على قاعدة «ردّ الفعل»، تحاول الرياض بثّ الروح في المشروع النووي السعودي. وهي القاعدة عينها التي أخرجت الفكرة إلى النور في العقد الأخير. اليوم تعود محاولات إحيائها تبعاً لإشعارات التطوّرات الإقليمية والدولية
من اتفاق الدول الكبرى مع إيران إلى رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، سعت السعودية إلى طرح ما في جعبتها من أوراق لتلعبها بوجه طهران في ربع الساعة الأخير، مُعمِلة في سبيل ذلك استراتيجية التصعيد بالملفات السياسية والأمنية والاقتصادية كافّة. استراتيجية تبدو ملامحها آخذة في التبدّل، بعد يأس الرياض، وبعد أن استحال الاتفاق النووي أمراً واقعاً، وانتقل من مرحلة الإمكان والتفاهمات المبدئية على الورق، إلى مرحلة الإبرام واكتساب القوّة التنفيذية. الخطّة «ب» لدى النظام السعودي تفترض مواصلة الاشتباك مع الخصم الإيراني، لكن وفق قاعدة «سنفعل ما فعله الإيرانيون».
لم يكن البرنامج النووي السعودي يوماً في سياق «حلم قومي» وتطلّعات نهضة وطنية أو من مآلات طبيعية لديناميكيات تنمية داخلية، كملامح أي مشروع مماثل في ما يقارب 31 دولة حول العالم تحوز محطات ومفاعلات نووية، تساعد على فهم ذلك عملية الخلط ــ إعلاميّاً وسياسيّاً ــ بين المسارين النوويين: المدني والعسكري. لا بدّ لرواية السعودية النووية أن تبدأ من فصلها التمهيدي، أي من البرنامج النووي الباكستاني. تشير معظم التقارير والتقديرات الغربية إلى أن وقوف الرياض إلى جانب إسلام آباد منتصف التسعينيات، ومرافقتها للصناعة النووية في باكستان، إنّما كان بهدف ضمان السعوديين للاستعانة بسلاح الحليف النووي، إذا ما دعت الحاجة. ساندت الرياض صديقها التاريخي، ولم تتوان عن تقديم الدعم السخي لباكستان وقت فرض العقوبات الدولية عليها، إثر التجربة النووية الأولى عام 1998، وهو ما أسهم في حفظ قدرات إسلام آباد على مواصلة مشروعها النووي العسكري وإيصاله إلى خواتيم ناجحة.
رفض عادل الجبير استبعاد خيار لجوء الرياض إلى شراء قنبلة نووية

عام 2008، ومع اقتراب إيران من استكمال إحكام قبضتها على دورة التكنولوجيا النووية، وقّعت واشنطن مذكرة تفاهم «إرضائية» مع الرياض لبناء برنامج نووي مدني في السعودية. سنوات مرّت ولا ترجمة عملية للتعاون السعودي الأميركي في المجال النووي. تابع السعوديون، على مرّ السنوات الفائتة، عرقلة أميركا لمشروع إيران النووي، ومن ثمّ المفاوضات، فالاتفاق ورفع العقوبات أخيراً، بينما بقي المشروع النووي السعودي يراوح مكانه، وبقيت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرّية (دشّنتها السعودية عام 2010 ووضعت ميزانية بقيمة 100 مليار دولار لإنشاء 16 مفاعلاً نووياً تصبح جاهزة لمعالجة أزمة الطلب على الطاقة الكهربائية بحلول 2020 وفق ما خطّط له حينها) صرحاً خاوياً من أي منتج علمي وتكنولوجي يذكر.
وعلى طول المرحلة كان الحديث عن المشروع النووي يصعد إلى الواجهة ثم ما يلبث أن يخفت، إلّا أنّ فريق الملك سلمان بن عبدالعزيز بدا أشدّ حماسة للفكرة منذ تولّيه السلطة قبل عام، مولّياً وجهه شطر بدائل من الحليف الأميركي الذي أصيبت العلاقة معه بالفتور في العهد الأوبامي. واحد من نماذج «الحرد» السعودي كان تنشيط ولي ولي العهد محمد بن سلمان لمشاريع اتفاقيات تعاون مع موسكو في مجال الطاقة النووية، حيث وقّع بن سلمان في حزيران من العام الماضي، أثناء زيارته مدينة سان بطرسبرغ الروسية، اتفاقية تعاون من ضمن ما اشتملت عليه: إنشاء المفاعلات وتأهيل الكوادر في مجال الطاقة النووية. بعد هذه الاتفاقية بأيام فقط، وقّعت السعودية على اتفاق مع الفرنسيين، تقوم بموجبه باريس ببناء مفاعلين نوويين داخل المملكة تصل كلفتهما إلى 8 مليارات دولار.
يتّهم خصوم المملكة الأخيرة بإعادة إثارة موضوع شراء القنبلة النووية (وهو أمر بات ممكناً تقنياً) مؤخراً من باكستان كتعبير عن عدم الرضى عن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للملفّ الإيراني. أمّا في الشقّ الرسمي والمعلن، فإنّ أوّل جلسة لمجلس الوزراء السعودي (الذي ينعقد أسبوعياً يوم الاثنين) بعد رفع العقوبات عن إيران، تضمّنت الموافقة على مذكّرة تفاهم متعلّقة ببرامج التعاون النووي الخاصّة بتأسيس الشراكة في تقنية المفاعل ذي الوحدات الصغيرة المدمجة، إضافة إلى بناء القدرات البشرية النووية المشتركة والأبحاث الأكاديمية بين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرّية والمتجدّدة ووزارة التكنولوجيا والتخطيط المستقبلي الكورية. سبق أن وقّع البلدان، في آذار من العام الماضي، مذكّرة تفاهم تتضمّن دعوة الشركات الكورية إلى بناء مفاعلين نوويين على الأراضي السعودية من طراز SMART إلى جانب التعاون في الأبحاث والتطوير والبناء والتدريب، وذلك على هامش زيارة رئيسة كوريا الجنوبية باك جون هاي للرياض.
القرار أتى بالتوازي مع حديث لرئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الأمير تركي بن سعود، إلى صحيفة «عكاظ» السعودية، كشف فيه عن شروع المؤسّسة التي يرأسها في بناء أوّل مفاعل نووي سعودي محلّي، بالتعاون مع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرّية والمتجدّدة، وذلك بمشاركة خبرات عالمية، بهدف تأهيل وتدريب الكوادر البشرية وتقديم الأبحاث. زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للمنطقة سجّلت في محطّتها السعودية توقيع مذكّرة تفاهم لتشييد مفاعل نووي في المملكة ذي حرارة عالية ويبرّد بالغاز.
اشتداد عزم الرياض، وارتفاع منسوب حماستها تجاه المشروع النووي في هذا التوقيت، توّجتهما تصريحات وزير خارجيتها عادل الجبير، لتؤكّد الدوافع المشار إليها في بداية التقرير، حيث لمّح الجبير في تصريحه إلى وكالة «رويترز»، الأسبوع الماضي، إلى أنّ اللجوء إلى خيار شراء القنبلة النووية ليس مستبعداً لدى الرياض. وفي أوّل تعليق له حول رفع العقوبات المفروضة على إيران، وردّاً على سؤال حول إمكانية شراء قنبلة نووية، قال الجبير: «إنّ الرياض ستقوم بكلّ ما ينبغي القيام به لحماية شعبنا وبلدنا... لا أعتقد أنّ من المنطقي التوقّع بأنّنا سنناقش هذا الأمر علناً، ولا أعتقد أنّ من المعقول توقّع إجابة منّي على سؤال كهذا بطريقة أو بأخرى». سبق الجبير، في آذار الماضي، الأمير تركي الفيصل حين شّدد على أنّه «مهما كانت نتيجة هذه المحادثات فإننا سنريد المثل».
التلميحات السعودية ردّ عليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتصريحات لافتة، قال فيها «لا يمكن لدولة شراء قنبلة نووية من السوق هكذا، لأنّ هناك الكثير من القوانين الخاصّة بحظر الانتشار النووي، وسيكون هناك تداعيات كبيرة لأي خطوة من هذا النوع»، مضيفاً: «السعودية تدرك ذلك، وتعرف أنّ أمراً مماثلاً لن يكون ممكناً ولن يكون أمراً سهلاً، لأن المملكة عندها ستمرّ بكلّ الأمور التي مرّت بها إيران وستخضع للتحقيق والتفتيش الدولي».
حزم الموقف الأميركي تجاه الحليف التقليدي يؤشر الى حساسية واشنطن ووضعها الخطوط الحمراء حول فكرة حصول السعوديين على قنبلة نووية من أصدقائهم الباكستانيين. والجدير بالذكر هنا أنّه في حزيران الفائت، وأثناء وجوده في واشنطن في زيارة رسمية، أكّد وزير الخارجية الباكستاني، وبصورة قاطعة، أنّ ما يقال عن إمكانية قيام باكستان ببيع أسلحة نووية للسعودية «غير صحيح ولا يستند إلى أي أساس من الصحّة»، وأن «باكستان لا تتحاور مع السعودية حول القضايا النووية».
لن تكون الرياض مقنعة في رسم مشهد الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات على أنه تسامح للمجتمع الدولي مع امتلاك طهران للسلاح النووي لا البرنامج السلمي فحسب، كذلك فإنّ حديثها عن مشروع نووي سلمي لديها لا يحتاج إلى هذه الضوضاء والخلط الهجين مع الملفات السياسية والأمنية. لكنّ المؤشرات الآنفة جميعها تدلّل على أن النظام السعودي يعيش واقع الإحباط والإرباك من معركة النووي التي خرج منها خاسراً. وهو إذ يعيد ترتيب أوراقه، سيحتاج إلى أن يقنع المجتمع الدولي والإدارة الأميركية على الخصوص بأنّها أخطأت في تنفيذ الاتفاق، وأنّها تدفع المنطقة إلى حرب باردة وسباق تسلّح، هذا من جهة. من جهة أخرى، يحتاج هذا النظام (ولو بقدرات غير وطنية) إلى أن يوهم أنصاره بأنّه: «نحن قادرون أيضاً... كما الإيرانيون».




«أرامكو» ماضية في توسيع طاقتها الإنتاجية

قال أمس رئيس مجلس إدارة شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو)، خالد الفالح، إن الشركة تواصل الاستثمار في الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز، رغم هبوط أسعار الخام.
وتخالف «أرامكو» بذلك، جذرياً، نهج الحكومات وشركات النفط خارج منطقة الخليج، والتي تقلص النفقات الرأسمالية، وأبرزها الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية، بسبب الضغوط المالية على ميزانياتها، والناجمة عن نزول أسعار الخام لأدنى مستوياتها في 12 عاماً. والسعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، عازمة على حماية أو حتى تعزيز حصتها السوقية، بانتظار عودة التوازن بين العرض والطلب وتعافي الأسعار، في نهاية المطاف.
وقال الفالح إن «استثمارات (أرامكو) في الطاقة الإنتاجية لقطاعي النفط والغاز لم تتباطأ. تمكنّا من تحقيق خفض كبير في الإنفاق، ببساطة، من طريق خفض التكاليف». وأضاف الفالح: «من المعروف جيداً أن السعودية هي أقل المنتجين تكلفة... لدينا المعايير والقدرة والتقنيات التي سمحت لنا بالحفاظ على تكاليفنا المنخفضة»، معبّراً عن قناعته بأن توازن أسواق الخام العالمية سيتحقق في النهاية عند سعر «معتدل».
(رويترز)