لم يمضِ سوى يوم واحد على إعلان فوزه بولاية رئاسية سادسة، حتى أذاع الجيش التشادي نبأ وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو، جرّاء إصابته على خطّ الجبهة في شمال البلاد، معلناً، على هذه الخلفية، أن «مجلساً عسكرياً انتقالياً» يضمّ مجموعة من كبار ضباط الجيش برئاسة محمد ديبي، ابن الرئيس المتوفّى للتوّ، تسلّم دفّة الحكم، بعدما حلّ البرلمان والحكومة وأغلق الحدود وفرض حظراً للتجوال. لكن ما بدا لافتاً أن أيّاً من العواصم الغربية، وخصوصاً باريس، لم تبدِ قلقها حيال انقلاب عسكري أنهى 30 عاماً من حكم حليفها في «الحرب على الإرهاب»، الذي وصل هو الآخر إلى السلطة بفعل انقلاب.يحفل تاريخ تشاد بحلقات من التمرُّد المسلّح من الشمال وليبيا والسودان المجاور، حتى أن إدريس ديبي نفسه استولى على السلطة بعدما قاد قوات من المتمرّدين سيطرت على العاصمة نجامينا في عام 1990. وتمّت ترقية ديبي (68 عاماً) إلى رتبة ماريشال في آب/ أغسطس الماضي، وأُعيد انتخابه، أوّل من أمس، لولاية رئاسية سادسة مدّتها ستّ سنوات بنسبة 79,32% من الأصوات. لكن معظم خصوم الرئيس التشادي الذين اشتكوا طويلاً من حكمه القمعي، قاطعوا الانتخابات، فيما كان يواجه حالة من الاستياء الشعبي المتزايد بسبب إدارته للثروة النفطية في البلاد (يؤمّن النفط الذي تنتجه تشاد منذ عام 2003، ما يقارب 40% من إجمالي الناتج الداخلي، وأكثر من 60% من عائدات الدولة). مع ذلك، عمل ديبي على وضع دستور جديد في 2018، كان سيتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2033، على رغم أنه تضمّن فرض قيود على فترات الرئاسة.
فرض الجيش حظر تجوال وأغلق الحدود البرّية والجوّية للبلاد بعدما حلّ البرلمان والحكومة


اعتَبر الغرب، خصوصاً فرنسا القوّة الاستعمارية الموجودة بشكل شبه دائم في مستعمراتها السابقة، نظام إدريس ديبي شريكاً أساسيّاً في «الحرب ضدّ الجهاديين» في منطقة الساحل، لا سيما أن العاصمة التشادية، نجامينا، تستضيف مقرّ عمليات «برخان» منذ إطلاقها في عام 2014. وتشاد، الواقعة بين الدول التي تعيش نزاعات مثل ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، تُعدُّ مساهماً رئيساً من حيث عدد الجنود والسلاح في هذا الصراع، كما أن جيشها يزوّد «قوات حفظ السلام» التابعة للأمم المتحدة في مالي، بإحدى فرقه الرئيسة التي تُعتبر الأكثر خبرة في «القوّة المشتركة» لدول الساحل، وهي موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. من هنا، اكتفت باريس بالتشديد على أهمية «الانتقال السلمي» للسلطة في تشاد، على ما أعلن قصر الإليزيه. وقال، في رسالة التعزية، إن باريس «تعرب عن تمسكها الثابت باستقرار تشاد ووحدة أراضيها» بعدما «فقدت رئيساً جهد دونما هوادة من أجل أمن البلاد واستقرار المنطقة على مدى ثلاثين عاماً. لقد فقدت فرنسا صديقاً شجاعاً». وشدّدت فرنسا على «أهمية أن تتمّ المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية وبروح من الحوار مع كلّ الأطراف السياسيين والمجتمع المدني، والسماح بالعودة السريعة إلى حوكمة تشمل الجميع وتعتمد على المؤسسات المدنية».
وفي البيان الذي أذاعه الجيش، قال الناطق باسمه، الجنرال عزم برماندوا أغونا، إن «رئيس الجمهورية (...) إدريس ديبي إيتنو لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعاً عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة... نعلن ببالغ الأسى للشعب التشادي نبأ وفاة ماريشال تشاد الثلاثاء في 20 نيسان/ أبريل 2021». وأضاف: «تولّى زمام المعركة البطولية ضدّ جحافل إرهابيين من ليبيا. أصيب خلال الاشتباكات وتوفّي لدى عودته إلى نجامينا». في هذا الوقت، أُعلن عن تولّي محمد إدريس ديبي (37 عاماً)، ابن الرئيس التشادي وقائد الحرس الرئاسي، قيادة مجلس عسكري مكلَّف إدارة شؤون البلاد، اجتمع فور وفاة الرئيس «وأعلن ميثاق انتقال» السلطة. وتابع برماندوا أن «المجلس العسكري الانتقالي» يضمن «الاستقلال الوطني وسلامة الأراضي والوحدة الوطنية واحترام المعاهدات والاتفاقات الدولية ويضمن مرحلة انتقالية مدّتها 18 شهراً» تجري بعدها «انتخابات حرّة وديموقراطية وشفافة»، مشيراً إلى فرض حظر تجوال وإغلاق الحدود البرّية والجوّية للبلاد، بعدما حلّ البرلمان والحكومة، حتى لا يتولّى السلطة رئيس البرلمان، بحسب ما ينصّ عليه الدستور.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا