الفكي، للمواطنين، طالباً منهم النزول إلى الشارع وحماية عملية الانتقال السلمي للسلطة. ووفق مصدر في الجيش تحدّث إلى «الأخبار»، فإن قائد المحاولة الانقلابية، اللواء عبد الباقي بكراوي، وصل إلى سلاح المدرعات عند الساعة الثالثة من فجر يوم الثلاثاء، وفرض ومجموعته السيطرة على اللواء الموجود هناك (وهو الأكبر والأكثر جاهزية)، وتمترس خلف المدرعات حتى بعد اكتشاف العملية، غير أنه استسلم لاحقاً من دون إراقة دماء بعد مفاوضات مع قيادة الجيش. وفي الوقت نفسه، توجّهت مجموعة أخرى مؤيّدة للانقلاب إلى مباني القيادة العامة للجيش شرق الخرطوم، حيث كانت تنوي السيطرة عليها بالتسلّح بالمدرعات الموضوعة داخل مباني القيادة، لكنّ الاستخبارات العسكرية تنبّهت، بحسب المصدر نفسه، إلى تحرّكات تلك المجموعة، وطلبت من عناصرها النزول من على ظهر المدرعات بهدوء، وهو ما حدث بالفعل. وبالتزامن مع ذلك، سيطرت مجموعة من الضباط على لواء المدرعات في ضاحية الشجرة جنوب الخرطوم، وكانت آخر المستسلمين من بين مجموع الانقلابيين. ويُعرف عن مجموعة الضباط الذين قادوا المحاولة ولاؤهم للمؤسسة العسكرية، ومناهضتهم لقائد ميليشيا «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ إذ تسرّبت، توازياً مع التطوّرات الأخيرة، فيديوهات لقائد العملية، اللواء بكراوي، مطلع عام 2020، يهاجم فيها دقلو، ويتحدّث عن قدرة الجيش على تغيير المشهد في أيّ وقت، و«العبور بالبلاد إلى الأمام» وفق الاتفاق المبرم بين الجيش و«قوى الحرية والتغيير»، مبدياً دعمه الكامل للشراكة مع المدنيين، واستعداده لحماية الحكومة المدنية إلى حين انتهاء الفترة الانتقالية وحماية التحوّل الديمقراطي بإجراء الانتخابات. وبحسب المصدر العسكري الذي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «الدفعة 39 من القوات المسلحة، والتي تَخرّج فيها قائد المحاولة الانقلابية، معروف عنها ولاؤها للمؤسسة العسكرية فقط، وأن أفرادها مقاتلون أقوياء لم يستطع النظام السابق كسبهم إلى صفّه وأدلجتهم».
يُعرف عن مجموعة الضباط الذين قادوا المحاولة ولاؤهم للمؤسسة العسكرية

وأوضح المصدر أن «مجموعة الانقلابيين غير راضية عن المكوّن العسكري في مجلس السيادة، وترى فيه ضعفاً مكّن الدعم السريع وغيره من القوات من الاستقواء على حساب الجيش، كما أن قيادة الجيش لم تعمل على تنظيفه من العناصر الذين يعملون كمخالب لمصلحة النظام السابق». وفي الاتجاه نفسه، برّأ محلّلون الانقلابيين الجدد من تهمة موالاة النظام السابق، معتبرين أن النوايا الوطنية هي التي دفعتهم نحو خطوتهم، على اعتبار أن «أيّ شخص يرى في نفسه المخلّص للبلاد من الأزمات العديدة التي تمرّ بها»، خصوصاً أن وضع الدولة الهشّ يشجّع كلّ طامع في السلطة على السعي نحو تحقيق هدفه. غير أن آخرين قلّلوا من شأن العملية، معتبرين إيّاها محاولة من قِبَل الجيش لجسّ نبض الشارع، ومعرفة مدى تقبّله لعملية انقلاب بدعوى «تصحيح مسار الثورة»، علماً أن كثرة المحاولات الانقلابية في الفترة الماضية جعلت الشارع في حالة تشكّك إزاء ما شهده يوم أمس.
على المستوى الرسمي، أعلنت وزارة الإعلام القبض على قادة المحاولة الانقلابية من العسكريين والمدنيين، وذلك في أعقاب تصفية آخر جيوب الانقلاب في «معسكر الشجرة»، مضيفة، في بيان، أن «الأجهزة المختصّة تواصل ملاحقة فلول النظام البائد المشاركين في المحاولة الفاشلة». وتحدث رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، من جهته، عن أن العملية سبقتها تحضيرات واسعة، باستغلال انفلات الأوضاع في شرق السودان، حيث قطع محتجّون الطرق القومية، وأغلقوا ميناء بورتسودان. ورأى حمدوك أن ما جرى يستهدف «تقويض الانتقال المدني»، معتبراً إياه «انقلاباً مدبّراً من جهات داخل القوات المسلحة وخارجها وهو امتداد لمحاولات الفلول منذ سقوط النظام البائد». ودعا إلى «إجراء مراجعة كاملة لتجربة الانتقال بكلّ شفافية ووضوح، والوصول إلى شراكة مبنيّة على شعارات ومبادئ الثورة»، مشدّداً على ضرورة «كشف الحقائق كاملة للشعب، ومحاسبة الضالعين عسكريين ومدنيين وفق القانون»، حاضّاً الشعب على «ممارسة حقه في دعم الحكومة وتحصين الانتقال».