غزة | بعد وقت قصير من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، الرئيس الأميركي جو بايدن، في واشنطن، التقى وزير أمن الاحتلال بيني غانتس، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في رام الله، تدشيناً لسلسلة لقاءات مزمع عقدها بين الطرفين، في إطار التمهيد لإطلاق عملية "السلام الاقتصادي"، المدعومة أميركياً وعربياً، والهادفة إلى إنقاذ السلطة ومنع انهيارها. وبحسب مصادر في السلطة تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن اللقاء بين عباس وغانتس كان مقرَّراً خلال الأسابيع الماضية، لكنه تأخّر بسبب وجود معارضة داخلية إسرائيلية، قبل أن يضغط البيت الأبيض، مدفوعاً بالتقارير المرفوعة إليه من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، في اتّجاه عقده، عبر طلب بايدن من بينت البدء بخطوات فعلية لإطلاق مرحلة جديدة من "السلام" مع السلطة، قائمة على أساس اقتصادي.وفور اللقاء بين بايدن وبينت، أعلنت حكومة الاحتلال عن قرض لمصلحة السلطة بقيمة 800 مليون دولار حتى نهاية العام الجاري، ليعقب ذلك لقاء هو الأرفع من نوعه منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، إذ التقى غانتس بعباس لمناقشة "قضايا السياسة الأمنية والمدنية والاقتصادية"، بحسب تغريدة لغانتس. وبينما نفت مصادر مقرّبة من بينت وجود عملية سياسية من وراء هذا التطوّر، أشارت مصادر السلطة إلى أن الاجتماع ناقش الوضع الاقتصادي للأخيرة بعد العقوبات الإسرائيلية، وضرورة إعادة إطلاق "عملية السلام"، بالإضافة إلى جهود رام الله في تهدئة الوضع في الضفة ومنع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة هناك، فضلاً عن سبل إضعاف حركة "حماس" في الضفة وغزة، ومنع الفصائل من تحقيق إنجاز على حساب السلطة، خاصة في قضية التسهيلات الاقتصادية وإعادة الإعمار. وكشفت المصادر أن الإدارة الأميركية الجديدة ستسعى، خلال الفترة المقبلة، إلى طرح مذكّرة تفاهم بين دولة الاحتلال والسلطة، تستهدف إرساء حلول جزئية، عبر تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة، والتراجع عن العقوبات الاقتصادية الإسرائيلية، وتمكين عباس من استعادة شعبيته وسيطرته على القرار الفلسطيني.
وصفت حركة «حماس» لقاء غانتس - عباس بأنه طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني


وكانت "هيئة البثّ الإسرائيلية" نقلت عن مصدر مقرّب من بينت قوله إنه "تمّت الموافقة مسبقاً على اجتماع غانتس - عباس من قِبَل رئيس الوزراء، وقد تناول القضايا الراهنة لجهاز الأمن الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية"، وإنه "لا توجد عملية سياسية مع الفلسطينيين، ولن تكون". وأشار غانتس، من جهته، إلى أنه أبلغ "عباس أن إسرائيل تسعى لاتخاذ إجراءات من شأنها تعزيز اقتصاد السلطة الفلسطينية، كما ناقشنا الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الضفة الغربية وغزة، واتفقنا على مواصلة التواصل بشكل أكبر حول القضايا التي أثيرت خلال الاجتماع". وعلمت "الأخبار"، من مصادر السلطة، أن اللقاء حظي بدعم عربي، في وقت تدفع فيه رام الله في اتجاه تعجيل موعد عقد قمّة ثلاثية فلسطينية - مصرية - أردنية في القاهرة، لحثّ الإدارة الأميركية على الوفاء بوعودها في ما يتعلّق بـ"حلّ الدولتين"، من خلال خطوات عملية تضع حدّاً للسياسة الاستيطانية التي تتواصل في جميع الأراضي الفلسطينية، خاصة في محافظة القدس، والعمل على فتح مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة "الدولة الفلسطينية المستقلّة"، وعودة اللاجئين.
في المقابل، شنّت الفصائل الفلسطينية هجوماً حادّاً على عباس، إذ وصفت حركة "حماس" لقاءه بغانتس بأنه "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وتضحياته وخيانة لدماء الشهداء"، متّهمة إياه بـ"العمل على تجميل وجه الاحتلال"، فيما اعتبر الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي"، طارق سلمي، أن "السلطة ورئيسها يديران الظهر للتوافق الوطني، ويضعان شروطاً تخدم الاحتلال لاستئناف الحوار الوطني، بينما يتسابقان للقاء قادة العدو ويضعان يديهما في الأيدي الملطّخة بالدماء البريئة، ويعزّزان ارتباط السلطة أمنياً وسياسياً مع عدو الشعب الفلسطيني!". وفي دولة الاحتلال، أثار اللقاء ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض؛ ففي الوقت الذي رحّب فيه وزير الصحة، نيتسان هورويتز، بالخطوة، قائلاً: "هذا ما فعلته في اجتماعي مع وزير الصحة الفلسطيني قبل أسابيع، وهذا ما يجب عمله في كلّ المجالات المدنية والاقتصادية والأمنية والسياسية"، وصف عضو "الكنيست" إيتمار بن غفير، اللقاء بأنه "فضيحة"، قائلًا: "إنهم يموّلون الإرهاب ويطلقون على الميادين والساحات أسماء الإرهابيين... يُقال إن بينت وافق على الزيارة. من يكون هذا بينت؟ وزير الجيش يمتلك مقاعد في الكنيست أكثر منه". وفي الاتجاه نفسه، دان عضو "الكنيست" عن حزب "ميرتس"، موسي راز، تصريحات المصدر المقرّب من بينت، بينما اتهم عضو "الكنيست" عن حزب "العمل" جلعاد كاريب، الحكومة السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو، بأنها فضّلت تعزيز موقف حركة "حماس" على الحوار مع السلطة، وألحقت ضرراً شديداً بالمصالح الإسرائيلية، معتبراً أنه "يجب على الحكومة الحالية أن تُغيّر نهجها نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطة الفلسطينية بشكل كبير ومستمرّ".