ليست المرّة الأولى التي يُلوّح بها حب الله باللجوء إلى الاستيراد. ففي تمّوز الماضي، ومع توقّف «السبع» و«لافارج - هولسيم» عن الإنتاج مقابل احتكار «سبلين» للسوق، تجاوز سعر طنّ الاسمنت 650 ألف ليرة، وارتفع سعر كيس «الترابة البيضاء» من 18 ألف ليرة إلى 270 ألف ليرة، ذكر حبّ الله إمكان «إعطاء أذونات استيراد لتلبية حاجة السوق»، من دون أن يحظى اقتراحه بأي مدى. واضح أنّ الشركات لم تُبالِ بأي إجراءات تُتخذ بحقّها، واستمرت في فرض جدول أعمالها على الدولة اللبنانية، حتى اضطر حب الله إلى سحب خيار الاستيراد إلى الواجهة مُجدّداً. تكرار التهديد من دون تنفيذ، سيتحوّل مع الوقت إلى «مادّة للتهكّم» لدى المُحتكرين. فهل ستُعرّض وزارة الصناعة «هيبتها» للكسر من جديد في حال قرّرت التراجع عن خيار الاستيراد؟ يُعلّق أحد المُتابعين لملفّ الاسمنت بأنّ «قرار وزارة الصناعة جاء مُتأخّراً سنة. فحالياً، ومع الانخفاض الحادّ في سعر الصرف، لم يعد الاسمنت المُستورد يُشكّل منافساً قوياً للاسمنت المحلّي، فضلاً عن عدم إيجاد آلية مراقبة يستمر العمل بها مع الحكومة الجديدة. فمن يضمن ألّا يُغيّر وزير البيئة أو الصناعة الجديدين من الشروط الموضوعة؟».
قبل ظهر اليوم، يعقد حب الله اجتماعاً مع مديري الشركات الثلاث للتوصّل إلى اتفاق معهم، واصفاً ما يقومون به «باستغلال السوق والضغط علينا وعلى الحكومة حتى نرضخ لشروطهم». يُخبر وزير الصناعة «الأخبار» بأنّه قبل ستة أسابيع اجتمع ممثلو الشركات مع رئاسة الحكومة واللجنة البيئية و«اتُفق على إنشاء منظمة غير حكومية تتولّى مراقبة عمل الشركات. وافقوا على الاقتراحات ووعدوا رئيس الحكومة (المُستقيلة) حسّان دياب بالتوقيع على الاتفاق، من دون أن يُنفّذوا». في الوقت نفسه، ارتفعت الأسعار «بشكل جنوني، ما استوجب إصدار البيان». ولكنّ حب الله يوضح أنّ الاستيراد ليس هدفاً بحدّ ذاته، بل إن الوزارة تُريد «عدم قتل الصناعة المحلية، وتحديداً ما يختصّ بالموظفين، والحفاظ على البيئة، وعدم استنزاف الدولارات من خلال الاستيراد، والحفاظ على أسعار معقولة على المدى الطويل. بسبب تلكّؤ الشركات في توقيع الاتفاق ورفعها الأسعار، اضطررنا إلى اللجوء نحو فتح باب الاستيراد لإعادة خفض الأسعار بالمقارنة مع الـ240 ألف ليرة للطنّ الواحد».
استيراد الاسمنت يخفف تدمير البيئة وإزالة الجبال وقتل الناس بالأوبئة
تُفضّل الشركات في هذه المرحلة «عدم الدخول في سِجال علنيّ مع الحكومة»، ولو أنّ بعضها يُراهن على تشكيل حكومة جديدة لدفن الإجراءات الحالية، ولكنّها تستمر في «الدفاع» عن نفسها. فقد أصدرت «السبع» بياناً أمس توضح فيه أنّ الإغلاق الكامل في 5 كانون الثاني منعها من تسليم الكميات المُتبقية في مخزونها، «علماً أنّ المقالع متوقفة بالكامل منذ تشرين الثاني 2020 ما قلّص بشكل كبير الكميات المُخزّنة»، مُوافقةً على البدء بالتوزيع اليوم بسعر 240 ألف ليرة (من دون الـTVA) «حتى نفاد الكميات المُتبقية لديها». أكثر «المُتأثرين» بقرار وقف العمل بالمقالع هما «السبع» و«لافارج - هولسيم»، ورغم أنّ الأخيرة كانت «مُتجاوبة» أكثر في المفاوضات مع الحكومة، إلا أنّ موقف الشركتين بات متشابهاً بعد التطورات الأخيرة. يقول مُطلعون على موقف الشركتين إنّ «الإقفال العام ووقف عمل المقالع هما اللذان أدّيا إلى ارتفاع أسعار الاسمنت، الذي لم يعد متوافراً إلا عند التجّار بكميات قليلة، ومن الصعوبة إيجاد المادة أصلاً». تُصرّ الشركات على التزامها بـ«معايير عالمية»، ولكن في حال حصول أي خلل فهي لا تعتبر أنّ «الحقّ عليها، بل على الدولة ووزراء البيئة اللذن كانوا يشرّعون الأعمال». وهي تنفي موافقتها على الاتفاق البيئي في السراي قبل ستة أسابيع، «هناك ملاحظات عديدة، أبرزها أنّ هذه المنظمة غير الحكومية التي يُريدون إنشاءها ستتولّى قبض الأموال من الشركات وتوزيعها على المجتمعات المحلية. من يضمن ويُراقب عملها؟ وزير البيئة دميانوس قطّار لا يعلم، كيف لا تكون وزارة البيئة في صلب اتفاق كهذا ومسؤولة عنه؟ ماذا لو أتى وزير بيئة جديد لا يوافق على الآلية الموضوعة؟». أسئلة يُفترض أن يُجيب عنها حب الله في لقائه اليوم.
من جهتها، أصدرت «لجنة كفرحزير البيئية» كتاباً إلى حبّ الله تؤكّد فيه أنّ «استيراد الاسمنت أيا يكن ثمنه أرخص بكثير من الاسمنت الذي تبيعنا إياه شركات الترابة مخلوطاً بكميات كبيرة من التراب المطحون غير المُعالج وغير المحروق، إضافةً إلى أنّه يوفّر علينا تدمير بيئتنا وإزالة جبالنا وقتل أهلنا بالأوبئة».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا