القاهرة | يواجه منتسبو جماعة «الإخوان المسلمون» الموجودون في تركيا، أزمة إضافية في ظلّ تزايد التقارب المصري ــــ التركي، وخصوصاً في ما يتعلّق بالضغوط التي ترغب مصر في ممارستها عليهم، وهو ما دفع السلطات التركية إلى استصدار قرار جديد بحقّ الإعلاميين المصريين، الذين يظهرون عبر شاشات القنوات التابعة لـ«الإخوان»، يتضمّن منعهم من الظهور، أو الحديث والتعليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي. التعليمات الصارمة التي صدرت تجاه هؤلاء الإعلاميين من قِبَل السلطات التركية، ووُجّه بتنفيذها على الفور، عكست التزاماً تركياً بتقديم تنازلات يمكن أن تتوافق مع المطالب المصرية، في إطار التمهيد لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.وعلى رغم إجبار إعلاميّي «الإخوان» على وقف الانتقادات الموجّهة إلى مصر، منذ آذار الماضي، إلّا أن وزارة الخارجية المصرية أرسلت ملاحظات كثيرة إلى نظيرتها التركية تفنّد فيها ما تقول إنها مخالفات حدثت، وحملت إساءات واضحة إلى مصر ونظامها، في مقابل التزام الجانب المصري باحترام النظام التركي، وإيقاف انتقاداته له، وفق ما تدافع به القاهرة. صحيح أنّ عدداً محدوداً من الإعلاميين الذين يحرّضون، بالفعل، تضرّر من جراء القرار، إلّا أن ثمّة عواقب ستطال قنوات «الإخوان»، التي أُنفقت عليها ملايين الدولارات، على مدى السنوات الست الماضية، بالإضافة إلى مئات الوظائف التي سيفقدها أعضاء الجماعة في هذه المحطّات، التي ربّما تتّجه إلى الإغلاق الموقّت، أو التحوّل إلى تقديم مواد تسجيلية، مع احتمال إغلاقها بشكل كامل، سواء من قِبَل السلطات التركية، أو حتى القائمين عليها الذين لم تعد لديهم القدرة على بثّ «رسالتهم» من داخل الأراضي التركية.
أربكت توجّهات السلطات التركية الأخيرة حسابات قيادات جماعة «الإخوان المسلمون»


في خلفيات القرار، تفاصيل عديدة لم تُحسم، من بينها طريقة التعامل مع هؤلاء الإعلاميين خلال فترة بقائهم داخل تركيا، أو الوجهات التي يحتمل أن يذهبوا إليها، في ظلّ عدم تمكّنهم من المغادرة، أو اختيار وجهة أخرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في وقت يُتوقّع فيه أن تتسارع وتيرة خروجهم من الأراضي التركية، على رغم تأكيد أنقرة أنها لا تعتزم تسليمهم إلى السلطات المصرية. توجّهات السلطات التركية الأخيرة أربكت حسابات قيادات جماعة «الإخوان المسلمين»، لكونها تطالهم أيضاً، بشكل مباشر، بعدما أُبلغوا بعدم السماح لهم بممارسة العمل السياسي من الأراضي التركية، وهي الخطوة التي تجرى دراستها بتأنٍّ من أجل الردّ عليها، والتعامل معها، بعدما أثارت قلق العشرات على مصيرهم، خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً في ظل تراجع التدفّقات المالية التي كانت تصلهم بشكل منتظم في الأشهر الأخيرة.
على الجانب الآخر، لا ترى مصر أنّ الخطوة التركية، التي تأخّرت أكثر من شهر، جاءت في وقتها المناسب، في ظل وجود مطالب أخرى أكثر أهمية، من بينها الوضع في ليبيا، والتدخّلات التركية هناك، والتي ترى فيها القاهرة تهديداً للمرحلة الانتقالية، ولإجراء الانتخابات الليبية في موعدها نهاية العام الجاري. وتتهم مصر، تركيا، بالتلكّؤ غير المبرّر، على رغم تسليم الأولى للثانية ملفّ الملاحظات قبل أسابيع. وتقوم الرؤية المصرية، في الوقت الراهن، على محددات عدّة، من بينها الضغط على تركيا للإسراع في تنفيذ المطالب المصرية، مع رفع سقف الشروط بعد كل تأخير في الخطوات التي يتمّ اتخاذها، وهي سياسة تمارسها القاهرة بشكل واضح، سواء عن طريق المخابرات أو الخارجية، التي فتحت مجدداً قنوات التواصل الدوري والمنتظم بينها وبين نظيرتها التركية. على أن ما تطلبه تركيا من مصر باستمرار، هو مهلة لتنفيذ المطالب ودراستها والتأكد من أنها لا تحمل مبالغات، أو أيّ دواع انتقامية، في وقت تطالب فيه القاهرة أنقرة بالكفّ عن التدخّل في الشؤون الداخلية، وانتقاد أحكام القضاء المصري، وهو ما تكرّر، أخيراً، على لسان مستشار الرئيس رجب طيب إردوغان، بعد صدور أحكام الإعدام الأخيرة بحقّ قيادات «الإخوان»، فيما ردّت مصر بالتشديد على ضرورة إبقاء العلاقة في إطارها الدبلوماسي، وأرفقت ما وصفته بالتدخّل «غير المقبول» من جانب مستشار إردوغان، برسالة إلى نظيرتها التركية.
المؤكّد، حتى الآن، أن لدى كل من تركيا ومصر رغبة مشتركة في استعادة العلاقات بين البلدين، لكنّها رغبة لم تتسارع وتيرتها بعد، على غرار العلاقات المصرية ــــ القطرية الآخذة في التسارع، ليبقى وضع «الإخوان» الصامت في قطر، مختلفاً بشكل كامل عن وضع «إخوان» تركيا المهدَّدين حتى إشعار آخر.