«يا رفاق، أليس لدينا ما نفعله سوى صنع أوروبا ثالثة؟»فرانز فانون، «معذَّبو الأرض»
«الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة»
محمد بن سلمان


تحرص مقالات صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية المُلمِّعة لشخص وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، على ذكر هوسه باقتناء الأسلحة وشرائها، وتصف العديد من زياراته لواشنطن بأنها رحلات تبضّعِ أسلحة، وكيف أن مكتبه مليء بمجلّات الأسلحة. الأمر ذاته ينطبق على وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتعامل الأميركيين معه. فمع بداية تولّيه وزارة الدفاع قبل ستّة أعوام، دعي إلى زيارة حاملة الطائرات الأميركية «ثيودور روزفيلت»، في جولة استعراضية لتقنيات الصواريخ والإنذار للحاملة التي تعمل بالطاقة النووية. ويمتدّ هذا التعامل وصولاً إلى المشهد الشهير للرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، وهو جالس إلى جانب ابن سلمان ويحمل لوحة أشبه بلوحات المشاريع المدرسية تتضمّن صور الأسلحة والمعدّات التي سيشتريها الأمير السعودي.
لعلّ أحد أبرز الأدوار التي تلعبها شخصية ترامب هو تجسيدها العقلية السياسية الأميركية بشكل واضح ومبسّط. فعلى سبيل المثال، وفي لقاءاته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تمحور أداء ترامب حول محاولة إبهار القائد الكوري بالامتيازات المادية والمشاريع الاستثمارية التي من الممكن أن يحصل عليها، ومن ذلك إصراره على استعراض مميّزات السيّارة الخاصة بنقله، في مسعى لإغراء كيم. تعكس تصرّفات ترامب، هنا، الشكل البدائي للسياسة الأميركية الاستراتيجية، والتي تقوم على اختلاق طبقات رأسمالية ليبرالية مهووسة بالاستهلاك في دول الجنوب، على افتراض حتمية ميلها بشكل ذاتي في نهاية المطاف إلى المركز الرأسمالي الأمّ في أوروبا والولايات المتحدة، لتُشكّل شريحة عميلة للحكومات الغربية. وهي استراتيجية كانت ولا تزال عماد الخطّة الأميركية الطويلة الأمد بوجه الصين ــــ التي ناورت إزاء تلك الحتمية ــــ، وتريد الإدارات الديموقراطية تكرارها مع كلّ مِن إيران وكوبا وسوريا.
انطلاقاً من ذلك، لعبت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة على هذا الوتر لتنجح نجاحاً باهراً في ملكيات الخليج، من قمّة الهرم إلى أسفله، وخصوصاً إن أخذنا في الحسبان القوة الشرائية العالية لمجتمعات الخليج، والتي أمّنتها وفرة الريوع النفطية. فإن كنا نحن، وضمن إطار قوّتنا الشرائية، نقع في فخّ العبادة الصنمية للسلعة ــــ كما يطلق عليها كارل ماركس ــــ، فإن عملية الارتباط الصنمية لأمراء وشيوخ الخليج تنحو منحىً آخر، ليس فقط على مستوى البذخ الشخصي، بل بشكل يتقاطع مع المنصب السياسي في الدولة، بحيث تكون العلاقة بين الأمير والشيخ في عملية استهلاك السلاح وغيرها تجسيداً للاستلاب البشري لعبادة السلع في ظلّ الرأسمالية، ولكن على هيئة دول ومؤسّسات تحكم ملايين البشر. تصبّ تغريدة المغرّد الوهمي السعودي الشهير كريستوف ــــ يملك قرابة نصف مليون متابع ويُشكّ في كون سعود القحطاني المشغّل الحقيقي لحسابه ــــ في خانة هذه الفكرة نفسها؛ إذ علّق بانبهار على تغطية الإعلام الدولي لرحلات طائرة «B- 52» الأميركية وتحليقها فوق رؤوس الملايين، في إعجاب هوليودي بإحدى أخطر الطائرات على أقلّ معايير الأمن القومي لشعوب المنطقة.

