ترفض الرقابة العسكرية في إسرائيل، إلى الآن، السماح بكشف الدولة الخليجية التي نقلت إليها منظومة القبّة الحديدية لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، عبر الحليف الأميركي. وإذا كانت دوافع الرفض مفهومة، فلن يستعصي تقدير اسم الدولة المعنيّة: السعودية. لا تَخرج الأخبار المقتضبة حول نقل المنظومة عن السياقات العامّة لمرحلة تظهير التطبيع بين أنظمة عربية وإسرائيل، علماً أن السعودية، تحديداً، لم تصل إلى هذه المرحلة بعد، كما فعل غيرها، وإن كانت هي مَن حثّتهم على ذلك. وليس تأخُّرها مرتبطاً بالقضية الفلسطينية كما يدّعي البعض، بل بالتوقيت الأمثل داخلياً وخارجياً، خصوصاً على وقْع المتغيِّر الأميركي في البيت الأبيض. ولذا، فهي لا تزال تمتنع، إلى اليوم، عن تظهير ما هو قائم ومُفعّل على أرض الواقع بينها وبين إسرائيل، علماً أنها السبّاقة إلى طلب العلاقة مع الأخيرة. وفقاً لمصادر مطّلعة، يقيم، الآن، في السعودية وفدٌ من شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية «رفائيل»، بهدف بحْث ما يمكن الشركةَ فعله لتأمين دفاعات ضدّ الصواريخ اليمنية الدقيقة المُوجَّهة والطائرات المسيّرة، التي - للمفارقة - تشغل بال إسرائيل نفسها، خصوصاً أن المنظومات الدفاعية الإسرائيلية لم توضع بعد في اختبار عملي لمواجهتها. وبحسب الإعلام العبري، فإن العمل على تنصيب منظومتَين من «القبّة الحديدية» الإسرائيلية في السعودية يدخل مراحله الأخيرة، ما يُفسّر وجود وفد رفيع من «رافائيل» هناك. وسواءً تمّ تأكيد التنصيب رسمياً أم لم يتمّ، فالمرجّح أن تعمد إسرائيل لاحقاً، كما هي العادة، إلى إطلاق التسريبات المُوجَّهة، خصوصاً أن الأهمّ، في هذه الحالة، بالنسبة إليها، هو الكشف عن أن سلاحها بات جزءاً من حائط الدفاع عن النظام السعودي، لا واقع «الدفاع» نفسه وتبعاته المباشرة.
ودأبت تل أبيب، على مرّ السنوات الماضية، على الإعلان عن تعديلات على «القبّة الحديدية»، أملت من خلالها تذليل عقبات صعبة جداً، خصوصاً لناحية قدرة المنظومة على مواجهة الطائرات المُسيّرة، وكذلك رشقات كبيرة من الصواريخ، ناهيك عن صدِّ صواريخ دقيقة مُوجَّهة، وهو ما يتعارض مع جوهر «القبّة» وآلية عملها، على رغم الإعلان الإسرائيلي الأخير عن تطوير «مهمّ» إضافي فيها. وتحرص إسرائيل، سواء لأغراض معنوية داخلية أو تجارية خارجية، على إخفاء عيوب المنظومة، لكن تتبُّع أداء الأخيرة كان كفيلاً بكشف أهمّ تلك العيوب، ولا سيما في المواجهات مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، على الرغم من أن القدرات الكمّية والنوعية لتلك الفصائل، لناحية الصواريخ والطائرات المُسيّرة، محدودة إذا ما قيست بجبهات أخرى. مع ذلك، ليس لدى تل أبيب ما تفعله، في مواجهة القدرات الصاروخية المعادية، سوى التمسُّك باستراتيجية تعزيز ردعها عبر التهديد المستمرّ وتظهير الاستعدادات العسكرية بشكل دائم، ومن بينها «القبّة الحديدية».
تلفت المصادر العبرية إلى أن نقل «القبّة» إلى الخليج، وتوجُّه وفد من «رافائيل» إلى السعودية، أعقبا الضربات الأخيرة التي تلقّتها المملكة من اليمن، إضافة إلى الإعلان الإسرائيلي الأخير عن «نجاحات باهرة» في تطوير المنظومة حتى تصبح قادرة على اعتراض المُسيّرات والصواريخ الدقيقة. وتلك وقائع لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، كون الترابط في ما بينها كبيراً جدّاً. واللافت أن الإعلان الإسرائيلي، الذي بدا «غبّ الطلب»، يتوافق تماماً مع مصلحة تل أبيب في مرحلة التطبيع بينها وبين العواصم العربية.
