المسار السلبي الذي يلازم المداولات الحكومية بينَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، رُغم كل الادعاءات بالإيجابية، يُنذِر باعتذار قريب للأخير، وباستمرار المأزق الذي تتلاشى معه يوماً بعد يوم مظاهر ما تبقى من دولة واقتصاد، وصولاً إلى اضطرابات أمنية تنزلق بالوضع إلى حافة الانفجار الذي دشّنته في اليومين الماضيين جريمة الجية وكمين خلدة. وهذه الحال، على ما يبدو، مرشحة للتفاقم حتى موعد الانتخابات النيابية، ما يعني أن البلاد سترسو حتى ذلِك الوقت على مشهد وحيد: حرب سياسية باردة، فراغ حكومي، اتساع لبؤر التوتر ومزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية.سيناريو كهذا هو نتيجة طبيعية لحصيلة المشاورات بينَ عون وميقاتي التي وقفت عندَ مبدأ المداورة، إذ أصر عون «على وزارة الداخلية وإلا المالية، فكانَ جواب ميقاتي: اذهب إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري واطلبها منه».
غير أن مصادر مطلعة على أجواء التأليف أكدت أن الطريق «ليس مسدوداً تماماً»، مشيرة الى أن «هذه ليست طبيعة الرئيس نجيب ميقاتي، كما أن أحداً ليس في وارد إطلاق مشكلة سياسية في البلد عشية ذكرى تفجير الرابع من آب، وما يكتنفها من مخاوف استغلال البعض لها للانزلاق بالبلد إلى مهوار أمني لا يريده أحد في الداخل».
وتعليقاً على لقاء عون وميقاتي الذي دام نحو 25 دقيقة فقط، قالت مصادر مطأخرى: «حرام أن نقول من الآن أن لا حكومة، فهذا سيئ بحق البلد. لقد أعطى ميقاتي لنفسه مهلة أسبوع، فلننتظر ونرَ»، في حين يؤكد مقربون من ميقاتي أن«خطوة واحدة من شأنها أن تفتح الباب للحكومة، وخطوة من شأنها أن توصده نهائياً. وليس من المنطقي الآن القول إن الأمور انتهت».
مصادر ميقاتي: خطوة واحدة من شأنها أن تفتح الباب للحكومة وخطوة من شأنها أن توصده نهائياً


مصادر سياسية، في المقابل، تؤكد أن الحكومة «لن تركَب»، فالأمور «أكبر بكثير من حصص وحقائب». إذ إن «الظروف التي أتى بها ميقاتي لا تختلِف عن ظروف الحريري، وما منع تشكيل حكومة سابقاً سيمنعها الآن. فعون والوزير جبران باسيل لن يسمحا بتشكيل حكومة من دون ضمانات، خصوصاً أن البلد على أبواب انتخابات، وباسيل المكبّل بالعقوبات لن يقبل بحكومة رئاسية تحل محل بعبدا في حال الفراغ، لا يكون له اليد الطولى فيها. أما ميقاتي والفريق الذي يمثله فأبعد ما يكونون عن تقديم فرصة كهذه لباسيل... والخلاصة أن أحداً من الطرفين لن يُسلّم رأسه في زمن انتخابي».
ميقاتي صرّح بعد لقائه بعون بأن «المهلة لتشكيل الحكومة ليست مفتوحة». وعلى عكس الود الذي طبعَ كلامه سابقاً، قال: «يفهم يلي بدّه يفهم». وسرعان ما فتحت هذه الأجواء باب تبادل الاتهامات بين فريقيْ التأليف. مصادر سياسية قالت إن «موقف عون وباسيل من ميقاتي كموقفهما من الحريري، وهما لم يريداه منذ البداية. وكما أوصلا الحريري إلى طريق مسدود يكرران الأسلوب نفسه مع الرئيس المكلف». وأضافت المصادر: «من الواضح أن بعبدا ثابتة على مبدأ: إما أن تأتوا إلينا برئيس الحكومة الذي نريده أو لا حكومة، وتفصل كل ما يحصل في البلد عن الملف الحكومي، ولم يعنها ما حصل في خلدة وهو تطوّر خطير جداً، ولا تزال تقارب التأليف من منطلق مصلحي».
في المقابل، لفتت مصادر متابعة إلى أن «تمسك بعض الأطراف بحقائب وزارية محددة يتناقض مع المبادرة الفرنسية التي اتفق عليها كل الأطراف، والتي تدعو في إحدى أبرز نقاطها إلى اعتماد المداورة الشاملة التي تشكل حلاً طبيعياً للإشكالية القائمة حول تأخير ولادة الحكومة نتيجة التمسك بحقائب معينة». وسألت: «لماذا يفترض البعض أن ما لن يُعط للحريري سيُعطى لميقاتي في حال كان قد حاء الشروط نفسها؟».



القوات تستثمر
يواصل حزب القوات اللبنانية الاستثمار في دماء شهداء تفجير مرفأ بيروت وتوظيفها للتصويب على خصومه، وكأنه ليس في صلب المنظومة وأحد شركاء الفساد، فضلاً عن تورطه في تأجيج الفتنة والخطاب الطائفي منذ 17 تشرين. وقد نظم الحزب أمس مسيرة انطلقت من الأشرفية باتجاه المرفأ بعنوان «وحياة اللي راحوا رح تتحاكموا»، وتوجّه رئيس الحزب سمير جعجع «ممثلاً» أهالي الشهداء إلى «المسؤولين عن انفجار المرفأ إهمالًا أو فعلًا، شراكةً أو تواطؤاً، فمهما تهرّبتم، ومهما تحوّرتم، ومهما تنصّلتم، ومهما تبرّأتم، ومهما حاولتم عرقلة العدالة، وحياة يللي راحوا، رح تتحاكموا».


باسيل لبري: لرفع الحصانات
وجّه نواب تكتّل «لبنان القوي» كتاباً إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي أكدوا فيه «أحقية إعلان المحقق العدلي القاضي طارق البيطار صلاحيته في ما يتعلق بملاحقة الرؤساء والوزراء ودعا جميع الكتل النيابية إلى احترام هذه الصلاحية». ودعا النائب جبران باسيل الرئيس نبيه بري، في مؤتمر صحافي، إلى «دعوة المجلس خلال 48 ساعة للتصديق على رفع الحصانات، احتراماً للشهداء وإجلالاً واعترافاً بضخامة ما حدث. ونحن أجرينا دراسة قانونية معمّقة وأرسلنا كتاباً خطّياً نطلب ذلك». إلا أن مصادر نيابية استبعدت القيام بهذه الخطوة لأن «هناك قراراً بانتظار ما سيحصل في هذا اليوم واستيعابه واحتواء تداعياته، ولا نريد أن نذهب إلى جلسة في مثل هذا الجو المحتقن».