في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 كان يُفترض أن تحتضن بيروت احتفالاً كبيراً في مناسبة بلوغ مبادرة «تكريم» التي أطلقها الإعلامي اللبناني ريكاردو كرم عامها العاشر. غير أنّ الاحتجاجات التي عمّت الشوارع اللبنانية في الشهر السابق أدّت إلى تبديل الخطط وإرجاء الحدث قبل أن يقضي فيروس كورونا على احتمال إقامته. هكذا، وبما أنّ العالم الافتراضي صار مساحةً لغالبية مفاصل حيواتنا في ظلّ الجائحة، أُجري الحدث أخيراً عن بُعد ضمن نسخة رقمية ستعرضها قناة lbci عند الساعة التاسعة والنصف من مساء بعد غدٍ الأحد.
منذ عقود، أثبت ريكاردو كرم نفسه بين أبرز الأسماء في عالم التلفزيون، لبنانياً وعربياً، ومحاوراً لشخصيات من مجالات مختلفة، من العالم العربي والعالم. تجربته في الإعلام المرئي «أخذتني إلى أماكن كثيرة في حياتي»، وفق ما يقول في اتّصال مع «الأخبار». صحيح أنّ هذا الميدان الذي دخله من باب الإذاعة أوّلاً يشكّل جزءاً أساسياً من حياة صاحب شركة الإنتاج RK Productions المهنية، غير أنّه ينشط كثيراً كخطيب ومدير لندوات وورش عمل ومؤتمرات مهمّة في مختلف أصقاع العالم. ومن خلال هذه المنصّات، يحاول الإعلامي المولود في فنزويلا التواصل مع الشباب العربي، وحثّهم على «الإبقاء على رابط قوي مع بلدانهم وتجنّب الذوبان في مجتمعاتهم الجديدة... فمن الضروريّ أن يعيدوا بناء أوطانهم والنهوض بها».
لا يبذل المرء جهداً كبيراً لمعرفة موقف كرم من السلطة الرابعة في العالم العربي. فهو لا يخفي امتعاضه من الواقع الذي تعيشه اليوم مهنة المتاعب في هذه البقعة من الأرض، والتبدّلات الجلية التي شهدها هذا الميدان بين الأمس واليوم. «الصحافيون في العالم العربي قلّة وإلى أفول للأسف»، يقول. ثم يشير إلى أنّه لم يكن «لشغفنا المهنيّ حدود فيما كان العمل دؤوباً... كل شيء تغيّر في زمن مواقع التواصل الاجتماعي». اليوم، ينتج ريكاردو الوثائقيات عن طريق شركته الخاصة كما يستفيد من السوشال ميديا لعرض حواراته لشريحة أوسع من الجمهور، من دون أن ننسى أنّه خاض أخيراً تجربة البودكاست تحت عنوان «أحاديث مع ريكاردو كرم».
أما «تكريم»، فهي زبدة هذه المسيرة المهنية الممتدة منذ حوالى ربع قرن. بهدوئه وصوته الدافئ، يتحدّث ريكاردو كرم بكثير من الحب والفخر عن هذه المبادرة ــ المؤسسة. «إنّها حلم العمر الذي تمكنت من تحقيقه... أرغب في أن أساهم حقيقةً في تغيير إيجابي في مجتمعي وأترك بصمة عميقة وبعيدة عن الشكليات والمظاهر» التي غالباً ما تسيطر على المروحة الأوسع من احتفالات توزيع الجوائز في منطقتنا.
يصف كرم عمل الفريق خلال العقد الماضي بـ «الدؤوب والصعب»، كما أنّه مليء بـ «التحديات» في عالم عربي «مُثقل بالمشاكل والعقول المتحجّرة العصبيات».
هنا، يوضح ريكاردو كرم أنه على الرغم من أنّ البعض يصفه بالـ «الفرنكفوني والأنغلوفوني»، غير أنّ «القومية العربية هي أساس كل شيء بالنسبة إليّ. وجُل ما فعلته يصبّ في هذا الاتجاه». ويلفت إلى أنّها ليست «تكريماً لشخصيات محدّدة بقدر ما هي منصة جامعة لشخصيات ناجحة... عمل دؤوب فيه الكثير من المثابرة والإرادة والعزم والقدرة على امتصاص المشاكل واجتيازها». ويرى كرم أنّها «ليست مجرّد جائزة»، بل «نوع من المشاركة في إعادة بناء قيم نتّفق عليها جميعاً... إلى جانب الإبداع والنجاح في المجالات كافة، هناك طاقات وأشخاص نفتخر بهم في هذه البلدان التي يسيطر عليها التجهيل وتسطيح العقول». كما يؤكد أنّ المزيج العربي الذي تجمعه «تكريم» سنوياً ضروري لأنّ «هويتنا العربية تجمعنا... كنت حريصاً منذ البداية على ألا تكون المبادة حكراً على اللبنانيين، وإنّما مظلة جامعة لكل العرب تضيء على نجاحاتهم».
وفيما يشدّد على أنّه لا يسمح لأيّ من الرعاة والداعمين بالتدخّل في سير العمل أو انتقاء الشخصيات المكرّمة، يوضح ريكاردو كرم أنه في السنة العاشرة طرأ تغيير على فريق العمل الذي صار مطعّماً بالشباب وبدم جديد، مع الإبقاء على الأعضاء المكرّسين في مجالاتهم الذين رافقوا البدايات ضمن مجلس فخريّ تقديراً لجهودهم.
عمل «دؤوب وصعب ومليء بالتحديات» في عالم عربي مُثقل بالمشاكل


وفي ما يتعلقّ بطريقة انتقاء الشخصيات المكرّمة، فتنقسم العملية إلى ثلاث مراحل. أوّلاً، تُجمع ترشحيات الناس من خلال الموقع الإلكتروني الرسمي، قبل أن تجري اللجنة الداخلية أبحاثها لتحديد الأسماء المناسبة، تمهيداً لإعداد ملفات عنها. بعدها، تقترح اللجنة الخاصة بكل فئة أسماءً مطابقة للمواصفات والمعايير الموضوعة.
هنا، يحين دور المجلس الاختياري المؤلّف من 90 شخصاً يجتمعون في بيروت على مدى يومين، حيث يدور النقاش ليتم الاستقرار على ثلاثة مرشحين عن كل فئة.
أما المجلس التحكيمي الذي يجتمع في باريس أو لندن في شهر آذار (مارس) أو نيسان (أبريل) من كل عام، فيحسم القرار بسرية تامة ليجري الاحتفال الكبير في شهر تشرين الثاني. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى TAKMINDS. منصّة منضوية تحت لواء «تكريم»، تجمع «صنّاع التغيير والمواهب الجديدة» لمقاربة ومعالجة تحديات الحياة الواقعية للعالم الذي نعيش فيه. والهدف من ذلك هو «نسج خيوط التعليم والأعمال والفن والثقافة والإعلام والتكنولوجيا من أجل لبناء مستقبل أكثر استدامة».

* احتفال «تكريم» العاشر: بعد غدٍ الأحد ــ الساعة التاسعة والنصف مساءً على lbci

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا