الخرطوم | بلهجة المنتصر، وفي ما بدا محاولةً لاستخدام اسم السودان في الدعاية الانتخابية، خصوصاً بالحديث عن «العدالة (الآتية) أخيراً للشعب الأميركي»، «زفّ» الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السودانيين، خبر قرب اتخاذ قرار برفع بلادهم من «القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب»، مقابل موافقة حكومتهم على دفع تعويضات لضحايا الهجمات على المدمّرة «كول» وسفارتَي واشنطن في نيروبي ودار السلام. معادلةُ ابتزاز سرعان ما تلقّفت الحكومة السودانية الإقرار الأميركي العلني لها، لتُعلن جاهزية المبلغ المتّفق عليه بين الجانبين، بل وتحويله إلى الجهة المعنيّة، بحسب وزيرة المالية المُكلّفة، هبة محمد علي. وإذ بدا لافتاً ابتعاد ترامب عن ربط مسألتَي رفع العقوبات والتطبيع، الذي سبق أن وضعته إدارته لرفع السودان من «القائمة السوداء»، لا يستبعد مراقبون أن يكون ذلك نزولاً عند رغبة الحكومة السودانية التي تريد تهيئة الرأي العام المحلي، وتوفيق الأوضاع التشريعية في البلاد، حتى تتمكّن من تمرير قضية التطبيع. ويبدو هذا الحديث متّسقاً مع ما ذكرته «هيئة البثّ الإسرائيلية» عن قرب شطب السودان من لائحة الإرهاب، وتوازياً تطبيع العلاقات مع الخرطوم، وذلك على رغم تأكيد وزير الخارجية، عمر قمر الدين، أمس، أن الملفين غير مرتبطين أحدهما بالآخر، وأن «مهمّتنا الأولى هي إخراج السودان من هذا النفق المظلم الذي أوقعتنا فيه سياسات النظام البائد». ودافع قمر الدين بأن «ثقافة التعويضات باتت منتشرة في الغرب»، مشيراً إلى أنه «بعد إعلان الرئيس الأميركي، ستتمّ مخاطبة الكونغرس لإدراج هذا الأمر في قانون»، مستدركاً بأنه «من ناحية قانونية، يحق للرئيس الأميركي إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب» .
وأولت حكومة عبد الله حمدوك، منذ تولّيها مقاليد السلطة قبل عام، ملف شطب السودان من «اللائحة السوداء» أولوية قصوى، وذلك على رغم وجود تيّارات معارضة في الداخل لمبدأ التسوية المالية، لكونها تعني ضمناً الاعتراف بارتكاب جرائم تمّ تصنيفها على أنها «إرهابية». إلا أن الحكومة ظلّت ماضية في حوار مع الإدارة الأميركية لأكثر من عام، استطاعت في خلاله، كما تقول، تقليص مبلغ التعويضات من أكثر من 10 مليارات دولار إلى 335 مليون دولار. وفيما وُجّهت انتقادات إلى الحكومة بشأن تعهّدها بدفع تلك المبالغ في وقت تمرّ فيه البلاد بضائقة معيشية، حاجج حمدوك بأن أموال التعويضات تمّ توفيرها من موارد البلاد الذاتية، ولا سيما الذهب، معتبراً في كلمة أمس أن «القرار يتيح إمكانية أفضل وظروفاً أحسن لإدارة الاقتصاد، ويفتح الباب لتعزيز وتأكيد عودة السودان للمجتمع الدولي».
أعلن حمدوك أن أموال التعويضات تمّ توفيرها من موارد البلاد الذاتية، ولا سيما الذهب

وبحسب الدعاية الحكومية، فإن رفع اسم السودان من «قائمة الإرهاب» سيتيح العودة إلى النظام المصرفي العالمي بعد فترة طويلة من الاعتماد على مصرف واحد في كلّ العالم، وإعفاء البلاد من الديون الخارجية البالغة 60 مليار دولار أو إعادة جدولتها، إلى جانب الحصول على مساعدات مالية من المؤسسات الدولية. ووفقاً لمحافظ «بنك السودان المركزي»، في تصريحات أمس، فإن التحويلات البنكية مع البنوك الخارجية ستبدأ في غضون أسبوع، في حين كان لافتاً ارتفاع قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازي صبيحة تصريحات ترامب.
وليس الحوار الذي أدارته حكومة حمدوك مع الإدارة الأميركية حول ملف الإرهاب، الأوّل من نوعه، إذ يفيد مصدر دبلوماسي بأن النظام السابق طرح فكرة التسوية في العام 2014، وقد تَكفّلت وقتها دول الخليج بدفع مبلغ التسوية، غير أن الإدارة الأميركية رفضت آنذاك تدخل أطراف آخرين، مشدّدة على أن أيّ تسوية يتمّ التوصل إليها لن تؤثّر على المسار السياسي بين البلدين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا