بعد تصنيف النيابة العامة الاتحادية في سويسرا لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مُشتبهاً فيه بقضايا اختلاس وتبييض أموال، أقرّ الحاكم في لقاءاته مع «أصدقائه» بأنّ الولايات المتحدة الأميركية «تخلّت عنه». وقد لمس هؤلاء من المسؤولين الأميركيين المعنيين بالشأن اللبناني «انتقاداً» للإدارة النقدية، ودخولهم في تفاصيل القرارات كالسؤال عن تنفيذ التعميم 154، وتحديداً لجهة إجبار السياسيين وأصحاب المصارف على إعادة 30% من أموالهم المُحوّلة بين الـ 2017 و2020. ولكن إدراك سلامة لتغيّر المزاج الأميركي تجاهه، لا يُلغي أنّ نشر وكالة «بلومبرغ»، أول من أمس، لتقرير طويل، نقلاً عن أربعة مصادر، وفيه معلومات عن احتمال فرض الإدارة الأميركية عقوبات عليه، شكّل له «نقزة». لسنواتٍ طويلة، كان سلامة عضواً في نادي «رجال واشنطن»، يتبادل معها المعلومات، تشترط بقاءه في منصبه لثقتها به، يُنفّذ أوامرها حتى من دون طلب مُباشرٍ منها. أن «ينتهي دوره» بالنسبة إلى الأميركيين يبقى «أهون» من فرض عقوبات تُنهي مسيرته كحاكم بنك مركزي، وتفرض قيوداً شخصية قاسية عليه وعلى عائلته وأعماله الخارجية.ردّة الفعل الأولى لسلامة كانت تشغيل شبكة اتصالاته للتأكّد من دقّة المعلومات، فحين تنشر «بلومبرغ» تقريراً وتؤكد أنّها قاطعت المعلومات مع أربعة مسؤولين أميركيين يعني أنّها فعلاً استقت أخباراً داخلية. الجواب الذي وصل إلى سلامة كان مُطمئناً له، وعلى هذا الأساس بدأ يُجيب السائلين بأنّه واثق من عدم صحّة التقرير المنشور. ثمّ انتقل سلامة، أو الدائرون في فلكه، إلى تعميم جوّ بأنّ مصارف «مُتضرّرة» من تعاميمه الأخيرة، و«التضييق» المُمارس عليها من «المركزي»، هي التي «حرّضت» على الحاكم لدى «بلومبرغ» لتسريب أخبار كاذبة. يُريد سلامة الإيحاء للرأي العام بأنّه «الآدمي» الذي يُريد إعادة تفعيل عمل القطاع المصرفي، في حين أنّ المصارف «عناصر مُشاغبة» لا تلتزم بالتعاميم. استفاق أخيراً إلى وجود مادة في التعميم 154 «تحثّ» السياسيين وأصحاب المصارف على إعادة 30% من تحاويلهم إلى الخارج، وقرّر أنّها «معركة» سيمضي بها حتى النهاية، لذلك شهرت المصارف أسلحتها بوجهه. هذه رواية سلامة، والتي تسقط حين يُستعرض تاريخه في نسف تعاميمه التي يُصدرها، وإيجاد المخارج دائماً للمصارف حتّى تُسوّي أوضاعها ولو على حساب أموال المودعين والمُلك العام. وآخر تراجعاته هو ترك المجال أمام عدد من المصارف حتى تؤمّن سيولة الـ 3% المطلوبة منها حتى بعد انتهاء المهلة في 28 شباط الماضي. بعد اتهام المصارف، أعلن المكتب الإعلامي لمصرف لبنان أنّ سلامة «سيتقدّم بدعاوى قانونية بحقّ وكالة بلومبرغ الأميركية ومراسلتها في بيروت، وكلّ من يقف وراءهما بجرائم فبركة أخبار والإساءة ومحاولات تشويه سمعة حاكم المصرف المركزي». اللافت أنّ سلامة انتظر حتى ما بعد ظُهر أمس ليُصدر بيانه، مُنتظراً الموقف الأميركي الرسمي بشأن القضية. المُتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أجاب عن أسئلة الصحافيين المُعتمدين بأنّه «لا أريد استباق الأمور أو الحديث عن ردود فعل سياسية في هذا الوقت». الموقف الرمادي أوضحه المُتحدث الإعلامي في السفارة الأميركية لدى لبنان، كايسي بونفيلد، مؤكّداً أنّ التقارير عن فرض عقوبات محتملة على سلامة «غير صحيحة». ونقلت وكالة «رويترز» عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله إنّه «اطّلعنا على تقارير عن عقوبات محتملة على رياض سلامة. هذه التقارير غير صحيحة».
اتّهم سلامة المصارف بأنّها هي التي «حرّضت» ضدّه


بصرف النظر عمّا إذا كانت المعلومات المُسرّبة دقيقة أو «قنبلة دخانية» لبثّ الذُّعر، أو وسيلة للضغط على سلامة لتنفيذ طلب ما، فإنها، وكما كان متوقعاً، أرخت بثقلها على سوق الصرف أمس. عادةً، تنخفض يوم الجمعة عمليات الصيرفة إلى الحدّ الأدنى، ويقلّ الطلب على الدولار. على الرغم من ذلك، ومن انخفاض الضغوط التي مارستها المصارف في الأيام الماضية على أسعار الصرف، تخطّى الدولار أمس عتبة الـ 10 آلاف ليرة. الحاجز النفسي كُسر. لماذا في يوم لم يشهد عمليات صرف كبيرة؟ لأنّ تحريك السعر أتى ردّاً على خبرية فرض العقوبات على سلامة، فتبادل الرسائل بين «النافذين» يتمّ عبر تعميق مصائب الناس. ولليوم الرابع على التوالي، أُقفلت معظم الطرق الرئيسية من الشمال إلى الجنوب، بالإضافة إلى عددٍ من الطرقات الفرعية والداخلية، من دون أن تظهر أي بوادر حلّ للأزمة الحكومية، باستثناء معلومات منسوبة إلى محيط الرئيس المكلّف، سعد الحريري، توحي بحلحلة ما في ملفّ التأليف، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية.
وبعد يومين من «الهدوء النسبي»، اشتعل الشارع غضباً أمس، بعدما تجاوز سعر الدولار، بيعاً وشراءً، عتبة الـ 10 آلاف ليرة، من دون أيّ مؤشّر على إمكان تدخّل مصرف لبنان للجم السعر. كذلك، فإنّ الاحتجاجات الليلية أظهرت ميلاً لدى المتظاهرين في أكثر من منطقة إلى المضيّ في تحرّكهم بزخم أكبر من السابق، مع تسجيل توتر أمني في أكثر من مكان.
من جهتهم، تبلّغ محامو «متّحدون» قرار قاضي التحقيق في جبل لبنان، زياد مكنّا الذي قضى بردّ الدفوع الشكلية المقدمة من رياض سلامة، وبتعيين جلسة استجواب له في 7 أيار المقبل، وذلك في الشكوى المقدمة من المحامين بحقّ الحاكم بجرم «النيل من مكانة الدولة المالية والإخلال بالواجبات الوظيفية».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا