دمشق | «محرقة الوزراء»، هكذا يصف البعض وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية. يفشل كلّ وزير تموين، عادةً، في كسب ودّ الشارع المثقل بصعوبات الوضع المعيشي، فينال المرتبة الأولى من السخط الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، من بين جميع أعضاء الحكومة الآخرين، نظراً إلى صعوبة تجاوُز العقبات وسط حصار دولي وتأثيرات حرب السنوات الأخيرة. وكان اسم طلال البرازي على رأس الوزارة المذكورة مثيراً للجدل بما يكفي، على خلفية حمْله الملف «الحِمصي» كمحافظ خلال أكثر سنوات معارك المدينة صعوبة، وصولاً إلى دوره في التسويات السياسية التي أنهت الصراع لاحقاً. المُعوّقات أمام البرازي، هذه المرّة، تتّسع لها رقعة البلاد، وبجميع محافظاتها، أمام أيّ مأزق حكومي ووطني يتمثّل في نقص تمويني أو نفطي، وطوابير تتزايد كلّما اشتدّ الوضع السياسي سوءاً. الإحراج الحكومي الأبرز والدائم تجلّى في أقسى صوره، حين فرَغ مخزون القمح الاستراتيجي بما لا يكفي البلاد لأيام، تزامناً مع مطلع العام الحالي، فيما يجب أن يكون لدى الدولة مخزون يكفيها لأشهر قادمة. يبتسم البرازي لدى استذكاره تلك الأيام، قائلاً: «مررنا بظروف صعبة، ولكن لم يحدث انقطاع»، على رغم «عدم القدرة على تسوُّق أكثر من 650 ألف طن من القمح لهذا العام»، بعد أن كان متوسّط إنتاج البلاد من القمح، قبل الحرب، يصل إلى أكثر من مليوني طن (وصل في بعض السنوات إلى 3 ونصف طن). ويفصّل البرازي أزمة القمح السالفة الذكر بقوله: «كان تأمين المادة يتمّ بطرق مختلفة، سواءً من روسيا الاتحادية أو من بعض دول حوض البحر الأسود. إلّا أن المنشأ الروسي كان أبرز ما غطّى حاجاتنا إن كان عن طريق القطاع الخاص أو الحكومة الروسية». إلا أنه يعِد بثقة بأن «لا انقطاعات في تأمين القمح خلال عام 2021». ويُبيّن تفاصيل معالجة الملفّ من خلال «التعاون الاقتصادي عبر اللجنة السورية - الروسية المشتركة»، إذ جرى التعاقد على «مليون طن من القمح، والعقود الآجلة للتوريدات القائمة ضمن برنامج زمني، ما يُغطّي الحاجة حتى شهر تموز القادم، أي موعد البدء بتسويق الأقماح». وإذ تعلن وزارة الزراعة هذا العام «عام القمح»، فإن البرازي يبدو مطمئنّاً إلى «تغطية عدة أشهر قادمة من القمح حتى نهاية العام، مهما كانت الكمّية التي من الممكن تسوُّقها في الصيف القادم». ويطمئن إلى أنه «لا توجد حالياً نية لزيادة أسعار الخبز».
يَعتبر وزير التجارية الداخلية تجربة «البطاقة الذكية» ناجحة بنسبة 80%


40 ألف ليرة سعر الطنّ أم الكيس؟
في مكتبه داخل مبنى وزارة التجارة الداخلية في العاصمة السورية، يجلس طلال البرازي بهدوءِ مَن يعي أزمات وزارته جيداً. وخلال مقابلته مع «الأخبار»، يجيب عن الأسئلة بثبات وثقة. «نحن بحاجة إلى مليون ربطة خبز يومياً، أي 36 مليون رغيف»، يقول البرازي، مضيفاً أن «هناك متعة في وصول المؤسسة إلى تأمين هذه المادة وتحسين صناعتها بنسبة كبيرة، ومكافحة حالات الفساد، ولو جزئياً في ظلّ الدعم وفارق السعر». قرار حكومي صدَر قبل أيام يقضي بتسعير كيلو القمح بـ900 ليرة، بعد أن كان محدَّداً بـ550 ليرة، يمكن المساهمة من خلاله في زيادة نسبة التسليم وتغطية احتياجات الدولة السورية لفترة طويلة نسبياً، بحسب رؤية الوزير، الذي يَعتبر السعر الجديد مجزياً. ويلفت إلى أن سعر مبيع الدولة للطنّ الواحد من الطحين للأفران التموينية الخاصة أو مخابز الدولة هو 40 ألف ليرة، بينما هذا الرقم يعادل السعر الفعلي لكيس الطحين الواحد، وذلك كي تُباع ربطة الخبز بـ100 ليرة. ويعزو الرجُل الازدحام الحاصل أمام المخابز العامة إلى الاختلاط السكّاني بين محافظتَي دمشق وريفها، والذي لم يسمح بفصل حصص المحافظتَين من الخبز، لافتاً إلى تزايُد أعداد معتمَدي مبيع الخبز في المحافظات أكثر مما هو الحال في العاصمة، إذ لم يتجاوز عدد هؤلاء في دمشق 160، فيما يصل عددهم في اللاذقية وطرطوس إلى 800. وبحسب الوزير، يجري العمل على دراسة للتخفيف من هذه الأعباء.

عشرات الضبوط... وعقوبات غير رادعة
في بلاد يستخدم بعض أفرادها الخبز المدعوم كعلف للحيوانات، متذرّعين بوصول سعر كيلو العلف إلى 300 ليرة، فيما سعر ربطة الخبز يعادل 100 ليرة، تَبرز الحاجة إلى إجراءات تحدّ من الهدر الحاصل. دعم الدولة مادة القمح، بشكل غير مدروس، يترك المجال لتهريب الطحين، بحسب ما يقوله المهتمّون، فيما كلّ ما يمكن للحكومة أن تفعله إزاء حالات الفساد التي لا تنتهي هو تنفيذ الضبوط. يتحدّث البرازي عن عشرات الضبوط اليومية، مشيراً إلى «ارتفاع نسب معالجة المخالفات الجسيمة كتهريب الطحين والغشّ في المواد 300% عن العام الفائت، نظراً إلى تأثير هذه المخالفات على الخزينة العامة والدعم المعيشي للمواطن وصحته». غير أنه يستدرك بأن «وجود سعرَين أو أكثر للمادة يُسبّب مشاكل متعدّدة»، لافتاً إلى «وجود دراسة لتوحيد السعر، بما يفيد مصلحة المواطن». ويعتبر أن «ثقافة الشكوى عند المواطنين ضعيفة مقارنة بالاحتجاج، إذ إن الشكاوى التي تصل إلى الوزارة تعالَج فوراً»، بحسب تعبيره. ويتساءل عن قدرة 40 مراقب تموين على تغطية الأسواق في ظلّ وجود 3600 نقطة بيع. ولدى سؤاله عن جدوى الشكاوى وطرق معالجتها، قدّم مثالاً عن «وضع اليد على ثلاثة من تجار حمص المخالفين، ليتمّ بيع جميع الأعلاف الخاصة في المداجن، تحت إشراف دوريات التموين، لتوافُر شكوى مزوّدة بالمعلومات». وهُنا، لم يغفل الوزير حاجة قانون حماية المستهلك إلى تطوير، إذ إن للإغلاق سقفاً، والمحاسبة القانونية في القضاء محدودة، بينما الغرامات المالية لا تتجاوز 100 ألف ليرة، بما لا يشكّل قوة ردع. وعليه، يعلن البرازي «(أننا) بصدد دراسة قانون جديد لحماية المستهلك، بما يسمح بتشديد الغرامات التي يجب أن تصل إلى ملايين الليرات، وعقوبات جزائية بالحبس لمدّة تتراوح بين 3 أشهر إلى 5 سنوات مع الأشغال الشاقة».

يتحدّث البرازي عن عشرات الضبوط اليومية، مشيراً إلى «ارتفاع نسب معالجة المخالفات الجسيمة" (الأخبار)

لا رفع للدعم
وعلى رغم الانتقادات الكثيرة التي أثارها بدء العمل عبر البطاقة الذكية، فإن البرازي يعتبر التجربة ناجحة بنسبة 80%. وذلك لا ينطبق، بنظره، على مناطق تعاني من ضعف تغطية الاتصالات كدرعا وبعض مناطق إدلب ودير الزور. ويعلّق على الأمر بقوله: «نعوّض الضعف أحياناً بالسماح لبعض فروع السورية للتجارة بتزويد المواد عبر دفاتر العائلة في بعض المناطق. وأحياناً نُمدّد الفترة الزمنية للاستفادة من البطاقة مدّة أطول». ويضيف: «لا يوجد ازدحام اليوم في معظم فروع السورية للتجارة. هناك مشكلة في توزيع مادة المازوت. والأمر متروك للتقدير في توزيع الكميات بحسب حاجة كلّ محافظة». ومجيباً على سؤال حول البنزين والطوابير على محطات الوقود، يطمئن إلى أن الأزمة الحالية مؤقتة، وسط المحاولات الحكومية المتواصلة لاستمرار تأمين المادة. وفي ما يخصّ الحصول على الخبز عن طريق البطاقة، يلفت البرازي إلى تزويدها بشريحة، بحسب عدد أفراد العائلة، مما يُنظّم ويُخفّف الهدر. ويقول: «ما عاد يمكن لـ 76% من المواطنين أن يحصلوا على 4 ربطات، كما حصل سابقاً، بل اقتصرت نسبة مَن ينال هذه الكمية على 5% هم المستحقون الفعليون، ما ألزم الأفران الخاصة بالكمّيات، وهامش أقل للتهريب والمتاجرة بالمادة». وإذ ساد الهمس أخيراً حول مسؤولين سوريين عدة يميلون إلى فكرة رفع الدعم، إنما بهدف إيصاله إلى مستحقّيه فقط، يُطمئِن البرازي إلى أن فكرة رفع الدعم غير مطروحة حالياً، إنما توجد دراسة لمقترحات تسمح بأن يعود الدعم إلى ذوي الدخل المحدود أو المستحقين، وذلك عبر البطاقة الذكية أيضاً. لكن لا شيء من هذه المقترحات قيد التنفيذ حالياً. ولذا، يؤكد الوزير «(أننا) مستمرون في دعم المواد ذاتها، بما فيها الزيت، إن تَوفّر».

معمل عصائر في الساحل... وتنظيم أسواق الهال
وفي ما يتّصل بملفّ مزارعي الحمضيات في ريف اللاذقية والأسئلة المطروحة حول نكبات تسويق منتَجهم كلّ موسم، يُحدّد البرازي وجهة التصدير الأساسية بالعراق، فيما تصدَّر الحمضيات بنسب محدودة إلى مصر وروسيا. ويلفت إلى أن مشروعاً مشتركاً بات في مرحلة التعاقد مع شركة روسية في الساحل السوري، بهدف إقامة معمل عصائر ومكثفات، على أن يكون التسوُّق معتمداً على الموسم القادم. وبحسب البرازي، فقد تمّ تجاوُز جميع العقبات بما فيها الأسعار والكمّيات، حتى إن الموقع يُعتبر مهيّأً بنسبة 50%، في منطقة عرب الملك في ريف اللاذقية. ويشير إلى الاهتمام بموسم التفاح أيضاً، إذ تمّ قبل أيام تصدير أول شحنة من التفاح إلى فنزويلا. ويفيد بتزايد عدد فروع «السورية للتجارة» إلى نحو 250 فرعاً خلال 6 أشهر، ليصبح عدد الصالات 1430 صالة في عموم سوريا. وردّاً على سؤال حول الدور الفعلي لهذه الشركة العامة، باعتبارها «التاجر الذكي المنافس»، يُبيّن أن مبيعات هذه الشركة العامة من القرطاسية وحدها، خلال شهرَي أيلول وتشرين الأول، قُدّرت بحوالى ملياري ليرة، وذلك بفعل رخص أسعارها مقارنة مع أسعار السوق. ومع زيارات الوزير المتكرّرة إلى أسواق الهال، فقد جرى العمل على دراسة متكاملة ستسمح بصدور قرار لمجلس الوزراء، خلال أيام، بتنظيم أسواق الهال على مرحلتين، هما: الاستثمار والإدارة التشغيلية، بعدما تمّ تحديد حلقات البيع المتعدّدة، من خلال صيغة جديدة لوجود إدارة تشغيلية تشرف عليها الوزارة لضبط عملية البيع والفوترة وتحديد الأسعار وفق لوحات إلكترونية في كلّ سوق مركزي على مستوى المحافظات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا