ليس منّا من يحتاج إلى شرح حول طبيعة الانقسام السياسي ـــ الإعلامي في شأن المحكمة الدولية. الانقسام ليس مهنياً بالتأكيد. بل هو، في الأصل، سياسي، له علاقة بقرار إنشاء المحكمة، وله علاقة أقوى بمساراتها وخطواتها. وهذا الانقسام سيكون حاضراً، بقوة، في الموقف من قرار المحكمة اتهام «الأخبار» و«الجديد» بتحقير المحكمة والدخول في مسار للمحاكمة وفرض العقاب.
اليوم، من المقرر أن يلتقي إعلاميون، بمبادرة واعية للمخاطر، قام بها أستاذنا الكبير طلال سلمان الذي خبر، بدمه وعرقه وصبره، مظالم الاعتداء على الحريات الإعلامية، رصاصاً وأحكاماً وملاحقات. هذا اللقاء عنوانه التضامن مع «الأخبار» و«الجديد»، وهدفه ردع محاولات كمّ الأفواه. ومن المفترض أن نخرج من اللقاء بصرخة، وبخطوات هدفها محاصرة الاعتداء، ومنع تكراره.
لكن أي خطوة ستواجه عقبات أساسية: منها الانقسام القائم داخل الجسم الإعلامي، والانقسام السياسي الذي لا يدل على إمكان تضامن سياسي ونقابي ومهني حول الحريات. ومنها، أيضاً، الدور المعطل للسلطات الرسمية، تلك السلطات الصامتة، والتي يعبّر عنها بصورة واضحة موقف وزير الإعلام اللامبالي، عن وعي وإدراك وتصميم، بما يحصل. ويرى فيه أمراً إجرائياً بحتاً.
هل بإمكان الجسم الإعلامي الوصول إلى نتيجة عملية؟
طبعاً يمكن. المحكمة الدولية ليست قدراً محتوماً، والسلطات المحلية أو الدولية الراعية لها هي سلطات قادرة، لكنها ليست قدراً محتوماً أيضاً. إصلاح الأخطاء وإعادة تصويب مسار المحكمة يحتاجان إلى نفَس طويل، وإلى مثابرة. لكن، قبل ذلك، يحتاجان إلى حد أدنى من التوافق، ما يمنع الاستفراد، وما يمنع الخروقات، وما يمنع الاستبداد.
ماذا بمقدرونا أن نفعل؟
أولاً: أن نفرض قراراً أو تشريعاً يمنع المحكمة الدولية من ملاحقة الصحافيين على جرائم نشر أو كلام أو تعليق. ويعيد الأمور إلى نصابها القانوني اللبناني. ولنا في ذلك حجة أن محكمة المطبوعات موجودة، وتمارس سلطاتها، ولو بتعسف، إذا تطلب الأمر.
نعد القائمين على المحكمة بأننا سننشر كل ما نراه ضرورياً لكشف الحقيقة أمام الرأي العام

ثانياً: أن نفرض قراراً أو تشريعاً يلزم الأمم المتحدة بضمان احترام المحكمة لحرية الصحافة، ويلزمها بضمان إدخال تعديلات على قواعد الإجراءات والإثبات في المحكمة، ما يحول دون أي نوع من الملاحقات على خلفية النشر أو الكلام.
ثالثاً: إعلان حالة طوارئ نقابية بما يفتح المجال، ولمرة أولى، نحو عقد مؤتمر وطني شامل للإعلاميين في لبنان لإعادة النظر في كل الوضع النقابي والتمثيلي، وإعداد مذكرة تعاون مع السلطات القضائية في لبنان حصراً، بما يكفل احترام القانون وضمان حرية الصحافة.
رابعاً: أن يترك أمام كل وسائل الإعلام خيار المبادرة إلى خطوة عملية، باتجاه إشعار المحكمة الدولية، كما السلطات في لبنان، بأن محاولات الاستفراد بهذه المؤسسة أو تلك، وبهذا الصحافي أو ذاك، ستجعل المحكمة في مواجهة كل الجسم الإعلامي، شركات وصحافيين.
على أن الأهم في الأمر، ليس فقط التفاهم على هذه الخطوات، بل الإقرار، مسبقاً، بأن هذا التفاهم لا يعني أبداً، إلزام وسائل الإعلام، أو الإعلاميين، بسياسة تحريرية واحدة. كما لا يلزم وسائل الإعلام بغير آليات التضامن والتعاضد المهني والقانوني والأخلاقي. وأن يجري احترام الفروقات وتعدد وجهات النظر، وتنوع آليات العمل، وحتى تضارب المقاربات لهذا الحدث أو ذاك.
وفي هذا السياق، نود الإشارة، نحن في «الأخبار »، إلى أن إصرارنا على خطوات نقابية موحدة، وعلى إلزام الدولة باحترام حقوقنا كلها، وضمان عدم استباحتنا من قبل أي سلطات أخرى في العالم. إنما نذهب إليه ونقاتل لأجله بغية حفظ حقنا في ملاحقة المزورين والمخربين للبلاد ومستقبلها، وبغية حفظ حق الآخر، المختلف معنا، في نقدنا وفي كشف ما يراه فينا من أخطار على حريته أيضاً.
نقول ذلك مسبقاً، حتى لا يفكر أحد بأننا نستجدي مقايضة لحريتنا بصمتنا عن الأخطاء. ولنلفت انتباه الأقربين قبل الأبعدين، إلى أننا سنكون في قلب المعركة ضد تزوير التاريخ، وضد محاولات العالم الشرير فرض قواعده علينا باسم العدالة والشرعية الدولية.
نقول ذلك، لأننا نعرف، بالوثائق والمعطيات، أن المحكمة الخاصة بلبنان تقترب من لحظة الدخول في برنامج عمل، فيه الكثير الكثير من الأخطاء. وهي أخطاء لا تهدف فقط إلى النيل من مقاومين شرفاء، بل إلى دفع البلاد نحو مواجهة قاسية. ونحن لن نكون الشاهد الصامت، ولا شاهد الزور. ولنا، أن نعد القائمين على المحكمة، من قوى سياسية وأجهزة أمنية، قبل الآخرين، بأننا ننتظرهم عند كل استحقاق، وعند كل مفترق. وسننشر كل ما نراه ضرورياً، لكشف الحقيقة أمام الرأي العام.
إن اللقاء التضامني اليوم يعني لنا الكثير، وسيكون إشارة إيجابية بارزة في استمرار الحياة الكريمة في الجسم الإعلامي. ونحن نريده نقطة انطلاق نحو وضع جديد، لا نحتاج بعده إلى تضامن، ولا نكون فيه ضحية استبداد!