الخليل | بعد نحو أسبوع على اغتيال الناشط والمعارض السياسي، نزار بنات، لا تزال الضفة الغربية تعيش تداعيات الجريمة. وعلى رغم فتور حالة التظاهر في رام الله، إلّا أن محافظات أخرى، مثل بيت لحم، شهدت تحرّكات، يوم أمس، وسط مطالبات متواصلة بمحاسبة القَتَلة والكشف عن هوياتهم. إزاء ذلك، لا تزال حركة «فتح» تقود تظاهرات مضادّة في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة، تحت شعارات: «دعم الشرعية وأبو مازن؛ التضامن مع الأسير المُضرب الغضنفر أبو عطوان؛ الوحدة ومواجهة الاحتلال»، في محاولة لحرْف وجهة الأحداث، وتمييع القضية الأساسية المتمثّلة في وجود مزاج متوسّع رافض لـ«سلطة أوسلو» وممارساتها
أخيراً، أطلّ وزير العدل في حكومة السلطة الفلسطينية، محمد فهاد الشلالدة، ليُعلن نتائج لجنة التحقيق الحكومية في مقتل نزار بنات، علماً أن اللجنة مكوّنة من الشلالدة وممثّل عن الاستخبارات العسكرية - وهو جهاز أمن فلسطيني -، بعد انسحاب بقية أعضائها، ومن بينهم طبيب يمثّل عائلة المغدور. لم يأتِ الشلالدة بجديد، بل أكد، في بيان مقتضب، أن اللجنة أخذت إفادات من كلّ المعنيين بالجريمة، بمَن فيهم شهود عيان مِن عائلة بنات، والتقت بضباط وعناصر من أمن السلطة في الخليل. وقال: «أعددنا تقريراً في شأن ملابسات وفاة المرحوم نزار بنات لتسليمه إلى فخامة السيد الرئيس عبر رئيس الوزراء، وأوصت اللجنة بإحالة تقريرها على الجهات القضائية». لكن عائلة بنات جدّدت رفضها لنتائج لجنة التحقيق الحكومية، على اعتبار أنها «وُلدت ميتة وانسحب منها الجميع»، مؤكدة أن اللجنة، وبخلاف ما زعمت، لم تلتقِ بأيّ شخص من العائلة ولو لثانية واحدة.
في موازاة ذلك، طالبت "الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان" بنشر نتائج لجنة التحقيق الحكومية للجمهور، كون قضيّة نزار بنات تُعتبر قضيّة رأي عام. وقالت: «نحن في الهيئة، سنواصل تحقيقاتنا في القضيّة بشكلّ مستقلّ وسننشر النتائج للجمهور عند انتهاء عملنا»، فيما وصف المدير التنفيذي لـ«الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة»، «أمان»، عصام الحاج حسين، إعلان اللجنة الحكومية بأنه «مخيِّب للآمال، ونأمل أن لا نتفاجأ بأن توصيات اللجنة ستسمح لأحد بالإفلات من العقاب».
في هذا الوقت، تواصلت ردود الفعل الإقليمية والدولية على اغتيال الناشط بنات وقمْع أمن السلطة للمتظاهرين السلميين، فيما زار وفد أوروبي عائلة القتيل لتقديم واجب العزاء، والاطّلاع على تفاصيل الجريمة. وجدّد الاتحاد الأوروبي في فلسطين الدعوة إلى إجراء تحقيق شفّاف ومستقلّ وإعلان النتائج ومعاقبة كلّ المتورطين، مطالباً السلطة الفلسطينية باحترام حقوق الإنسان وكل الحريات، بما فيها حرية التعبير. وكشفت قناة «كان» العبرية، أوّل من أمس، أن الاتحاد الأوروبي غاضب جداً من السلطة بسبب اغتيال نزار بنات وقمع المتظاهرين في الضفة الغربية. وأشارت القناة إلى أن 20 دبلوماسياً وقنصلاً أوروبياً اجتمعوا مع رئيس مخابرات السلطة، ماجد فرج، قبل يومَين، وطالبوه بتوضيح ملابسات مقتل الناشط، وأعربوا له عن رفضهم لقمع المتظاهرين السلميين. من جهته، أبلغ فرج الوفد بأن السلطة تدرك أن ما جرى مع بنات كان خاطئاً، وبأنها تحقّق في ملابسات الحادثة وستستخلص العبر. وبحسب القناة العبرية، فإن فرج برّر اغتيال بنات، بالقول: «هذه الحوادث تقع في أماكن أخرى مثل إسرائيل وأميركا، وليس في الضفة الغربية فقط». في غضون ذلك، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن السلطة سلّمت طلباً للعدو الإسرائيلي بهدف شراء معدّات وأدوات لتفريق التظاهرات وقمعها، منها: قنابل صوت وغاز، بسبب الخشية من توسّع التظاهرات المندّدة باغتيال نزار بنات في الضفة الغربية، ونقص المخزون الاحتياطي من هذه المعدّات.
دفع هدوء التظاهرات السلطة إلى اتباع أسلوب مغاير يقوم على إطلاق مسيرات في أنحاء الضفة الغربية


التظاهر المضادّ
استمرّت السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» في استخدام أسلوب «التظاهر المضاد»، لكن تراجع وتيرة التظاهرات، خلال الأيام الثلاثة الماضية، دفع السلطة إلى اتباع أسلوب مغاير يقوم على إطلاق مسيرات في أنحاء الضفة الغربية، تحت شعارات متعدّدة، منها: «حماية الشرعية والمشروع الوطني ودعم محمود عباس؛ مقاومة الأجندات والتدخلات الخارجية في الساحة الفلسطينية؛ ودعم الأسير المضرب الغضنفر أبو عطوان». واللافت في هذه الفعاليات "الفتحاوية"، ليس أنها تحاول التغطية على التحقيق في مقتل فلسطيني على يد رجال أمن السلطة، بل إنه يتخللها أيضاً إطلاق نار كثيف من مسلحين، إذ ظهر «طخيخة الهواء» في بيت لحم ونابلس فجأة. وفي معرض ردّه على أسباب إطلاق النار أثناء وجوده، قال محافظ بيت لحم، كامل حميد: «هذه الوقفة هنا رفضاً للتدخلات الخارجية في الساحة الفلسطينية، ودعت لها حركة فتح وتشمل كتائب شهداء الأقصى، وإطلاق النار هو تعبير عن الغضب من هذه التدخلات». وتحاول حركة «فتح» حرف الأنظار عن قضيّة اغتيال بنات، باستحضار التهم المعلّبة من مِثل «الأجندة الخارجية»، أو «مدعومون من إيران وحزب الله ودحلان وحماس»، إضافة إلى تنظيم مسيرات وفعاليات فجائية دعماً لمناطق كانت مهمّشة ميدانياً، ولم تشهد الضفة الغربية فعاليات إسناد لها منذ أسابيع طويلة، كجبل صبيح في بلدة بيتا جنوب نابلس، وحي الشيخ جراح، وحيَّيْ بطن الهوى والبستان في بلدة سلوان في القدس، حيث تخرج المسيرة الواحدة التي تنظّمها «فتح».

ابتزاز وشهادات مرعبة
«الابتزاز بالهواتف المحمولة»، هو الشكل العجيب المعيب وغير الأخلاقي الذي سجّلته حملات السلطة الفلسطينية ضدّ المتظاهرين، إذ فوجئ عدد من النشطاء - غالبيتهم من الفتيات - بنشر صور محادثات لهنّ، إضافة إلى صور شخصية من هواتفهن المحمولة، في تصرف عكس إدانات واسعة وسخطاً إضافياً على «البلطجية» ومَن يقف خلفهم. نشرُ الصور جرى وسط صمت رسمي من جانب السلطة الفلسطينية وأمنها، وحصل الناشرون على الصور من هواتف سرقها «بلطجية» وعناصر أمن بلباس مدني لدى هجومهم على التظاهرات وقمعها قبل أيّام في رام الله. في السياق نفسه، عقدت فصائل وقوى وحراكات ومؤسّسات أهلية ومجتمعية مؤتمراً صحافياً وسط رام الله، أوّل من أمس، أكدت فيه رفضها لقمع أمن السلطة وضرورة محاسبة قَتَلة نزار بنات، فيما قال عمر عساف، في كلمته كممثل عن المشاركين في المؤتمر: «عار عليهم أن يسرقوا هواتف الشبان والشابات، ويعتدوا على الصحافة، ويكسروا الكاميرات، لأنهم يريدون إخفاء جريمتهم، وهل استخدام صورة خاصّة لأخت أو زوجة فيه شيء من الرجولة؟ أليست قمة النذالة؟».
من جانب آخر، تروي صحافيات فلسطينيات شهادات مرعبة عن قمع أمن السلطة لهنّ وملاحقتهن خلال تغطية التظاهرات المندّدة باغتيال نزار بنات قبل أيام. وتقول الصحافية، نجلاء زيتون: «توجّهنا لتغطية تظاهرة مندّدة باغتيال نزار بنات، وفوجئنا بتظاهرة أخرى محميّة من أمن السلطة، وبدأت مناوشات عنيفة، ثم حاول شخص سرقة هاتفي وانهال عليّ آخر بالضرب بهراوة ودفعني». وتتابع: «شخص آخر سرق هاتفي أثناء الضرب وسلّمه لأمن السلطة، وهناك امرأة كانت ترافق الأمن قالت بالحرف الواحد: افضحوا عرضهن، مع استعمال كلمات أخرى نابية، وعندما فشلتُ في استعادة هاتفي المسروق، تفاجأت بعنصر بزيّ مدني يناديني بالاسم قبل أن يهاجمني بالحجارة». أما الصحافية شذى حماد، فتؤكد، من جهتها، أنها تعرّضت للاعتداء مرّتَين، الأولى من أشخاص بلباس مدني حاولوا سرقة هاتفها ومنعها من التصوير وضربوها على يدها، والثانية بقنبلة غاز في الوجه أطلقتها الشرطة الخاصة التابعة للسلطة خلال تغطيتها تظاهرة.
واستُهدفت الصحافية، سجى العلمي، أيضاً، من قِبَل شرطة السلطة الفلسطينية بقنابل الغاز، ما دفعها إلى الهروب من المنطقة بسبب عدم قدرتها على التنفّس، واضطرَّ زملاؤها لنقلها إلى صيدلية قريبة، لكن لدى خروجها، تفاجأت برجل فاقد للوعي وبدأت بتصويره مع زملائها، ثم تعرضوا جميعاً لهجوم من أشخاص بزيّ مدني حاولوا مصادرة هاتفها. لم تتوقّف رواية العلمي هنا، إذ اختبأت من الملاحقة داخل مبنى تجاري، لكنّ العناصر الأمنيين بلباس مدني استمرّوا في ملاحقتها، وحاول أحدهم سحب الهاتف مجدداً ولم ينجح، فهربت إلى المراحيض في المبنى، وجاء العناصر وحاولوا فتح المراحيض، لكنها ظلّت هادئة ولم تتحرّك من مكانها لمدّة ساعة حتى عودة الهدوء إلى المنطقة وانتهاء التظاهرات.



تفاصيل جديدة للجريمة
كشف حسين بنات، ابن عم الناشط نزار بنات، تفاصيل جديدة عن عملية اعتقال نزار واغتياله. وقال لبرنامج بثّته «شبكة قدس الإخبارية»، في محاكاة لعملية الاغتيال، إن عنصراً من القوّة المقتحِمة حاول دهم البيت من الأبواب بواسطة «عتلة» (قضيب حديدي)، لكنّه فشل، ثم اكتشف وجود فتحة من النافذة، فدخل عبرها، وفتح الباب لـ17 عنصراً. وتابع حسين بنات الذي كان مع نزار في الغرفة نفسها: «العنصر الذي يحمل قضيب الحديد، شخّص نزار بعدما هدَّدنا وأمرَنا بعدم التحرّك. وعندما عرف هويته، ضربه بالقضيب الحديدي على رأسه وهو نائم، ثم دخلت بقية القوّة وضربت نزار في فراشه بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق». وأضاف: «خلعوا عنه ملابسه العلوية، ثم ضربوه وقيّدوا يديه إلى ظهره، ورشّوا ثلاث علب من غاز الفلفل في وجهه وفمه. وعندها، حاول نزار الوقوف على ركبتيه، لكنّه واجه صعوبة في التنفس، ثم ضربوا رأسه في جدار بالغرفة عدّة مرات إلى أن سقط أرضاً، فحملوه جراً إلى المركبة التي كانت تنتظر خارج المنزل». وبحسب ابن عمّه، فإن «عناصر أمن السلطة تعمّدوا التمثيل بجثّة نزار واختاروا طريقة القتل هذه عن قصد، حيث جرّوه أرضاً لمسافة طويلة، علماً أن عدد العناصر يتيح لهم حمل مركبة وليس شخصاً منهاراً فقط، ثم عاد عناصر الأمن وصادروا هاتفَين لنزار وحاسوباً محمولاً له». وكشف بنات أن العائلة تعرّفت على هوية 17 عنصراً أمنياً، وأن بعضهم دخل يرتدي لباساً عليه شعار «جهاز الأمن الوقائي» التابع للسلطة.