الظاهِر الإيجابي الذي طبعَ تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لا يُخفي بأن آفاق العمر القصير ــــ الذي سيُشكّل اختباراً للتعايش بينَ مكوناتها ــــ صعب ولا يُبشّر بالخير. ذلِك أن المعلومات التي تتسرّب عن أجواء اجتماعات لجنة صياغة البيان الوزاري بشقَّيها السياسي والاقتصادي، والذي يُرجّح إنجازه في الساعات الثماني والأربعين المقبلة، تعكِس بأن القضايا الإشكالية والخلافية التي فجّرت حكومة الرئيس سعد الحريري بعدَ «17 تشرين» انسحبت على الحكومة الحالية أيضاً. وهو ما يُمكِن أن يهدّد بتفخيخ الزخم المطلوب لمعالجة الملفات الأكثر إلحاحاً خلال المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.فليسَ من باب الصدفة، أن تتحرّك «الألغام» السياسية باكراً على طاولة مجلس الوزراء، قبلَ نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب. إذ استبقت هذه الثقة حزمة مؤشرات ظهرت في مداولات اللجنة في اجتماعها الثاني، بحيث تبيّن من مداخلات الوزراء المشاركين في اللجنة أنهم نقلوا إليها خلافات القوى السياسية التي يُمثلونها. في المسار العام، سارت الأمور تحت سقف التسوية «الاضطرارية» التي سمحت بولادة الحكومة، فجرى الاتفاق، وفقَ ما أشارت مصادر اللجنة الوزارية على «ذكر الالتزام بالمواثيق الدولية والدستور، كما الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها»، بالإضافة إلى «استكمال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت والتفاوض مع صندوق النقد الدولي». وتحت هذا العنوان العريض، توصّل النقاش إلى «ذكر البرنامج التفصيلي لكل وزارة على حدة، وخطتها للمرحلة المقبلة».
أما في التفاصيل، فيُمكن الإشارة إلى نقطتين أساسيتين يُمكن البناء عليهما منذ الآن، للتأكيد على أن الأولويات غير مبرمجة لمصلحة إطلاق خطّة تعافٍ، ولا التعامل مع الأزمة الاستثنائية التي يمُر بها لبنان بأسلوب غير تقليدي. أولى هذه النقاط، هي ما أشارت إليه المصادر بالحديث عن «المناكفات التي حصلت خلال مناقشة ملف الكهرباء وإنشاء المعامل». تقول المصادر إن «توجّه رئيس الحكومة كان يقضي بعدم ذكر أو تحديد المعامل في البيان الوزاري، استدراكاً لتداعيات الدخول في التفاصيل التي قد تؤجّل إنجازه»، إلا أن «وزراء حركة أمل في الحكومة أصرّوا على حصر التسمية بمعملَيْ دير عمار والزهراني»، في إشارة واضحة «إلى إسقاط معمل سلعاتا من برنامج الحكومة»، وهو ما يؤكّد أن «الخلاف على خطة المعامل الذي ظلّل الحكومات السابقة مستمر، ولا طائل منه سوى رفع مستوى الاشتباك السياسي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر داخل الحكومة». ويؤشر هذا الأمر إلى استمرار حالة تعطيل أيّ خطة لحل أزمة الكهرباء مستقبلاً.
خلافات في لجنة البيان الوزاري تؤشّر إلى تعطيل مسبق لأيّ خطة لإنقاذ قطاع الكهرباء


أما النقطة الثانية، فهي محاولة «التشاطر» في توصيف الشق المتعلق بأزمة القطاع المصرفي. بعدَ اقتراح رئاسة الجمهورية تضمين البيان الوزاري عبارة «إعادة هيكلة القطاع المصرفي»، لفتت المصادر إلى أنه جرى أمس الاتفاق على تعديل التوصيف واعتماد صيغة «تصحيح وضع القطاع، وتنشيط الدورة الاقتصادية مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق المودعين وأموالهم». وهذه النقطة إنما تدلّ على أن اللجنة الوزارية تعتمِد أسلوب التذاكي للتهرّب من مسألة إعادة الهيكلة بما في ذلِك من تقييم لحالة كل مصرف على حدة، ووجوب تطبيق القوانين والمعايير اللبنانية والدولية، بما يخصّ تحديد المصارف القابلة للحياة، وإعلان إفلاس المصارف غير القادرة على الاستمرار ودمج ما يمكن دمجه منها وتصفية البنوك الميؤوس منها وتحميل أصحابها بأموالهم الخاصة مسؤولية أموال المودعين، كما وضع أسس جديدة للعمل المصرفي في لبنان بما يضمَن نشوء قطاع حيوي وفعّال، بشكل يخدم الاقتصاد والمجتمع، ويؤمّن في الوقت عينه مستويات معقولة من الربحية تضمَن استمراره. والأكثر إصراراً على إسقاط أيّ ذكر لـ«إعادة هيكلة القطاع المصرفي» هو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بما يؤكد أن أصحاب القرار والمرجعيات السياسية يعملون لإبقاء القطاع المصرفي على ما هو عليه، لجهة عدد المصارف وحجمها، مع استخدام المال العام لإنقاذها من الإفلاس. ويجري التهويل بأن إعلان وجود نية بإعادة هيكلة القطاع المصرفي يُضرّ بالثقة بالمصارف اللبنانية، علماً بأن هذه البنوك تحتاج إلى سنوات لاستعادة الثقة المفقودة بها، كما لترميم صورتها المحطمة، منذ بدء فرضها قيوداً على المودعين، ثم امتناعها عن تمويل الاستيراد في أيلول 2019، وصولاً إلى إعلان توقفها عن العمل في 17 تشرين الأول 2019، وهو ما فتح باب الانهيار الأكبر من نوعه في تاريخ المصارف اللبنانية.