لا أخفيكم، أنني، ومنذ انضمامي الى فريق «الأخبار»، شأني شأن الكثير من الزملاء والاصدقاء خارج وداخل الجريدة، كانت لدي دائماً ملاحظات على أدائنا لجهة الأصول المهنية. فالواقع دائماً محبط للأحلام والطاقات، وكلٌّ منا يريد أن يقتطع مساحة لأحلامه المهنية على صفحات الجريدة.
إلا أن الحرب التي شُنّت على «الأخبار» منذ ما قبل صدورها، وعنفت بعد وفاة مؤسسها جوزف سماحة، كانت تحول دون تفرّغنا للتصويب المهني كما نريد ونرغب. فحين تعاني الجريدة من حصار إعلاني وحرب سياسية اقتصادية عليها، لا تستطيع ان تولي اهتمامها لجسمها الداخلي بالشكل المطلوب.
هكذا واجهنا مافيات السفارات وزعماء فساد الداخل (ويكليكس) فدفعنا أثماناً، وارتضيناها لأنها كانت ثمن موقفنا الصحيح، وواجهنا الخارج متمثلاً بمؤامرات المحكمة الدولية وخطط مجلس الأمن ومحور الغرب وأتباعه ولا نزال...
لا أخفيكم أيضاً، انني كنت اظن اننا نضخّم هذه الحرب علينا. كنت اسخر من الزملاء أحياناً مشبهة نفسنا ببعض الانظمة التي، تحت عنوان التصدي لأعداء الامة/الجريدة، تحاول ستر عيوبها/عيوبنا.
لكن، عليّ اليوم ان اقدم للزملاء اعتذاراً على ضوء ما حصل من المحكمة الدولية بحقنا.
لو كان المحامي العظيم جاك فيرجيس حياً، لكانت قضية «الأخبار» مغرية لا شك له. خصوصاً بالنسبة إلى اسلوبه الشهير بالدفاع المعروف باسم la defense de rupture. اي دفاع القطيعة. ما هو هذا الاسلوب؟
هو اسلوب التصدي للمحاكمات السياسية التي تتذرع بالقانون وتلويه لأجل إثبات الاتهام على «العدو» المتهم، وتقوم هذه الاستراتيجيا على تحول المتهم الى مُتهِم يطعن بشرعية القاضي او شرعية المحكمة.
اتبع المحامي اللامع هذا الاسلوب في قضية المناضلة الفريدة جميلة بو حريد، إذ إن المحكمة الفرنسية التي كانت تحاكمها، كانت تمثل إرادة الاحتلال وهي مصالح مضادة لمصلحة الشعب الجزائري المحتل في المقاومة. هذا الاسلوب اتبعه المحامي اللامع تماماً في معظم قضاياه من قضية «سوناطراك» الى قضية «ميلوسوفيتش»، وصولاً الى قضية الشاب الفرنسي المغربي عمر رداد الذي اتهم بقتل ربة عمله في فرنسا.
في قضية «محكمة الحريري» ضد «الأخبار»، أجد ان اسلوب الدفاع المناسب هو بالتحديد هذا الاسلوب. ذلك ان مقومات القضية تكاد تطابق حرفياً تعريف وظيفة هذا الاسلوب الدفاعي.
أي إنها محكمة تستخدم القانون لأغراض سياسية، مع ان جزءاً كبيراً من اللبنانيين لا يعترف بهذه المحكمة الخاصة جداً جداً جداً... التي تستخدم كأداة للتدخل في الشؤون اللبنانية والتصرف بها بشكل يناسب ما يُرسم للمنطقة، وهو ما يحصل مذاك.
أما «الحقيقة» فكلنا نعرفها.
في استراتيجيا الدفاع هذه، المعركة هي معركة رأي عام. ففي قضية جميلة بوحريد كان القضاة حسب دفاع فيرجيس غير ذات صفة، لانهم محتلون يحاكمون ابنة البلد التي من حقها مقاومتهم.
لكن، في قضية المحكمة الدولية ضد «الأخبار»... هناك اشكال قائم على وجود هذا «الاحتلال» خارج لبنان، لكن وسائله للتحكم بالداخل اللبناني هي لبنانية وداخل السلطة، ولا تخفى على احد. اي ان المطلوب هو المثول امام محكمة لا صفة لها ولا سلطة على المواطن اللبناني، باستثناء ما منحتها إياه حكومة السنيورة الشهيرة، غصباً عنا وعن الدستور والقوانين. أما التهمة؟ فهي اننا نشرنا معلومات سربتها لنا المحكمة نفسها متمثلة بموظفيها. اما قمة الوقاحة فقد تمثلت برد مارتن يوسف الناطق باسم المحكمة، على سؤال الزميلة «ال بي سي» بقوله عندما سألته لم لا يحاكم «ديرشبيغل» التي سربت القرار الاتهامي واسماء المتهمين بقوله: «لكن هؤلاء كانوا متهمين اما الشهود فهم قصة اخرى»! اي ان يوسف حكم على المتهمين بأنهم مذنبون قبل محاكمتهم، وبذلك، بحسب جوابه، لا خطر من تسريب اسمائهم!
لذا، نداء واحد اوجهه للزميل رئيس التحرير: لا تمثل! فمجرد المثول هو اعتراف بشرعية المحكمة أولاً وبقبول اللعب حسب اصول غير قانونية ولا يمكن ان تحدث الا في العالم الثالث الذي ما زال مستعمراً... من الداخل، من انظمته المتواطئة مع الرعاة الدوليين، الاسم الفني للمستعمر القديم!
اما بالنسبة «للمضاعفات»؟ فما الذي قد يحصل؟ الارجح ان المواجهة ستطول مع المحكمة، خصوصاً بوجود حكومة وسلطة تنتمي الى فصيلة الرخويات وتفتقر الى اي عصب وطني تستفزه خروقات السيادة. ابراهيم الامين: لا تمثل. والوقت بيننا: فإما ان يموت الحمار او يموت الملك او يخلق الله ما لا تعلمون من موازين جديدة في المنطقة، من الواضح انها تسبب الكثير من الاستياء للمستعمرين الجدد.