انتفاضة الحلم المتأخر لأمراء آل سعود
على خلاف نظرائهم في مختلف الممالك العربية، فإن أثر المكانة الدينية المفترضة للدولة السعودية، مع وجود الحرمين فيها، على نمط حياة أمراء آل سعود كان كبيراً، وبالتحديد على الأجيال الجديدة الشابّة التي ولدت في قلب ما تُسمّى بـ»الصحوة» في الثمانينيات. فبالمقارنة مع شيوخ وأمراء باقي دول الخليج، والذين أطلقوا العنان لتفصيل مدنهم بما يتناسب ومتطلّبات العولمة والاندماج الوجداني مع الغرب، وخصوصاً في مرحلة أواخر التسعينيات بعيد «اتفاقية أوسلو» و»مؤتمر مدريد» اللذين ضخّا الروح للتحرير الاقتصادي والانفتاح التجاري في عصر ما بعد الحرب الباردة، فإن خصوصية المكانة الدينية السعودية وأثر التعبئة الدينية التي قادتها أجهزة الدولة منذ حرب أفغانستان ضَيّقا مساحة البذخ والحركة أمام الأمراء والشرائح المحيطة بهم، ليجدوا الملجأ من عصا سطوة التيّارات الدينية في العواصم الغربية ومدنٍ كبيروت، ومن ثمّ ــــ ومع العقد الأول من الألفية ــــ في دبي، وسط أخبار تتردّد كلّ فترة عن فضائح من سرقات وتبذير واغتصاب وقتلٍ للخدم، سرعان ما تتمّ التغطية عليها.
يحاول ابن سلمان إدخال الملايين من الشعب في هذيان مصفوفة حلمه الذي يُشيّده بدم العرب


يحيط ببيئة نشأة أمراء آل سعود في بلاطات القصور النفاق والتكتّم الشديدان، مع الإشارة هنا الى أن محاولة تقصّي العوامل المؤثرة على هذه البيئة لا تنطلق من هوس بأسرار الطبقة الأرستقراطية وفضائحها على شاكلة الحالة الإنكليزية المبتذلة، كالتركيز مثلاً على فضائح من قبيل ما عرضته وثائق «ويكيليكس» من صور برقيات لوزارة الخارجية حول طلب الأمير تركي بن محمد الفيصل التصريح له بإصدار تأشيرة للمغنية اللبنانية نانسي عجرم عام 2012، والتي اختلفت فيها مكاتب الخارجية السعودية حول هل أن عجرم عازفة أم مغنية؛ فالأولى لا تستدعي الاستئذان من ديوان ولي العهد، والأخيرة يُشترط فيها الإذن، بل إن المسألة هنا هي محاولة فهم جذر عقلية الطبقة الأميرية السعودية الحاكمة اليوم، والتي باستثناء تمرّد الأمير الوليد بن طلال الذي شَكّل ظاهرة فردية لتمثيل العائلة الملكية السعودية علناً في محافل أرستقراطيات العالم من أعراس وغيرها، بقيت حريصة على التكتّم والمظهر الاجتماعي الداخلي، وخصوصاً مع السطوة الكبيرة السابقة لولي العهد السابق، الأمير نايف بن عبد العزيز، الحريص على تمكين التيّار الديني المحافظ ومحاباته (قضت إحدى المحاكم الفرنسية عام 2013 بمصادرة أملاك إحدى طليقات نايف بعد التخلّف عن تسديد فاتورة تفوق الستة ملايين يورو لأحد الفنادق الفارهة).
من هنا، ودون الاستهانة بقدرة الممالك على المناورة التاريخية ومرونتها في التصدّي للأزمات، فإن من المباح القول إن هنالك تطابقاً مثيراً للنظرية الخلدونية المفصّلة لانحدار الدول، مع الواقع السعودي اليوم. فسعودياً، يُشكّل الجيل الحاكم حالياً ثالث ورابع الأجيال منذ المؤسّس، وهو جيل بقيادة محمد بن سلمان يقود انتفاضة انتقامية على ما يراه من سنوات الضياع التي أنتجتها «الصحوة». ويصف ابن خلدون هذا الجيل بالجيل الأخير، الذي يحكم سلوكَه السياسي والأخلاقي الطمعُ والترف. سلوكٌ تتشارك في رسم محدّداته عدّة عوامل رئيسة:

السياق الطبقي في ظلّ العولمة
لعلّ أحد أبرز مُحدّدات تشكيل الشخصية الأميرية السعودية المعاصرة هو موقعها الطبقي، والأمر هنا ليس استثناءً، لدور الثروة في تكوين الشخصية التاريخية للأجيال الأميرية السابقة. بيد أن الأمر هو الفصل ــــ ولأسباب زمانية ــــ بين نسبة علاقة أمراء فترة صعود الدولة السعودية، أي الجيل الثاني وكبار الجيل الثالث، مع الحواضر العربية في مصر والشام والمغرب العربي من جهة، والعواصم الغربية من جهة أخرى. ففي حين يُشكّل المغرب وجهة الملك عبد الله لـ»النقاهة»، والجزائر محطّة محمد بن نايف المُفضّلة للصيد، فإن علاقة الأجيال الشابة بباريس ولندن ولوس أنجلوس وجنيف مختلفة، ففي الأخير ولد هؤلاء مع بداية القطبية الأميركية وآثارها، وفي زمن ترهُّل الدولة العربية الوطنية وانتهاء المشاريع والطموحات السياسية العربية والتي كان لها أثر شعبي مباشر داخل المملكة، بل حتى الملك الحالي سلمان مع المئات من حاشيته اختاروا الجنوب الفرنسي لعطلتهم لعام 2015، ولتكون كلفة الفنادق وحدها قرابة الـ 8 ملايين يورو.
أخبرني صديق يوماً عن قصة حصلت له مع سائق أجرة عجوز، أو من يُسمّى في السعودية «كداد»، حيث تبادلا الحديث حول أمور البلد، وصولاً إلى العائلة المالكة، ليجيب العجوز الحذق عن سؤال حول مستقبل تلك العائلة بأنه لن يحكمنا «حقّين سويسرا»! استشرف الرجل بذلك المستقبل، الذي سيؤول في يوم ليس ببعيد إلى الجيل الجديد من شباب آل سعود، والذي وصفه (بدقة!) بأنه جيل سويسرا، أي الأمراء من أرباب تربية الترف والسفر واللهو بالمال العام في العواصم الغربية. فالمسألة هنا تعود بنا إلى الاستهلاك المادي والثقافي، الذي عليه تتحدّد الشخصية السياسية للأمير أو حتى الشاب العربي في الخليج ذي المنزلة الطبقية المترفة. في واقعنا العربي اليوم، تمّ رهن صياغة الوعي السياسي لهؤلاء للمنتجات الثقافية الغربية من «هوليوود» إلى «والت ديزني» و»نتفليكس»، بشكل أشارت إليه بدقة إجابة ابن سلمان على إحدى الصحافيات الغربيات عن كيفية تعلّمه للغة الإنكليزية بقوله: «من مشاهدة الأفلام»، أو تعليق سعود القحطاني على دوره في جريمة قتل جمال خاشقجي بأن «هل تظنّونني دكستر؟»، أو تشبيه تركي آل الشيخ لأحد شيوخ الكويت بـ»بابلو أسكوبار».

(أ ف ب )

التطهّر من الصورة الاستشراقية
أحد الجوانب الأخرى المُحدِّدة هو الهوس بعبء الصورة الاستشراقية الغربية للأمير العربي الغنيّ المحاط بالراقصات، بالإضافة إلى علاقة التيّار الديني السعودي الوهّابي بالإرهاب، حيث يتمّ رمي هذه التصوّرات على حقبة «الصحوة» «حين اختُطفت الدولة من قِبَل المتطرّفين» أو على إيران الإسلامية، بل وصل الأمر بابن سلمان إلى التصريح المباشر بأن استخدام السعوديين للوهابية كان خدمة للغرب ومصالحه. ومن هنا، يُحوّل أمراء آل سعود الدولة إلى ما يشبه الشركة من ناحية التعاقد مع شركات العلاقات العامة، ليس من أجل تحسين صورتها ومسألة ربطها بالإرهاب كما جرت العادة منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر فقط، بل لإشهار الصورة الحداثية للسعودية وجهةً سياحية للغربيين، من «دافوس الصحراء»، إلى قانون التأشيرات الخاص عموماً بالدول الغربية، وصولاً إلى مشاريع تهدف إلى عكس هوس الأمير بالتكنولوجيا كتجنيس أحد الروبوتات وبناء مدن روبوتية، أو المبالغ الطائلة لمقاطع دعائية عن مزج التكنولوجيا المستقبلية مع البيئة الطبيعية للسعودية. يحاول ابن سلمان، بيأس، تغيير الصورة الغربية للأمير العربي الفاحش الثراء، المضطهِد للمرأة، سافك الدم بالسيوف، إلى ربطه بالتكنولوجيا والحداثة. ومن دون التسليم للصورة الاستشراقية للعرب، لكن لعلّ الطبع يغلب التطبّع هنا، فقد قطع ابن سلمان من الرؤوس أكثر من سابقيه مجتمعين، كما قطّع جسد خاشقجي، واعتقل وعذب النساء بشكل كرّس الصورة الغربية المفترضة.

القطيعة مع الإرث التاريخي
أكملت الدولة السعودية عامها التسعين. ومن ناحية موضوعية، فقد نجحت «الأسرة»، وهو اللفظ الذي يستخدمه أمراء آل سعود للإشارة إلى البيت الملكي، نجاحاً باهراً وبحنكة في الحفاظ على هذا الكيان على رغم العواصف الخارجية والداخلية. ففي غضون هذه العقود، راكمت أجنحة الأسرة الملكية إرثاً وبروتوكولات أشبه بنظام داخلي مبطن عن كيفية التعامل مع مختلف شرائح الشعب، بل وتعامل الأجنحة مع بعضها البعض واحترامها لمعايير تقسيم كعكة الحكم. وبالرجوع إلى ابن خلدون، فقد حصر أجيال الحكم بثلاثة فقط: فالجيل الأول يقوم بعملية التأسيس والعناية، والجيل الثاني يسير على خطى الأول، أمّا الجيل الأخير فهو يؤسّس لقطيعة تاريخية مع إرث سابقيه هادماً منجزاتهم. ويصف ابن خلدون هذا الجيل بالقول: «ينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تبنقوه (تقلّبوا فيه) من النعيم وغضارة العيش، فيصيرون عالة على الدولة».
يحاول ابن سلمان، بيأس، تغيير الصورة الغربية للأمير العربي


منذ وصول ابن سلمان، وتصفيته لأجنحة الحكم بجنون ضارباً كلّ التقاليد والأعراف التي قامت عليها أسرته، فقد ملأ فراغ المواقع البيروقراطية من وزارات وإمارات للمناطق بأبناء عمّه صغار السنّ، بشكل يضمن فيه الولاء لتصوّراته وطموحاته. لم يؤثر هذا الفعل على الصدع الداخلي لبيت الحكم السعودي فحسب، بل وحتى مجمل العلاقة التي تربط المواطن «بالدولة» وآلية وأعراف التعامل معها. فإلى جانب الهوس والخوف من أيّ تمرّد، بما أدّى إلى مركزية عالية لقرار الحكم في الديوان الملكي في الرياض، فإن طبيعة تعامل الإمارات وحكّامها الشباب مع المواطنين من مختلف المناطق أنهت أهمّ ركائز سياسة الحكم السعودية القائمة على الأبوية وتوزيع المنح والعطايا واحترام البنى الاجتماعية التقليدية من مكانة شيوخ القبائل، وعدم التعدّي على البيوت والنساء أو نزع الملكيات قسراً في مشاهد هدم بيوت «مخالفة» وتهجير للسكان غير مسبوقة أو معاقبة أهالي المعارضين بجريرة أبنائهم. فحتى بعد عملية اقتحام الحرم المكّي من قِبَل جهيمان العتيبي، وهي إحدى أكبر وأكثر العمليات التي أشعلت التوحّش السعودي داخلياً، رفض كبار العائلة المالكة اقتراحات معاقبة عوائل مقتحمي الحرمين لكيلا تُؤسّس لسابقة خطيرة تولّد حنقاً من الدولة عابراً للأجيال.
جميع هذه المحدّدات تتداخل في صوغ طبيعة عمل النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يحكم المملكة السعودية اليوم. على أن المفاعيل السياسية لهذه الطبيعة الجديدة لن تؤدّي إلّا إلى ترهّل أكبر في بنى الحكم السعودي ومصادر شرعيتها التاريخية، وأوّلها عامل الأبوية الاقتصادية والحرص على احتواء جميع شرائح الهرمية السعودية على رغم اختلال ميزان العدالة الاجتماعية فيها. بيد أن الواقع الحالي من اختطاف الدولة عبر طبقة تتعامل مع مؤسّسات الدولة كملكية خاصة لن يؤول سوى إلى الأسوأ، إن لم تتدارك النخبة السعودية الحاكمة الوضع، وتستيقظ من حلم اليقظة الذي تعيشه، وخصوصاً في ظلّ وضع إقليمي غير مستقرّ وعالم مقبل على تحوّلات سياسية كبيرة.

«ZERO-ONE»... شبح الشهيد الحويطي
نَبّهني صديق إلى الشبَه المهول بين مشاريع ابن سلمان «المستقبلية» كـ»نيوم» و»ذا لاين»، وسلسلة حلقات رسوم متحرّكة تشرح مجرى الوقائع التي سبقت أحداث ثلاثية فيلم المصفوفة الشهير «The Matrix»، والتي تدور حول قيام الآلات ببناء مدينة ذكية تقع في قلب الجزيرة العربية أُطلق عليها «ZERO-ONE». هَدّد تطوّر المدينة سكّان العالم من البشر، الذين عمدوا جرّاء ذلك إلى فرض العقوبات عليها ومن ثمّ محاولة تدميرها بالقنابل النووية، إلا أن البشرية فشلت في ذلك، لتنتقم الآلات وتُنشئ ما أُطلق عليه في الفيلم «المصفوفة» التي وقودها البشر. تكاد مشاهد المدينة تكون جولة في خيال الأمير السعودي، حيث تلك المحطّة التكنولوجية المُتقدّمة بوسائل تواصل متطوّرة، وعمران شاهق في قلب الصحراء، وبعقلية كعقلية تربية القصور. بذخ الأمير حتى في خياله، فحتى ريوع النفط وملياراتها لم تتّسع لترف الحلم الأميري. يحاول ابن سلمان، وبأجهزة إعلامية ضخمة، إدخال الملايين من الشعب في هذيان مصفوفة حلمه الذي يُشيّده بدم العرب، من قبائل الحويطات شمالاً إلى الشعب اليمني جنوباً. إلا أن رجلاً كهلاً كثّ اللحية شحذ لحظاته الأخيرة بأبيات بدوية بسيطة، في مشهد يُمثّل في جوهره وحشية هجوم الآلة على البيئة والماء والشجر والبشر ليقف ضدّها، ويُسفك دمه في بيته الصغير بعدما رفض الاستكانة لأحلام قاطني القصور.