مُفارقة لافتة تعتَري مسار تأليف الحكومة. هناك رغبة مشتركة بينَ الرئيسيْن ميشال عون ونجيب ميقاتي في استيلادها سريعاً، تظهر وكأنها ممنوعة. فليسَت على هُدى هذه الرغبة تسير المشاورات، والتي لم يعُد مُبالغاً به القول إن مُجملها لم يخرُج من دائرة صراع الديوك بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس تيار «المُستقبل» سعد الحريري. قياساً بالتجارب السابقة لمحاولات تأليف الحكومة بعدَ فترة «17 تشرين»، لا يجِد المعنيون بملف التشكيل سوى إسقاطها على الحاضِر، لتبرير دوران العملية برمتها عندَ 10 في المئة لم تُنجَز بعد.منذُ أيام لم يحصل أي تطوّر بشأن النزاع على بعض الحقائب والأسماء. المُتحدثون مع ميقاتي ينقلون عنه ارتياحاً كبيراً وكأن الحكومة ستولَد غداً، كذلِك من جانب عون الذي يُركّز دوماً على طبيعة العلاقة مع الرئيس المُكلف. غيرَ أن هذه العلاقة «المتناغمة» لم يُثمر أحد عشر لقاءً جمعهما في ترجمتها حكومياً، ولذلك فإن التقديرات غالباً ما تُراوح في الدائرة الرمادية.
على عكس الحريري، يحرَص ميقاتي يومياً على التشاور مع كل الأطراف، إما اتصالاً أو في جلسات ليلية. مع رئيس مجلس النواب نبيه بري و«الخليلين» وباسيل وسليمان فرنجية ووليد جنبلاط والحريري وكل من ستكون له حصّة. وما جمعته معظم هذه القوى عن حصيلة مشاوراته في بعبدا أن الحكومة ثابتة إلى الآن على 24 وزيراً، وعدم المداورة في الحقائب السيادية، وخمسة وزارات للطائفة السنية (من ضمنها الداخلية والصحة)، خمسة للثنائي حزب الله وحركة أمل (المالية، الأشغال، العمل، الزراعة والثقافة، التي سيتولاها محمد مرتضى). وبينما ستذهب «التربية» لجنبلاط، وستكون «المهجرين» من حصة النائب طلال ارسلان، والاتصالات والبيئة للمردة، فيما اتفق على أن وزارات الخارجية والدفاع والعدل والشؤون الاجتماعية والسياحة والإعلام والطاقة سيسميها رئيس الجمهورية.
لكن التوافق على هذه التوزيعة الطائفية للحقائب لا يؤكّد استقرارها على ما هي عليه، ما دامَ هناك خلاف على حقائب أخرى من بينها الاقتصاد «فالتبديل بأي حقيبة من شأنه أن ينسحب على بقية التوزيعة». أما الأسماء، فلا «يزال هناك خلاف بشأنها، تحديداً وزارة الطاقة التي طرح عون اسم المدير العام للمركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري لتوليها، واعترض عليه ميقاتي»، فضلاً أن «التوافق على اسم كل من وزيرَي الداخلية والعدل لم يحصل بعد».
ومن بين الأسماء المتفق عليها: السفير جهاد مرتضى لوزارة الزراعة، القاضي مصطفى بيرم للعمل، الدكتور علي حمية (مستشار في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية) للأشغال. أما للداخلية، فتقول المعلومات أن الكفة مرجحة لصالح إبراهيم بصبوص (وافقَ عون عليه مع بعض الشروط). أما نائب رئيس الحكومة فقد جرى الاتفاق على مروان أبو فاضل.
نفى ميقاتي أن يكون في صدد الاعتذار، مؤكداً أنه يعمل مع عون على تذليل العقبات التي طرأت


وفيما قالت مصادر مقربّة من الرئيس عون إن «الخلافات حُسمت، باستثناء ثلاثة منها»، أشارت إلى أن «العقد المتبقية تتعلق بفيتوات يضعها ميقاتي على أسماء يقترحها رئيس الجمهورية». وفي المعلومات أن «عون طلب من حزب الله التدخل لدى ميقاتي وإبلاغه بأنه يريد تشكيل الحكومة لا الاعتذار، وأن يحاول الحزب إقناعه بالعدول عن هكذا فكرة». وعليه، تقول مصادر سياسية بارزة على بينة مِن المشاورات أن «الأجواء الإيجابية التي تجري إشاعتها من شأنها أن تتبدّد في أي لحظة وتنقلب إلى عرقلة كاملة». وأكدت المصادر أن «العقدة الأساسية تتعلق فعلاً بالأسماء، لأن ما يقال عنها أسماء توافقية بين عون وميقاتي هي التي ستحدّد حصّة كل منهما، فليسَ هناك اسم سيكون محسوباً عليهما معاً. إما سيكون ميقاتيّ الهوى أو محسوباً على الفريق الذي يقف خلفه، وإما سيكون عونيّاً بالمطلق»، لذا «لا يستخف أحد بالتسميات التي يُمكن أن تطيح بكل الجهود التي أوصلت مشاورات التشكيل إلى ما هي عليه الآن».
ورأت المصادر أن «المشكلة هي في أن عون وميقاتي لا يشكلان الحكومة منفردين، فباسيل والحريري يحرّكان خيوطها، بالتالي ما أفشلَ محاولات التشكيل سابقاً يُمكن أن يؤدي إلى النتيجة الحالية. فلا عون يُمكن أن يمرّر حكومة لا يرضى باسيل عنها، ولا ميقاتي قادِر على النزول عن السقف الذي تمسّك به الحريري».
وراجت ليلاً أجواء سلبية لم ينفها ميقاتي، لكنه نفى أن يكون في صدد الاعتذار، مؤكداً أنه يعمل، مع رئيس الجمهورية، على تذليل العقبات التي طرأت.
وبينما يتصاعد الضغط الدولي على المسؤولين من أجل التسريع في تشكيل الحكومة، قالَت مصادر قريبة من الجوّ الأميركي – الأوروبي أن «مرحلة جديدة يجري التحضير لها في حال لم ينجح ميقاتي في مهمته»، مشيرة إلى أن «عنوان هذه المرحلة هو إسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون، من خلال تحركات وحملات ستبدأ تباعاً، ما إن يتبيّن وصول المشاورات الحكومية إلى أفق مسدود». وأشارت المصادر إلى أن «هذه التحركات والحملات يجري التحضير لها من قبل أحزاب ومجموعات من المجتمع المدني المعارضة لعهد عون، وستكون منظمة وموسعة أكثر من الفترة الماضية، لأنه لن يسمح للعهد وحده بأن يقود البلاد حتى موعد الانتخابات النيابية في ظل فراغ حكومي».