استمرت موجة الاعتراض على قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في حق قناة «الجديد» وصحيفة «الأخبار»، القاضي بمحاكمتهما بتهمة تحقير المحكمة وعرقلة عملها. وغصت قاعة نقابة الصحافة أمس بصحافيين وسياسيين وناشطين ومواطنين وطلاب، ملبّين دعوة ناشر جريدة «السفير» الأستاذ طلال سلمان الى لقاء تضامني.
أبرز الغائبين كان وزير الإعلام رمزي جريج. الوزارة التي من المفترض أن تكون المدافع الاول عن المؤسسات الاعلامية، نأت بنفسها. كسر جريج صمته، مسجلاً تضامنه بتحفظ، ومكتفياً برسالة ألقاها عنه نقيب المحررين الياس عون.
الوجوه التي حضرت الى نقابة الصحافة أمس، «من أهل البيت». أغلبيتها تتناغم مع موقف «الأخبار» و«الجديد» السياسي. غاب سياسيّو 14 آذار. لكن الوسط الإعلامي كان ممثلاً «بنصاب (سياسي) شبه تام». حضر صحافيون وممثلون عن مؤسسات الإعلام المتعددة التوجهات السياسية: أل بي سي، المنار، أن بي أن، أم تي في، أو تي في، الجديد، السفير (صاحبة الدعوى) والنهار.....
نواب ووزراء حاليون وسابقون وممثل عن الرئيس عمر كرامي وأحزاب وقوى وشخصيات سياسية وهيئات اجتماعية ونقابية حضروا. هنا كانت كفة الميزان «طابشة». الغالبية من قوى 8 آذار، مع بعض الاستثناءات، كالمستشار الإعلامي للرئيس نجيب ميقاتي، فارس الجميل، الذي حضر بصفته إعلامياً، والسياسي دافيد عيسى.
افتتح اللقاء التضامني بالنشيد الوطني، ثم كلمة نقيب الصحافة محمد بعلبكي الذي شدّد على «صدمة» الرأي العام اللبناني «بقرار المحكمة الذي اتخذ على عجل»، قبل أن يستنكر استدعاء صحافيين، لكون هذا الامر «يتناقض مع قانون الإعلام اللبناني الذي لا يُعطي صلاحية لأي جهة بمحاكمة أو استدعاء أي زميل إلا ضمن نطاق البلد بموجب شروط نص عليها القانون»، مؤكدا أنه «ليس لأي جهة خارجية أن تقاضي صحافياً لبنانياً»، متمنياً أن «يكون هذا الرفض الجماعي حافزاً لإعادة النظر في قرار المحكمة».
وفي كلمته، قال سلمان إن «اللقاء في نقابة الصحافة للتضامن مع المواطن في حقه بأن يعرف وللاعتراض على الظلم الذي لحق بالاعلام في لبنان»، وطالب بـ«إحالة القضية المثارة أمام القضاء اللبناني لحفظ كرامة الناس». وأكد أن «الإعلام هو في خدمة الحقيقة والشعب وتخطّي العواقب، ومن يجب أن يُحاسب هو من سرّب لا من نشر»، مضيفاً أن «المشهد التضامني يقول ما لا نقوله، تضامنوا حول الحقيقة ولاتخافوا من أي جهة».
رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله لفت الى أن «ما حصل اعتداء على دستورنا وعلى حريتنا وسيادتنا»، مؤكداً أن هذه المحكمة «لن تنتصر على الإعلام الحر». ووضع الدولة أمام مسؤولياتها، مطالباً إياها باتخاذ موقف، «ونحن على مستوى المجلس النيابي سنكون في صدارة المدافعين عن حرية الإعلام، ولجنة الإعلام والاتصالات ستعتبر هذه القضية قضيتها المحورية، وسيكون لها موقف ونقاش تجاه هذا الاعتداء»، داعياً أهل المحكمة الى البحث «عن أسباب فشلهم بعيداً عن فشة خلقهم في الإعلام اللبناني».
وطلب النقيب عون «من وزير العدل ومجلس القضاء التدخل في موضوع استدعاء الاعلاميين»، مشيراً الى أن «المحكمة الدولية بالنسبة إلى الكثيرين باتت غير نافعة»، قبل أن يدعو باسم «نقابة المحررين الى اعتصام يوم 6 أيار، مطالباً وسائل الاعلام بالتوقف عن العمل في 13 أيار، تاريخ استدعاء نائبة مديرة الأخبار في «الجديد» كرمى الخياط ورئيس تحرير «الأخبار» إبراهيم الأمين أمام المحكمة الدولية. وقرأ عون رسالة جريج الذي اعتذر عن عدم مشاركته «لانشغاله بمواعيد سابقة»، وأكّد «تضامني مع الاعلام في ممارسته لحرية التعبير»، وأنه «ليس من شرعية المحكمة أن تمنع الإعلام اللبناني من انتقادها». لكن جريج دعا «وسيلتي الإعلام الى الإدلاء بكل الاعتراضات خلال التحقيق من أجل إثبات براءتهما من التهمة المنسوبة إليهما»، مضيفاً أنه انطلاقاً من «شرعية المحكمة والتزام لبنان بتنفيذ قراراتها، أرى أن من مصلحة الإعلاميين، اللذين تم دعوتهما للتحقيق، تلبية هذه الدعوة، لأن هذا هو السبيل الوحيد لإثبات براءتهما».
ممثل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، نائب رئيسه، إبراهيم عوض، نصح «ممثلي المحكمة بالاعتماد على لغة عاقلة مع الإعلام»، فيما رأى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب عمر زين أن «المحكمة تجنح عن صلاحياتها وتنتهك الحريات بالولوج الى قضايا فرعية مفتعلة». المحامي رشاد سلامة رأى «أننا نواجه معركة من نوع خاص، فنحن في حالة صراع بين العدالة والحرية، وهذا مستغرب جداً»، داعياً الى «قراءة المغالطات من قواعد الإجراء والإثبات المادة 60 التي تختص بمعاقبة المحامين، والمادة 60 التي تحكم الأخبار والجريدة، فأقلام الصحافة يجب أن لا تكسر». وفي كلمته، رأى رئيس مجلس إدارة «أل بي سي آي» بيار الضاهر أن «حرية الإعلام حق مقدس والجسم الإعلامي يدفع شهداء منذ أيام العثمانيين. فواجبات الصحافي هي البحث عن الحقيقة وكشف الجديد ونقل الأخبار الحقيقية». ولفت الى أنه رغم ملاحظاته الكثيرة على الزملاء وعلى المحكمة، «لكن يعزّ عليّ أن جزءاً كبيراً من الإعلام غير موجود اليوم»، مضيفاً أنه «يجب أن نسعى إلى أن يكون الإعلام اللبناني جسماً واحداً ونجتمع في هذا المكان للتضامن والمحافظة على حريتنا». الإعلامي فارس الجميل دعا وسائل الاعلام الى «وقفة تضامنية واحدة بوجه كل المحاولات التي تسعى الى ترهيب الاعلام اللبناني، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالأشخاص بل بالمؤسسات أيضاً».
زين: المحكمة تجنح
عن صلاحياتها وتنتهك الحريات بالولوج الى قضايا فرعية مفتعلة

ورأى رئيس مجلس إدارة تلفزيون «الجديد» تحسين خياط أن «المحكمة الدولية خرجت عن مسارها، ولا بد للحكومة اللبنانية من أن تصحح هذا المسار»، مشدداً على «أننا لن نرضخ لوصاية المحكمة الدولية ولا لأي وصاية أخرى». وقال: «في كل مرة أفكر في الـ500 مليون دولار التي صُرفت على المحكمة الدولية، لو صرفها اللبنانيون على القضاء لكان أصبح لدينا قضاء عادل وعظيم».
وألقى الأمين كلمة «الأخبار»، معتبراً أن «المحكمة تصرفت بهذه الطريقة وقامت باستدعاء صحافيين لأنها قالت إن الحكومة اللبنانية تسمح بذلك، ولا تقف في وجهها كما تقوم حكومات أخرى في بلدان أخرى، حيث لا تجرؤ المحكمة على أن تقوم بخطوة مماثلة». وعن غياب جريج، علق الأمين بأنه «لا يمكن تجاهل أن وزير الإعلام لا يقوم بدوره، وأي محاولة لتقديم احترام القانون على احترام الحرية فيها خطأ كبير يجب أن يتحمل مسؤوليته»، مراهناً «على خطوة تتجاوز التوصية من خلال لجنة الإعلام والاتصال في البرلمان».
وانتهت الوقفة التضامنية باجتماع عُقد في مكتب نقيب الصحافة، ضمّ ممثلي الوسائل الاعلامية المشاركة، قبل أن يتوجه وفد منهم الى وزارة الاعلام، عند الرابعة مساءً للقاء جريج. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد انتهاء الاجتماع، أكد الوزير «أننا سنسعى للدفاع عن الحريات الإعلامية من ضمن آلية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان». وذكّر بالكلمة التي أُلقيت عنه في نقابة الصحافة، «والتي أعربت فيها عن تضامني مع الإعلام باعتبار أن الحرية الإعلامية مقدسة ومكرسة في الدستور اللبناني»، مؤكداً من جديد أنه «بالرغم من أن المحكمة شرعية ومنبثقة عن قرار اتخذه مجلس الأمن هو القرار 1757 تحت الفصل السابع، إلا أن من حق الإعلام أن ينتقد هذه المحكمة بحرية تامة، كأن يعترض على بعض تصرفاتها أو على العبء الذي تشكله على الخزينة أو على بعض قراراتها»، قبل أن يشير الى «أن التهمة الموجهة إلى الإعلاميين من قبل المحكمة لاقت اعتراضات كثيرة لجهة أنه كان أجدر بالمحكمة أن تبحث عن المسؤول عن التسريبات لا عمن نقلها، وقلت إن من مصلحة الإعلاميين الاثنين تلبية دعوة المحكمة». وأضاف: «أياً كان موقف الإعلاميين، فإنني أميّز تمييزاً واضحاً بين الموقف من المحكمة التي أؤيّد قيامها وبين موقف المحكمة من الإعلام اللبناني والإعلاميين اللذين استدعتهما»، مؤكداً أنه «سيسعى إلى مساعدتهما في إظهار براءتهما وكشف الحقيقة». أما التضامن مع الإعلام، فيتمسك به جريج «باعتبار أن للحرية في لبنان قدسية لن تنال منها أي اختلافات في الرأي».



متضامنون

استنكر قرار المحكمة الدولية بحق «الأخبار» و«الجديد» النائب أغوب بقرادونيان والنائب السابق اسماعيل سكرية ورئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، وجبهة العمل الإسلامي، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان، والمجلس الوطني للإعلام في سوريا. وعقد لقاء في منزل رئيس التجمع الشعبي العكاري النائب السابق وجيه البعريني، استنكر فيه القرار. وتحدث مطران عكار للروم الأرثوذوكس المطران باسيليوس منصور الذي قال: «إذا كانت جريدة الأخبار أو تلفزيون الجديد قد قالا كلاما، فهو حق لهما أن يقولا ما يشاءان، لأن لبنان بلد الكلمة الحرة عبر كل العصور».
ودان قرار المحكمة كل من رئيس المجمع الثقافي الجعفري الشيخ محمد حسين الحاج ورابطة الشغيلة ورئيس «اتحاد بلديات بعلبك» حسين عواضة ورئيس «اتحاد العطاء لنقابات التجارة» عامر الحاج حسن، و«لجنة عائلة وأصدقاء الأسير في السجون الإسرائيلية يحيى سكاف» ونقابة الخطاطين.