نصائح كثيرة نُقلت إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم توجيه رسالة الى مجلس النواب يشكو فيها عجز الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة. في الظاهر، بدا أن الرئيس لم يكن موفقاً في رسالته، بعدما فسّر المجلس الماء بالماء. إذ دعا الرئيس المكلف الى «المضي قدماً وفق الاصول الدستورية للوصول سريعاً الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».
(هيثم الموسوي)

أما على الأرض، فإن الكلمة «المدوّية» للحريري وتصويبه على رئيس الجمهورية، في مقابل الكلام الهادئ لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كانت لها مفاعيل على أكثر من صعيد، أولها لدى الرئيس نبيه بري، والثنائي الشيعي ضمناً. فرغم تأكيدات باسيل بأن الرسالة هي رسالة حث على التشكيل، وأن البلد لا يتحمل البقاء بلا حكومة، وقوله، أمام المجلس، ما قيل للحريري ولغيره تكراراً، بالموافقة على حكومة اختصاصيين وعدم المطالبة بالثلث، ودعوته الرئيس المكلف الى تقديم تشكيلة، «مشهّداً» البطريرك الماروني وباريس وحزب الله و«كل الوسطاء» على تلكؤ الحريري، بقي الأخير في المربع الأول بإصراره على حكومة اختصاصيين لا يقول أحد بغيرها، وباتهامه رئيس الجمهورية وفريقه باشتراط الحصول على ثلث جهر هؤلاء ويجهرون بأنهم لا يريدونه!
في المحصّلة، سجّل رئيس الجمهورية فوزاً، بالنقاط، بعدما أخرج الى العلن، و«لايف»، السجال العقيم الدائر مع الحريري منذ نحو سبعة أشهر، والذي لم تتخلّله نشكيلة حكومية مكتملة قدّمها الأخير تصلح للنقاش. أضف الى ذلك، أن رئيساً مكلفاً استمع للتوّ الى ما يشبه توصية من ممثلي الشعب بالوصول «سريعاً» الى تأليف حكومة، غادر البلاد إلى أبو ظبي قبل أن يجف حبر الدعوة وكأنه غير معني بالأمر من أساسه!
مصادر مطلعة أكدت لـ«الأخبار» أن رئيس المجلس أبدى انزعاجاً شديداً من نبرة الحريري. إذ أن الأخير لم يغيّر حرفاً في كلمته التي يبدو أنه كان قد أعدّها مسبقاً رداً على كلام عالي النبرة كان يتوقعه من باسيل. علماً أن بري مرّر للرئيس المكلف أكثر من «باس»، أهمها أنه أعطاه الكلمة الأخيرة رغم أنه المعني الأول بالرد على رسالة رئيس الجمهورية. هذا الامتعاض قد يكون التعبير الأوضح عنه اللقاء الذي عقد بين بري وباسيل، بعد الجلسة، ووصفته المصادر بأنه «أول تواصل» بين الجانبين في الموضوع الحكومي. فيما أفادت أجواء عين التينة أمس أن لدى بري «جديداً» في ملف التأليف، وأنه سيبدأ لقاءات واتصالات في اليومين المقبلين.
الامتعاض نفسه انسحب على البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لم يخف أمام زواره انزعاجه من كلمة الحريري ووصفها بـ«غير المسؤولة»، وبأنها «لا تؤلف حكومة». علماً أن «تجربة البطرك مريرة» مع الرئيس المكلّف. والانطباع نفسه نُقل عن أكثر من سفير أوروبي أبدوا شكوكهم في أن من يلقي خطاباً كهذا يريد فعلاً تأليف حكومة.
بحسب المصادر نفسها، «لم يعد الحريري قادراً على أن يمضي قدماً في أدائه السابق، وهو لا شك سيعود سريعاً بعدما وصلت اليه الاصداء السلبية لخطابه»، ناهيك عن ان دعوة باسيل الى جلسة حوار يكون فيها تأليف الحكومة موضوعاً أساسياً، وتلويحه باستقالة التيار من مجلس النواب ودعوته الى حل البرلمان «مش مزحة أبداً»، خصوصاً أن رئيس الجمهورية «مكفّي» ولن يسمح بأن يبقى البلد بلا حكومة حتى نهاية العهد.
في المحصّلة، تؤكد المصادر «أننا أمام مرحلة جديدة»، و«ليس خافياً على أحد أن لا غطاء خارجياً للحريري اليوم الا الغطاء المصري، بعدما بات الموقف السعودي واضحاً، وبعدما أصبح الخارج، بما فيه الفرنسي، يبحث فعلياً في خيارات أخرى لرئاسة الحكومة». أما داخلياً، فإن موقف الحريري يهدد بفقدانه الغطاء الشيعي الوحيد المتبقّي له، بعدما خسر الغطاءين المسيحي والدرزي.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا