تتزايَد في بيروت الشكوك حيال إمكان ولادة الحكومة التي كُلّف الرئيس سعد الحريري بتأليفها، في المدى القريب، أو حتّى بعيد. وتتزايَد معها علامات الاستفهام عمّا إذا كانَت العِقد التي تواجِهها ناجمة عن عوامل محض داخلية تتّصل بالخصام بين الحريري من جهة، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل من جهة أخرى، أم أنها ترتبِط بالتحولات الإقليمية والدولية التي لم تتضّح نتائجها بعدن بعد الانتخابات الأميركية. وإذ لم يعُد مُهماً الجواب الذي أفضى الى دخول المداولات الحكومية في غيبوبة، وسواء كانَ إدخالها مُتعمداً من قِبل الأطراف المعنيين أو لا، فإن ثابتة واحدة لم يعُد بالإمكان إنكارها، وهي أن البلاد محاصرة بينَ حكومة تصريف أعمال أعجَز من حمل الأثقال وحكومة مؤجلة محكومة بانتظار ما وراء المحيطات، من دون الالتفات إلى تحلّل هيكل الدولة بكل مفاصله: الأمن والسياسة والاقتصاد والمال والنقد. ورغم الانطباع بأن عدم تأليف الحكومة بعد أكثر من شهر على التكليف، مردّه إلى إصرار كل طرف على مطالبه وشروطه، فإن المسؤولية الأكبر، لا شكّ، يتحمّلها الحريري الذي يتمسّك بورقة التكليف في جيبه بانتظار دخول الرئيس الأميركي جو بايدن الى البيت الأبيض، مراهناً على تفاهمات جديدة في المنطقة والعالم تُعيد ترسيم النفوذ.لم تحمِل الأيام الماضية أي جديد في ما يتعلّق بالحكومة. فقد كانَت روزنامة الأسبوع الفائِت مليئة بمناقشة ملفات حساسّة، من قانون الانتخاب إلى رسالة عون في مجلس النواب بشأن التدقيق الجنائي. غيرَ أن لا علاقة لذلك بعدم استئناف رئيس الحكومة المُكلف اتصالاته ولا تسجيل أي زيارة له إلى قصر بعبدا. فكلّ ما يفعله الحريري، على حدّ قول معنيين، هو «الشكوى» من باسيل. تقول مصادر مطلعة على الملف الحكومي إن عدداً من الأطراف كانَ ينصَح الحريري في الفترة الماضية بالتواصل مجدداً مع عون وباسيل من أجل تأليف الحكومة، لكنه كانَ يُجيب بجملة واحدة «ما حدا يلزمني بالحديث مع باسيل»! المصادِر ذاتها تعتقِد بأن ثمة أمراً آخر يقِف خلف تصرفات الحريري الذي باتَ يتسلّح بهذه الحجة، وخاصة أن الكلام مع رئيس تكتل «لبنان القوي» لم يعُد هو العائِق، بعدَ أن تكفّل الموفد الفرنسي باتريك دوريل بذلك، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. ثمّ إن آخر العقد التي كانَ يُحكى عنها هي أسماء الوزراء المسيحيين وتوزيع الحقائب في الحصة المسيحية. ويصعب في رأي هذه المصادر عزل تصرفات الحريري عن المناخ الإقليمي – الدولي الذي يُحيط بلبنان في لحظة اشتداد المواجهة، لكنها تميل أكثر إلى ربطها باعتبارات لديه تتعلّق برهانه على سياسة الإدارة الأميركية الجديدة.
من البداية، لم يكُن الحريري ثابتاً على موقف. ظنّ أن بإمكانه تجاهل باسيل، ما دامَ قد «حبكها» مع حزب الله وحركة أمل، واهماً بأنهما الى جانبه لمجرّد أنه يقبَل بأن يسمّيا هما الوزراء الشيعة. ثم لعِب الحريري على خطّ بعبدا، متذرعاً بالدستور، لحياكة تشكيلة يشاركه فيها عون وحده، علماً أنه لم «يحلِب صافياً معه». بداية أوحى إليه بأنه منفتِح وسيقبل بما يريده رئيس الجمهورية من وزارات وأسماء ثم عادَ وانقلب عليه، بحجة أنه محشور بحصص أطراف مسيحيين آخرين، حتى وصلت الأمور بينهما إلى حدّها، خلال اللقاء الأخير الشهير الذي كانَ فيه عون منزعجاً جداً. باعَ الحريري وليد جنبلاط وعوداً بحقيبتين (الصحة والشؤون الاجتماعية) وتراجع، ما دفع بجنبلاط الى رمي بعض التغريدات العالية السقف. وهكذا دواليك، أخذ الحريري يرمي أوراقاً ويسحبها على طاولة التوازنات والحصص، فيما بدأت تتكشف محاولاته تأخير التأليف الى السنة الجديدة. وهنا، توسّع المصادر في دائرة التحليلات وصولاً الى باريس، إذ اعتبرت أن «الحريري والفرنسيين معاً يُفضّلان تجميد التأليف الى حين تسلّم بايدن، الذي من المتوقّع أن يذهب الى تفاهمات جديدة مع الأوروبين ودول الخليج، ما قد يتيح تأليف الحكومة بطريقة أسهل وأكثر نفعاً». في المقابل، تردّ مصادر قريبة من الحريري بالقول إن «السبب الوحيد لتأخير التأليف هو أن عون وباسيل لا يزالان يتصرفان كما لو أن البلاد بخير، إذ لم يتبدّل شيء في أدائهما».
الحريري رداً على الناصحين: «ما حدا يلزمني بالحديث مع باسيل»

وتجزم المصادر بأن الحكومة «ستولد في لحظة تنازل عون وباسيل عن شروطهما».
وفيما لا يزال مؤكداً أن الحريري لن يعتذر، وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش، لفتت مصادر قصر بعبدا إلى أن «الرئيس المكلف لم يكُن حتى مساء أمس قد طلبَ موعداً من عون»، وذلك رداً على المعلومات التي جرى تداولها بشأن زيارة ستحصل اليوم، لافتة إلى أنه «في العادة يطلب الموعد في اليوم ذاته».
من جهة أخرى، أطل في مقابلة تلفزيونية رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، معتبراً أن ما حدث في مرفأ بيروت هو «جريمة العصر، ونتيجة شكل من أشكال الفساد المستشري». وعن أن البعض يصف حكومته بأنها تابعة لحزب الله، شدّد على أنه «مستقل وحكومتي ليست حكومة حزب الله. وفي هذا الظرف مطلوب حكومة تكنوقراط ووزراء غير حزبيين وغير سياسيين واختصاصيين وأصحاب خبرات». وقال إن «المنظومة الفاسدة متجذرة في البلد وتعطل كل مشروع إصلاحي»، مشيراً إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «مدعوم من الطبقة السياسية والمالية، ولا شك في أن هناك دعماً كبيراً له، فهو لم ينفّذ قرار مجلس الوزراء» بشأن التدقيق الجنائي.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا