قبل أيّام، علّق أحد الناشطين على تشكيل حكومة المناصفة في اليمن، بالقول إن السعودية تبحث عن أيّ انتصار لها، بعد ستّ سنوات من الفشل. فما وصلت إليه حال المملكة ليس إلّا نتيجةَ تخبّطها وانحرافها هي وشريكتها، الإمارات، في تحالف الشرّ، عن المهمَّة التي جاءتا لأجلها، بينما تسعيان، من وراء فرض الشقّ السياسي مِن «اتفاق الرياض» المشوّه، إلى أن تقولا إنهما نجحتا. ولكن، بحسب المصدر، ما بُني على باطل فهو باطل، والنيات السيئة نفسها لن تأتي لنا إلّا بالنتائج الكارثية نفسها. فلا يمكن حكومة غير قادرة على الممانعة، أن تنجح في ظلّ وجود دولٍ تتدخّل في كل شيء خدمةً لمشاريعها الخاصة، بل هي تعدّت حدود التدخلات، حتّى صار ضبّاطها ومندوبوها وسفراؤها هم الحكّام والمتحكّمين، خاتماً بأن النجاح المزيّف هذا، سرعان ما سيتضح أنه ليس إلّا حلقة جديدة من حلقات الفشل والتآمر.
يبدو أن انفجار مطار عدن استهدف «اتّفاق الرياض»، ومن خلفه الدور السعودي في مناطق «الشرعيّة» (أ ف ب )

يبدو أن الانفجار الذي وقع في مطار عدن، لدى وصول طائرة أعضاء الحكومة الجديدة إلى «العاصمة الموقّتة»، أمس، استهدف «اتّفاق الرياض»، ومن خلفه الدور السعودي في مناطق «الشرعيّة»، وبيّن فشلها في إدارة المحافظات «المحرّرة»، كما العدوان على اليمن. انفجارٌ أدّى إلى نسف سمعة المملكة بالكامل، بعدما حرصت، في الأسابيع الأخيرة، على ترميم هيبتها المتشظّية، بزعم أنها لا تزال تمسك بخيوط اللعبة، من خلال فرضها «اتّفاق الرياض» على الأطراف اليمنيين. ويبدو جليّاً أن الجانب السعودي، كان مضطراً، تحت ضغط الوقت واستنفاد المهل الزمنيّة وتسارع الأحداث والاستحقاقات الإقليمية والدولية الداهمة، إلى إلزام وكلائه المحليّين بالركوب في حامل سياسي واحد، اسمه «الحكومة الشرعيّة». ومن أجل نجاحها في المرحلة الأولى، وزّعت السعودية الوعود على الأطراف المتخاصمين مع علمها بأنها لن تكون قادرة على الالتزام بأيّ منها. والمعروف أن «اتّفاق الرياض» يعاني الكثير من المتاعب التنفيذية، بسبب الفجوات الواسعة بين المكوّنات الموقّعة عليه، وكذا الاختلالات التي ينطوي عليها، ولا سيما أن السعودية لم تعالج أيّاً من جوانب الخلاف، على رغم بذور الشقاق الشديدة التعقيد والحساسيّة. وبدلاً من إقدامها على مراجعة إدارتها لكلّ القضايا في الملف اليمني، والعمل على معالجة الاختلالات المتجذّرة والعميقة في نمط تعاطيها مع هذا الملف، والذي بات محلّ شكوى وتذمّر دائمَين من حلفائها المحليّين، فضلاً عن شركائها في «التحالف»، سارعت المملكة إلى فرض «اتفاق الرياض» في إطاره العام، من دون الاتفاق على التفاصيل التي شكّل كلّ منها تحدياً حقيقيّاً بذاته.
وشكّلت إلزامية الشراكة بين عدوّين متحاربين، هما «المجلس الانتقالي الجنوبي» و»حزب الاصلاح» (إخوان مسلمون) اللذان يعملان على إقصاء بعضهما بعضاً، الإشكالية السياسية الكبرى، التي أوقعت السعودية نفسها فيها. وعليه، لم يكن مفاجئاً للمراقبين، منذ الإعلان عن الحكومة على لسان السفير السعودي لدى اليمن، قفز الرياض فوق مندرجات الاتفاق الذي رعته بنفسها، وإجبار وكلائها على التشكيلة المذكورة، أي تجميع الأعداء على طاولة واحدة. وتفيد كل المؤشرات بأن السعودية تجاوزت، في الشقّ السياسي للاتفاق، شريكتها في تحالف الحرب على اليمن، الإمارات. وفي ظلّ إصرار الرياض على المضيّ في خطّتها في الشقَّين السياسي والعسكري من دون الأخذ بهواجس أبو ظبي في الحسبان، وجدت الأخيرة نفسها فجأة في مقاعد الاتفاق الخلفية (ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن السعودية في وضع مريح)، ما دفع وسائل إعلامها، منذ اللحظات الأولى لإعلان التشكيلة الحكومية، إلى التشكيك بنجاحها. من جهته، رضخ «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المحسوب على الإمارات، للضغوط التي تعرّض لها لقبول الشراكة مع «الإصلاح». فدخل الحكومة مُكرهاً، لكنّه حوّل مشاركته هذه إلى فرصة، عبر استغلال إجباره القبول بالتشكيلة الحكومية، بتصوير الأمر كأنه خطوة جاءت لتعزِّز من شرعيّته، وهو هدف سعى إليه طويلاً. ومن بين الأهداف التي أعلنها قادته والناطقون باسمه، أن المرحلة المقبلة تفيد «الانتقالي» قبل بدء مشاورات الحلّ النهائي في اليمن، والتي ستكون حركة «أنصار الله» جزءاً منها، وسينتج منها حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، فيما ستذهب حصة «الإصلاح» و»المؤتمر»، بمعظمها، إلى الحركة بحكم سيطرتها على مساحات واسعة في الشمال، بينما ستظلّ حصة الجنوب، وفق هذه الرؤية، للجنوبيين. واستناداً إلى ذلك، دعت قيادات رفيعة المستوى في «الانتقالي» الشخصيات الجنوبية التابعة لـ»الإصلاح» و»المؤتمر الشعبي»، إلى أن تراجع نفسها وتنضمّ إلى أهلها وشعبها في الجنوب.
رأى بن بريك أن من السابق لأوانه إلقاء اللوم على «أنصار الله» في الهجوم


على أن هناك أطرافاً أخرى لها تأثيرها في المشهد اليمني، منها الطرفان القطري والتركي، واللذان تعمّد الجانب السعودي تجاوزهما، على رغم أنهما يشكّلان معاً عنصرين مهمّين على الساحة اليمنية. على هذه الخلفية، جاء تحذير نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، بعد انفجار عدن، إذ رأى أن «من السابق لأوانه إلقاء اللوم على جماعة الحوثيين في الهجوم الذي استهدف مطار عدن»، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أن الجماعة لم تكن الجهة الوحيدة المتضرّرة من «اتّفاق الرياض» وتشكيل الحكومة الجديدة. ورجّح بن بريك وقوف قطر وتركيا وراء الاعتداء، قائلاً إن مسؤولين في هاتين الدولتين كانوا من الذين «صرخوا ألماً» من الاتفاق وتشكيل الحكومة الجديدة، و»صراخهم كان أشدّ».
كان من المقرّر، وفق «اتّفاق الرياض»، أن يرجع الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، إلى عدن، من أجل مراسم قسَم الحكومة الجديدة اليمين الدستورية. لكن السعودية لم تستطع أن تلزمه بالعودة بعدما طالب بتنفيذ بند نزع السلاح المتوسط والثقيل من المدينة. لكن «الانتقالي» تحايل على البند المذكور بتحويله «الحزام الأمني» إلى قوّات شرطة أضيفت إلى ثلاث جهات شرطيّة أخرى تتبع مرجعيات مختلفة. وهكذا، أُحضر الوزراء (معظهم يعيش في القاهرة) إلى الرياض على عجل. وباستثناء مرشّح «التنظيم الوحدوي الناصري»، وزير الإدارة المحلية المعيّن، حسين الأغبري، الذي امتنع عن أداء اليمين أمام هادي، مشترطاً أن تتم المراسم في العاصمة الموقّتة عدن، أدّت الحكومة الجديدة، برئاسة معين عبد الملك، اليمين الدستورية أمام الرئيس المنتهية ولايته في مقرّ إقامته في العاصمة السعودية الرياض. وفوق كل ذلك، لم يراعِ هادي السيادة اليمنية حتّى في الشكل، فبدل أن يعمَد إلى أداء القسَم في سفارة بلاده في الرياض، أدّت حكومته القسَم في أحد قصور المملكة، حيث ظهر في الخلفية، بالإضافة إلى علم اليمن، العلم السعودي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا