«لن نترك أحداً في دبي، وسنأخذ جميع الموظفين إلى الرياض»، بهذه العبارة أعلن المدير العام لقناة «العربية» ممدوح المهيني أوّل من أمس أمام موظفي الشاشة السعودية انتقال المحطة من دبي الإماراتية إلى الرياض. بعد قرابة 18 عاماً من تمركز القناة السعودية في الإمارات، قرّر السعوديون نقلها نهائياً إلى الرياض لأسباب سياسية في الدرجة الأولى. رغم أن الموظفين (يصل عددهم إلى المئات)، لم يكونوا بعيدين عن أجواء هذا الانتقال، إلّا أنّ القلق والحيرة سيطرا عليهم خلال اجتماع المهيني، فيما ظلّ السؤال الأبرز: إذا كانت الشبكة قد انطلقت منذ سنوات بعملية «السعودة» في دبي، فكيف سيكون الأمر عليه في الرياض؟قبل حوالى ثلاثة أشهر، أعلن عبد الرحمن الراشد أحد مؤسّسي القناة ومديرها السابق (بين 2004 و2014 ثم عاد أخيراً إليها)، أنّ «العربية» ستنتقل قريباً إلى الرياض. وأوضح الإعلامي السعودي الذي يتحكّم بقرارات الشبكة من بعيد ويدير قناة «الشرق» (بلومبيرغ العربية) أيضاً، أن قرار الانتقال «جاء بعد التطوّر الاجتماعي والثقافي الذي تشهده السعودية، ما سيتيح للعاملين غير السعوديين حرية التنقل والحركة والمعيشة، إضافة إلى إصلاحات السوق وقوانين العمل التي ستسهّل للقناة استقدام الموظفين من الخارج». هكذا، مهّد الراشد، المقرّب من دوائر القرار السعودية، لقرار مغادرة الإمارات نهائياً وجاء بمثابة إبلاغ للإماراتيين به. في هذا السياق، بات معروفاً أن خلفيات انتقال «العربية» إلى الرياض متشابكة، تشوبها «خلافات» في وجهات النظر بين السعوديين والإماراتيين تطال الإعلام وبعض الملفات السياسية. فالصراع واضح بين «الأخوين» الخليجيين على استقدام أكبر عدد من المؤسسات الإعلامية لتلميع صورتهما، وتمهيداً لمخططاتهما السياسية ضمن بروباغندا توضع وتنفّذ حرفياً. ورغم تراجع أداء «العربية» في السنوات الماضية إثر الحروب في العالم العربي ودعمها بعض الجماعات «الإرهابية»، لكن الصراع الخليجي على الشبكة لم يتراجع، لأنها الأشدّ منافسة لـ «الجزيرة» القطرية. وكانت «العربية» رأس حربة إماراتية سعودية ضد قطر، خلال مرحلة الخلافات.
في هذا السياق، تلفت مصادر لـ «الأخبار» إلى أنّ ممدوح المهيني أعلن أمام الموظفين بدء التحضير للانتقال إلى الرياض على ثلاث مراحل متتالية، على أن ينطلق من استديوات «العربية» في الرياض، تقديم نشرات الأخبار، كخطوة تمهيدية نحو تعزيز ذلك المكتب الذي جُهّز من الناحية التقنية واللوجستية ليخرج على الهواء مباشرة بنشرات أخبار وملاحق إعلامية. وتلفت المصادر إلى أن السعودية التي تملك في الأساس مكتباً في الرياض، تضع نصب عينها استقدام «العربية» إلى وطنها الأم، واستكمال مرحلة «سَعوَدة» الشبكة بعدما بدأ بها السعوديون قبل سنوات وأدّت إلى الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين العرب متعدّدي الجنسيات. من جانبه، يخشى موظفو «العربية» قرار ترك دبي، خاصة أن الحياة المعيشية والاجتماعية في الإمارات تختلف كلّياً عن تلك في الرياض. ويوضح الموظفون أن العاملين (تقنيين وصحافيين..) حصلوا على تطمينات بعدم الاستغناء عنهم عند الانتقال إلى السعودية، لكن هذا الكلام لم يشفِ غليلهم، لا سيما أنّ «العربية» شهدت نفضات عدّة في السابق أدت إلى توظيف سعوديين في مختلف القطاعات. عامل الخوف سيطر على اللبنانيين الذين يعيشون هاجس الخلافات السياسية بين بيروت والرياض، وما نتج منها من تصفية عدد من الموظفين يومها، لحقها إغلاق مكتب «العربية» في بيروت عام 2016 وتسريح جميع الموظفين لأسباب سياسية بحت، قبل أن تعود «العربية» وتتعاون مع فريق عمل متواضع من بيروت لتغطية الأخبار.
التحضير للانتقال سيتمّ على ثلاث مراحل متتالية بدءاً من الشهر المقبل


في المقابل، توضح المعلومات لـ «الأخبار» أنه رغم الإغراءات والتسهيلات التي قدّمتها الإمارات لإبقاء «العربية» تحت جناحيها، إلا أنّ السعوديّين رفضوا تلك الخطوة. حتى إنّ القائمين على «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» (ضمنها «الشرق الأوسط»، mbc، مجلة «سيدتي»، قناة «الشرق للأخبار»، وصحيفة «الشرق الأوسط»...) لم يشعروا بالرضى عن أداء الشبكة، خصوصاً عند مقتل الصحافي جمال خاشقجي (1958 ـــــ 2018) في تركيا والفشل في تغطيته إعلامياً. هذا الأمر «أغضب» الديوان السعودي الذي اعتبر أن «العربية» مقصّرة تجاه قضية أودت بـ«سمعة» ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مقابل نشاط قناة «الجزيرة» لفضح الجريمة. أضف إلى ذلك تمسّك الديوان بقرار «مشروع نيوم» الإعلامي والسياسي الذي يهدف إلى تحويل الرياض إلى مدينة إعلامية أسوة بالإمارات.
على الضفة الأخرى، عند انتشار خبر انتقال «العربية» إلى الرياض، بدأ التساؤل حول مصير شبكة mbc التابعة للقناة. قبل عامين تقريباً، وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود رئيس مجلس إدارة مشروع «المدينة الإعلامية» عقداً مع وليد آل إبراهيم رئيس مجلس إدارة mbc لانتقال القناة إلى الرياض. لم يخرج «الدخان» الأبيض لانتقال الشبكة، لكن التحضيرات بدأت تُطبخ بهدوء بعيداً عن الأضواء. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، افتتحت mbc استديو جديداً لها في الرياض حيث بدأ البثّ بفقرة من البرنامج الصباحي «صباح الخير يا عرب» (يتولّاه عدد من المقدّمين) الذي انطلق بحلّته الجديدة. لكن لم تتوسّع بعد خطوة انتقال mbc إلّا بعد استكمال انتقال قناة «العربية» التي تعتبر أولوية لوليّ العهد على اعتبار أنها تعزّز حضوره السياسي.