القاهرة | بعد أيّام من تجدّد التوتر بين القاهرة والدوحة على خلفية مواقف بعض مسؤولي البلدَين خلال المفاوضات التمهيدية، وما حدث من انتقاد للجيش المصري عبر وسائل إعلام محسوبة على قطر، طوت العاصمتان صفحة الخلاف بعد وساطة كويتية لم تَدُم طويلاً، وجرت عبر أمير الكويت شخصيا الذي تواصل مع السيسي في اتّصال غير معلن بداية الأسبوع الماضي، وذلك ضمن حزمة اتصالات جرت من مقرّ القصر الجمهوري في القاهرة.الاتصالات التي أجراها السيسي تناولت ثلاث مسائل رئيسة مع الخليجيين: الأولى مرتبطة بتزكية أحمد أبو الغيط كأمين عام لـ«جامعة الدول العربية» لمدة 5 سنوات جديدة في الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية العرب؛ والثانية متعلّقة بالحصول على دعم خليجي للموقف المصري في شأن قضية سدّ النهضة وطلب ممارسة ضغوط خليجية فعلية على إثيوبيا للانخراط بشكل جدّي في مفاوضات للتسوية النهائية؛ أمّا المسألة الثالثة فمتّصلة بمسار العلاقات بين «الرباعي العربي» والدوحة في أعقاب الحلحلة التي ولّدها بيان «قمة العلا».
حملت الاتصالات الكثير من التفاصيل والمعلومات التي جرت مناقشتها بشكل مستفيض، خاصة في ما يتعلّق بملفّ المصالحة مع قطر، في الوقت الذي بات واضحاً فيه عدم الرضى المصري على العودة السريعة للعلاقات، والتي لم تراعِ تطبيق أيّ من مطالب القاهرة، بما فيها الحدّ الأدنى من المحتوى المذاع على شاشة «الجزيرة»، والذي دفع إلى تجدّد التوتر الأسبوع الماضي. على أن الإجابات الخليجية على تلك الإشكاليات ارتكزت إلى ضرورة تجاوز أيّ خلافات في الوقت الراهن.
تنظر الرياض بقلق وترقّب شديدَين إلى موقف مسقط التي يُحكى عن تغييرات جوهرية فيها


ويشعر الحكّام الخليجيون بالقلق من تصرّفات الإدارة الأميركية الجديدة، بناءً على تقارير وردتهم من سفاراتهم. وليس مردّ القلق، فقط، الموقف من الحرب في اليمن والذي جرى إبلاغه للسعوديين قبل الإعلان عنه رسمياً، ولكن أيضاً مشكلات أخرى قائمة لم يتمّ حلها أو التوصّل فيها إلى نقاط التقاء مع الإدارة الجديدة، التي تأخّرت أكثر من اللازم، بحسب مصدر مصري تحدّث إلى «الأخبار»، في التواصل مع القادة وممثّليهم في الشرق الأوسط، فضلاً عن عدم الرغبة الأميركية في الوصول إلى حلّ لتلك المشكلات قبل السعي نحو صياغة اتفاق جديد مع إيران.
بحسب ما نُقل إلى السيسي في المكالمات التي يُتوقع أن تتبعها لقاءات خليجية - مصرية - أردنية، فإن ملفّات عدّة ستجري مناقشتها تمهيداً لصياغة مواقف موحّدة فيها لعدم ترك الباب مفتوحاً أمام نقاط خلافية في التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة. على أن ما يقلق «الرباعي العربي» في مساعيه تلك موقف كلّ من سلطنة عمان والكويت اللتين تتمايزان عنه، فضلاً عن أن الأردن يحاول الحفاظ على الوسطية بين الفرقاء العرب. على أن مساحة التوافق التي سعى «الرباعي العربي» لتشكيلها ارتبطت بالخطوط العريضة مع الاختلاف في التفاصيل، لا سيما بين الرياض وأبو ظبي، حيث يكمن خلاف مبطّن بين ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، الذي يرى أن التهاون مع إدارة بايدن سيهدّد استقرار المنطقة، خاصة في ظلّ ما يقول إنه رغبة واشنطن في هدم جميع ما تَحقّق من حشد بمواجهة إيران، فيما يطلب ابن سلمان تهدئة الأوضاع مؤقتاً انتظاراً لما سيجري على الأرض.
وعلى رغم توقّع السعودية مزيداً من القرارات الأميركية، ليس في شأن اليمن فقط وإنما في ملفات أخرى أيضاً، بحسب مصدر مصري تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الأزمة الحقيقية التي تخشاها الرياض ترتبط بمواقف باقي دول الخليج، لا سيما سلطنة عمان التي يُنظر إليها بقلق وترقّب شديدَين خلال الفترة الحالية، لا بسبب التعديلات التي أُقرّت أخيراً على نظام الحكم فحسب، بل ولأسباب إضافية مرتبطة بتقارير استخباراتية تتحدّث عن تغيّر جوهري في السياسة الخارجية خلال الفترة المقبلة حال استقرار الأوضاع داخلياً، لا سيما بعدما حصلت مسقط على دعم ماليّ من الدوحة في الفترة الأخيرة.
بالنتيجة، ما جرى التوصّل إليه في ختام الاتصالات ضرورة المهادنة حتى إشعار آخر، لا سيما أن أيّ خلاف ليس مقبولاً في الفترة الراهنة، ليس لعدم ضمان ردّ الفعل الأميركي فقط، ولكن لما يمكن أن تُحدثه الدوحة من ضغوط على صنّاع القرار في واشنطن بصورة أكبر من أيّ وقت مضى.