قد لا يشبه يوم قناة «الجديد» المفتوح مع حرية الإعلام في مبنى «نقابة الصحافة» أمس، سابقه في 28 نيسان (ابريل) من حيث تسجيل النقابة لأعلى حشد إعلامي وشعبي. هذا في الشكل، أما في المضمون، فكانت الرسالة أقوى هذه المرة! سارت القناة على الدرب الذي قررت سلوكه بعد استدعاء المحكمة الدولية لنائبة رئيس مجلس إدارتها كرمى الخياط، إضافة الى دعوى ثانية بحق القناة مَثل عنها مديرها العام ديمتري خضر. حملتان متوازيتان، قرّرت «الجديد» خوضهما: الأولى إعلامية عبر اللقاء التضامني أمس في مقرّ نقابة الصحافة، وإيصال الأصوات المتضامنة من داخل المبنى وخارجه عبر التقارير الإخبارية، والثانية قضائية من لاهاي قررت القناة خوضها من داخل قاعة المحكمة وعبر الطرق القانونية. قد تكون الحملة الأولى معروفة وعلنية بما أنّ جلسات المحاكمة تنقل مباشرة على الهواء وتعقبها تصريحات من المعنيين عن سيرها، لكن ماذا عن الحملة الإعلامية؟ وكيف ستترجم؟ مراسل القناة جاد غصن الذي كان حاضراً مع زملائه، كشف مسار هذه المرحلة التي سيكون عنوانها «التشهير» بمعنى تسمية كل أهل الساسة المتقاعسين عن حماية الحريات الإعلامية ومعها الحق العام.

هؤلاء السياسيون الذين كلما استصرحهم صحافي، رفعوا أيديهم وأعلنوا عجزهم عن التدخّل مع المحكمة الدولية، هم في رأي المراسل الشاب ما زالوا يخضعون «للوصاية عينها ولو اختلف الوصي». يرى غصن في حديث مع «الأخبار» أنّ هناك اهتماماً واسعاً وتضامناً مع قضية «الجديد» و«الأخبار» من الجسم الإعلامي «أقلّه في العلن»، لكنه يعاتب جهات اعلامية أخرى قررت تحويل هذه القضية الى معركة الدفاع عن المحكمة الدولية، وتصوير ما يحصل بأنه مسّ بها، بينما الجدل ــ كما يقول غصن ــ ليس على «شرعية المحكمة» بل على استدعائها لمؤسستين اعلاميتين يفترض أن تقع قضيتهما في صلب الدستور اللبناني.
ناشر «السفير» طلال سلمان، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، ونقيب المحررين الياس عون، ورئيس «المجلس الوطني للاعلام» عبد الهادي محفوظ، والنائب السابق نجاح واكيم، وغالب قنديل، ومريم نور، والممثل نعمة بدوي، والممثل خالد السيد والوزيران السابقان فادي عبود ونقولا صحناوي... وجوه كثيرة في نقابة الصحافة، و«عجقة» مراسلين يتلقفون الضيوف للحديث مباشرة على الهواء، مع تسجيل للغائب الأبرز وزير الإعلام رمزي جريج. في مكتبة النقابة، أفرد «الجديد» استديو خاصاً للنقاش والتعليق على مجريات المحاكمة التي بثت مباشرة على الهواء، ووضعت لهذه الغاية شاشة عملاقة داخل القاعة الرئيسية للنقابة كي يتسنى للوافدين من اهل الاعلام والساسة والحقوق والفن مشاهدة هذه الجلسات. مراسلو القناة انتشروا في كل مكان لتأمين الضيوف والتنسيق في البث المباشر. حضرت القنوات المحلية: lbci وotv و «المنار» و nbn فيما غابت كل من mtv و«المستقبل» مع تسجيل لحضور مستشار رئيس مجلس إدارة قناة «المر» موفق حرب، الذي جدّد تضامنه مع الجسم الإعلامي. غلاف «الأخبار» كان الحاضر الأبرز بين أيدي الحاضرين أو حتى على جدران النقابة. كيفما دارت الأعين، وقعت على غلافها الشهير: «الأخبار... لا تمثل».
حضور بعض القنوات ومجاهرتها علناً بالتضامن الكامل مع «الجديد» و«الأخبار» ونقلها المباشر لما يجري في النقابة وأيضاً في لاهاي، كان لها وقع لافت. otv تمثلت بمدير أخبارها طوني شامية، الذي أكد لـ «الأخبار» تضامن المحطة الكامل مع قضية الصحافيين كرمى الخياط وابراهيم الأمين «كي لا يتحول الإعلام الى صوت واحد». وانتقد قرار المحكمة الدولية، التي تعمل «بطبيعة الحال وفق المواثيق الدولية، ومن ضمنها تندرج حقوق الإنسان التي يتشعب منها أيضاً حق الصحافي المدان اليوم». المعركة الإعلامية الجديدة المفتوحة جعلته يستذكر معركة المحطة البرتقالية ومن ورائها «التيار الوطني الحرّ» وفترة «القمع» التي تعرضوا لها، ويضيف: «اليوم، يعاد المشهد مع «الأخبار» و«الجديد» ويمكن «أن يحصل مستقبلاً مع أي وسيلة أخرى».
لدى رؤية المشهد كاملاً في الجسم الصحافي، يظهر الى العلن هذا الانقسام السياسي بامتياز في جوهره، وينسحب طبعاً على الإعلام على نحو مباشر. «المشهد اليوم ممتاز، لكن تنقصه بعض الوجوه الإعلامية التي كان من المفترض أن تحضر تضامناً مع الزملاء وضد كمّ الأفواه». بهذه العبارة يلخص الصحافي غسان جواد انطباعاته في اليوم المفتوح في «نقابة الصحافة». برأيه، فالمرحلة اليوم «لا تتطلب رأياً بل موقفاً»، معلناً استهجانه لما أدلى به بعض الصحافيين من رفض للتضامن مع زملاء لهم في المهنة مع عجز الدولة عن حماية مواطنيها و«تسليمها بالكامل للوصاية الدولية»، وهي ليست وصاية فقط على القضاء، بل على الإعلام أيضا، وهنا تكمن الخطورة بحسب جواد. ويختم بأنّ المعركة اليوم «سياسية» لا إعلامية، والاتجاه سيكون الى «مزيد من الخطوات التصعيدية».