يتّضح، يوماً تلو آخر، النهج الذي ستتبعه إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تجاه الصين، والذي يتشابه إلى حدٍّ كبير مع رؤية الإدارة السابقة، مع فارق السعي إلى تقوية التحالفات في أوروبا وآسيا، لتشكيل جبهةٍ موحّدة، كان أوّل مَن دعا إليها وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، في مواجهة الصين وروسيا. هذه المساعي تُرجمت في القمة الرباعية «كواد» التي جمعت بايدن، افتراضياً، إلى رؤساء وزراء: اليابان يوشيهيدي سوغا، الهند ناريندرا مودي وأوستراليا سكوت موريسون، والتي شكّلت مناسبةً لبدء الرئيس الديموقراطي هجوماً على بكين، قائلاً، في افتتاح اللقاء، إن واشنطن «مصمّمة على العمل مع جميع حلفائنا الإقليميين لضمان الاستقرار». وهذه هي المرّة الأولى التي يجتمع فيها التحالف الرباعي على أعلى مستوى منذ أن تأسَّس في العقد الماضي، لمواجهة صعود الصين. ومن باب زيادة بكين لهباتها من شحنات اللقاحات المضادّة لفيروس «كورونا» إلى دول في أنحاء العالم، ولا سيما في جنوب شرق آسيا، بدأ الرئيس الأميركي هجومه على منافسِتَه. وإذ أكّد، حتى الآن، التركيز على توفير اللقاحات للأميركيين، بدا أنه يزاحم الصين في توزيع «الهبات». ومن هنا، ارتأى بايدن أن يطلق «شراكة جديدة طموحة لتعزيز إنتاج اللقاحات لمصلحة العالم بأسره، ولا سيما في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ». وهو الأمر الذي وصفه مسؤول أميركي كبير بأنه «يأتي استجابةً للنقص الحادّ في جنوب شرق آسيا»، مضيفاً إن «أدوات مالية معقّدة من شأنها أن تسمح بزيادة كبيرة جداً وجذرية في قدرات إنتاج اللقاحات، تصل إلى مليار لقاح في عام 2022».
وعلى رغم أن المسؤولين الأربعة لم يأتوا على ذكر الصين بشكل صريح خلال اللقاء، لكنهم أشاروا إليها بلغة دبلوماسية، إذ أُعلن عن نقاشات حول «الأمن البحري»، وكيفية الحفاظ على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ «حرّة ومفتوحة». وفي إشارة واضحة إلى «الترهيب» الذي يتّهم بكين بممارسته في بحر الصين الجنوبي، قال بايدن: «نجدّد التزامنا ضمان سيادة القانون الدولي في منطقتنا، وإعلاء القيم الكونية بعيداً عن أيّ إكراه». وفي الإعلان المشترك، تعهّد القادة الأربعة بـ»دعم دولة القانون، وحرية الملاحة، والسلامة البحرية وخاصة في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي»، في انتقاد واضح لبكين. من جهته، اعتبر موريسون أن اجتماع «الديموقراطيات» الأربع يمثّل «فجر عهد جديد» في المنطقة، في حين أكّد مودي أن الرباعي سيبقى «ركيزة مهمّة للاستقرار». وعقب الاجتماع، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، أن بايدن ناقش اليوم التحدّيات الصينية مع الزعماء الثلاثة، مضيفاً إن القمة «لم تُركّز على الصين، لكنها تطرّقت إلى حرّية الملاحة في كلّ مِن بحر الصين الشرقي والجنوبي».
تعهّد بايدن بإطلاق شراكة جديدة لتعزيز إنتاج اللقاحات، ولا سيّما في جنوب شرق آسيا


ويُعتبر هذا اللقاء الأوّل ضمن مجموعة لقاءات مرتقبة للغاية نفسها، وهادفة إلى توثيق التنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها، لتشكيل جبهة موحّدة في مواجهة الصين؛ إذ سيُجري وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيّان، أنتوني بلينكن، ولويد أوستن، زيارة مشتركة لكلّ من اليابان وكوريا الجنوبية الأسبوع المقبل، يستتبعها أوستن بزيارة الهند، خدمةً للهدف نفسه. ومن بعدها، سيلتقي بلينكن وسوليفان، في ألاسكا، مسؤولين صينيين لإجراء محادثات، كانت إدارة بايدن قد وعدت بأن تكون للتعبير «صراحةً» عن مخاوف الولايات المتحدة. وبعد ذلك، سيجتمع الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الياباني في البيت الأبيض الشهر المقبل.
إلى ذلك، وبعد نشر وسائل إعلام يابانية إجراء طوكيو وواشنطن دراسة لإمكانية نشر صواريخ أميركية متوسّطة المدى في اليابان لكبح التهديد الأمني الذي تشكّله روسيا والصين في المنطقة، حذّرت وزارة الخارجية في موسكو من أن هذه الخطوة قد «تثير جولة جديدة من سباق التسلُّح لا يمكن التكهُّن بنتائجها»، معتبرة على لسان الناطقة باسمها، ماريا زاخاروفا، أن «نشْر هذا النوع من الصواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عامل مزعزع للاستقرار الإقليمي والدولي». وأكدت الناطقة أن بلادها «ستتّخذ إجراءات لضمان أمنها القومي إذا أقدَمت واشنطن على هذه الخطوة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا