تحدّث الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله أمس في ذكرى «التحرير الثاني»، ليُذكّر بالضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية على الدولة اللبنانية لمنع مقاتلة التكفيريين في الجرود، لا بل مدّهم بالتجهيزات والأسلحة، وليربط بينها وبين السياسة الاقتصادية المُعتمدة حالياً بمنع الاستثمارات ودخول الأموال إلى لبنان، وفرض حظر على استجرار الغاز والكهرباء اللازمين له. يعيش لبنان في ظلّ حصار أميركي، وفراغ مؤسساتي داخلي يستوجب تأليف حكومة، «كيف لم تؤدّ الدماء والصرخات والآهات بالمسؤولين إلى إنجاز حكومة؟»، سأل نصر الله
الأكيد أنّ علّة النظام اللبناني بنيوية، تزيدها سوءاً سيطرة مجموعة من المُنتفعين على الدولة وجعلها في خدمتهم فقط، مع تعطيل أي محاولة لضرب مصالحهم. إلا أنّ ذلك لا يتعارض مع واقع أنّ لبنان يتعرّض لحصار أميركي، هدفه منع وضع حدّ للانهيار عبر إيجاد خطّة إنقاذية. وبحسب الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، فإنّ «من ينفي وجود حصارٍ على لبنان ولا يشعر به، هم أنفسهم الذين نفوا وجود تنظيم داعش أو غيره. من أوضح الواضحات أنّ هذا البلد يتعرّض منذ السنتين الماضيتين لحصارٍ كبير، عبر عدد من الموانع الاقتصادية، تحت طائلة التهديد بالعقوبات الأميركية». مؤشرات عدّة ذكرها نصر الله في كلمته أمس لتأكيد وجود حصارٍ على البلد، وهي: منع الدول من إيداع الودائع في البنك المركزي، الطلب من دولٍ سحب ودائعها من مصرف لبنان، منع تقديم قروض وأموال، منع القيام باستثمارات... «حتّى إذا كانت دولة كروسيا والصين جاهزة لتنفيذ استثمارات يتمّ التهديد. هذا ليس حصاراً؟». بالإضافة إلى ذلك، «قانون قيصر» على سوريا، لم يكن الهدف أميركياً منه «حصار على سورياً فقط، بل على لبنان أيضاً. أغلق الأبواب على كلّ اللبنانيين الذين أرادوا الاستثمار في سوريا، وهذه ضربة كبيرة للاقتصاد اللبناني». ولا يُمكن في هذا الإطار القفز فوق كلام سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيا، بعد الإعلان عن انطلاق أول سفينة محروقات إيرانية، بـ«الإذن» للبنان استجرار الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، والكهرباء من الأردن عبر سوريا. معلومات نصر الله تُشير إلى أنّ «الموافقة ليست نهائية»، أي أنّه ليس أكيداً موافقة دوائر الإدارة الأميركية على هذا الاستثناء، ولكن بكلّ الأحوال «كلام السفيرة اعتراف ضمني بأنّهم في السنوات الثلاث الماضية عطّلوا ومنعوا تطوير قطاع الكهرباء». سنوات عانت خلالها الخزينة العامة والشعب والاقتصاد، ولم تكن الدولة لتحصل على استئذان «لولا أنّ أحداً قال إنّنا سنأتي بالبنزين والمازوت من إيران. وهذا يُهدّد مشروع الأميركيين الداخلي». ردّة الفعل على الخطوة الأخيرة تؤكد أنّه لو رفع المسؤولون في لبنان صوتهم عالياً «في وجه السفارة الأميركية والمسؤولين الأميركيين لكانوا حصلوا على استثناء من قانون قيصر». قدّم نصر الله مثالاً ــــ مقارنة ــــ بين لبنان والحكومة الأفغانية الموالية لواشنطن (قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على الحُكم)، التي كانت تشتري البنزين والغاز المنزلي من إيران، «فإذا كنتم فعلاً مهتمين بالشعب اللبناني، وتعتبرونه أغلى من قططكم وكلابكم، أعلنوا استثناء لبنان من تطبيق قانون قيصر».
نصر الله: أما آن لهذا النقاش حول الحقائب والأسماء أن ينتهي؟


وبانتظار «بركة» الأميركيين (إن حلّت)، أعلن الأمين العام لحزب الله الاتفاق مع «الإخوة في إيران على البدء بتحميل سفينة ثالثة، فنحن مُقبلون على موسم شتاء وسيكون هناك ضغط خلال أيلول وتشرين الأول، لذلك السفينتان الأولَيان ومهما تكن الكمية المُحمّلة، مساهمتهما محدودة. نحن بحاجة إلى أكثر من سفينة». ويجب أن يستمر العمل «بكل ما يُساعد على تخفيف المعاناة، كمشروع البطاقة التمويلية». وبالتوازي، أولى نصر الله أهمية لمتابعة «ومراقبة شركات الغاز والبنزين والأدوية والمواد الغذائية، لمواجهة الاحتكار والتخزين والسوق السوداء». أما الأهم من كلّ الإجراءات «فهو تشكيل الحكومة، المدخل الطبيعي لإدارة الأزمة»، مُتأسّفاً كيف لم تتمكّن «دماء المظلومين في التليل (عكّار)، ولا صرخات المذلولين على المحطات، ولا آهات مرضى السرطان، أن تؤدّي بالمسؤولين إلى إنجاز الحكومة؟ أما آن لهذا النقاش حول الحقائب والأسماء أن ينتهي؟».
من ناحية أخرى، رأى نصر الله أنّ كل الوقائع «تؤكّد أنّ طريقة إدارة ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت قائمة على الاستنسابية والاستهداف والتسييس». التأكيد بالنسبة إليه لـ«الهواجس والمخاوف التي تحدثنا عنها سابقاً» يأتي من مذكرة الجلب بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، «ما قام به القاضي طارق البيطار استضعاف لرئيس الحكومة، ومخالف لنصوص الدستور. نُطالب الجهات القضائية بالتدخّل والتصرّف بما يُمليه الدستور، لأنّه لا يُسمح باستضعاف أي موقع».
مناسبة كلمة نصر الله أمس هي الاحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لتحرير الجرود الشرقية في 28 آب 2017. توصف الذكرى بالتحرير الثاني «لأنها يوم انتصار. ما حصل كان جزءاً من الحرب الكونية على سوريا، وجزء من مشروع كبير لسيطرة «داعش» على كلّ المنطقة». إلا أنّ «القتال الضاري الذي خاضه الجيش السوري ورجال المقاومة منع وَصل منطقة تدمر بالقلمون». هوية المعركة كانت «لبنانية ــــ سورية، شارك فيها الجيش العربي السوري، وقوات شعبية سورية وحزب الله، ومن الجانب اللبناني على مدى سنوات حزب الله وأهل المنطقة، وفي المرحلة الأخيرة شارك فيها الجيش اللبناني». المدّ اللوجستي تكفّلت به إيران، فذكّر نصر الله مُجدّداً بأنّ هذه الدولة «تُساعد وتدعم، في حين أنّ أميركا تصنع داعش وتُرسله إلى المنطقة وتمنع الدولة واللبنانيين من حسم المعركة في جرود البقاع تحت طائلة التهديد بوقف المساعدات للجيش اللبناني. الرئيس ميشال عون لم يرضخ للضغوط الأميركية». أخبر نصر الله كيف حمل أهل المنطقة السلاح «ومنهم من ينتمي إلى أحزاب كانت ترفض القتال. وحين تدخّل حزب الله، كان يُعبّر عن استجابة أخلاقية وجهادية لإرادة أهلنا في تلك المناطق. معارك تحرير الجرود كانت صعبة ومكلفة قبل أن يتدخل الجيش اللبناني ونُقاتل كتفاً إلى كتف».
وصف نصر الله التجربة بـ«المهمة جدّاً لحماية لبنان، وسُجّلت لمصلحة معادلة الجيش ــــ الشعب ــــ المقاومة، وسلاح المقاومة الذي يعمل البعض ليل نهار لاستهدافه... ونقول للتكفيريين، كما نقول للإسرائيليين، وإن عُدتم عُدنا». وتمنى نصر الله في الذكرى «التمكّن من مواجهة الحرب الاقتصادية، التي تُريد المسّ بإرادة بلدنا ومقاومتنا».
وكما كانت واشنطن تدعم «داعش» في سوريا والعراق، كانت تُغذّيه في أفغانستان. «الطائرات الأميركية نقلت كوادر داعش وعناصره من سوريا والعراق إلى أفغانستان، لتُقاتل بهم حركة طالبان ولإرباك دول الجوار بهم». حصل ذلك في السنوات التي سبقت إعلان الانسحاب، «لنتأكد من أنّ كلّ العناوين التي طُرحت بعد أحداث 11 أيلول، لغزو أفغانستان والعراق، عناوين كاذبة وكان الغرض الحقيقي الاحتلال ومصادرة القرار السياسي ونهب ثروات البلاد». وما يشهده العالم اليوم في أفغانستان «مشهد كامل لهزيمة وفشل وسقوط أميركي كامل».
كلمة نصر الله تزامنت مع ذكرى 31 آب، اختطاف واحتجاز الإمام السيد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا عام 1978. فاعتبر أنّ «إمام المقاومة والوطن، ورمز الضمير والقيم الإنسانية، كان حاجزاً ومانعاً لأي فتنة بالبلد. إزالته كانت استهدافاً للمقاومة ومشروع تحرير القدس وفلسطين واستهداف للسلم الأهلي».