بالطبع، سيكون تشغيل «القبّة الحديدية» في السعودية بيد إسرائيل، التي لا تتخلّى عن محظوراتها القاضية بمنع كشف أسرار المنظومة وعيوبها للآخرين، حتى وإن كان الجانب السعودي موثوقاً لديها، وهذا ما حصل مع سنغافورة التي اشترت المنظومة، من دون أن تُدخِلها في اختبارات عملية حتى الآن. لكن، بإمكان إسرائيل، إزاء ذلك، اللجوء إلى الجانب الأميركي الذي يُشغّل معظم المنظومات الدفاعية لدى السعودية، والمواكِب لمسار تطوير «القبّة»، فضلاً عن كونه المُموّل الأول لها والمشارك الأساسي في وضعها على مسار الإنتاج، على الرغم من أنه تخلّى عنها في نهاية المطاف، لتقديره أنها لن تكون فاعلة في مواجهة التهديدات الصاروخية الماثلة أمامه.
نقل «القبّة» إلى الخليج وتوجُّه وفد من «رافائيل» إلى السعودية أعقبا الضربات اليمنية الأخيرة


وسرّبت المؤسّسة الأمنية في إسرائيل، في وقت سابق، عبر صحيفة «هآرتس»، أنه تَقرّر أن تنصب الولايات المتحدة منظومات «قبّة حديدية» في الخليج، كانت قد «اشترتها» من إسرائيل. ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية، فإن تل أبيب اشترطت ألّا يُشغّل المنظومات إلّا الجانب الأميركي حصراً، علماً أن مصادر أمنية أخرى قالت، للصحيفة نفسها، إن وزارة الأمن طلبت من شعبة مراقبة الصادرات العسكرية مراجعة القيود المفروضة على تصدير السلاح الإسرائيلي، لافتة إلى أن الصناعات العسكرية ترى أنه بات بالإمكان الآن تصدير أسلحة إسرائيلية، وإن متطوِّرة، إلى دول ظلّ التصدير ممنوعاً إليها حتى الأمس القريب. وذكّرت «هآرتس» بورود أنباء، في أيلول 2018، عن قيام السعودية بتوقيع صفقة لشراء «القبّة» من إسرائيل بوساطة أميركية، إلّا أن وزارة الأمن في تل أبيب نفت آنذاك توقيع أيّ صفقة من هذا النوع، مع أنها لم تنفِ طلَب السعوديين نفسَه شراء المنظومة. وبحسب المصادر الأمنية، فقد زاد مستوى اهتمام السعودية وآخرين بـ«القبّة» في عام 2019، بعد الهجمات التي شَنّها الجيش و«اللجان الشعبية» انطلاقاً من اليمن، على مقرّات شركة «أرامكو» في المملكة.



«رافائيل» تختبر تطويراً جديداً لـ«القبّة»
أفاد موقع «آرمي تكنولوجي» العسكري، أمس، بأن شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية المتقدّمة «رافائيل» أنجزت بالتعاون مع «منظّمة الدفاع الصاروخي» الإسرائيلية اختبارات لإجراءات تطوير على منظومة «القبّة الحديدية». وتُعتبر هذه ثالث سلسلة من الاختبارات التي تهدف إلى إثبات فاعلية تلك الإجراءات. وأُجريت، الشهر الماضي، عمليات إطلاق تجريبية لنسخة مُحدَّثة من «القبّة»، خضعت خلالها المنظومة، وفق الموقع، لمجموعة من السيناريوات المعقّدة، «واعترضت ودمّرت الأهداف بنجاح». وزعمت «رافائيل» أن المنظومة حاكت تهديدات قائمة أو يمكن أن تبرز، عبر اعتراض متزامِن لمسيّرات وصواريخ صغيرة وكبيرة. كما ادّعت أن «القبّة» حَقّقت نسبة نجاح بلغت 90% في المئة خلال 2500 عملية اعتراض حربية منذ عام 2007. وتقوم «رافائيل»، منذ إنشائها في عام 1948، بإنتاج وتطوير تقنيات قتالية للجيش الإسرائيلي، كما تقوم بالتصدير إلى الخارج.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا