لا يزال القتال متواصلاً في جنوب القوقاز، حيث تدور معارك ضارية، منذ السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر، بين القوات الآذربيجانية ونظيرتها في إقليم ناغورني قره باغ. وفيما تراوح الجهود الدولية مكانها، في ظلّ تصعيد مستمرّ من الجانب التركي، الذي يضع وقف القتال مقابل انسحاب القوات الأرمينية من المنطقة وإعادتها إلى حليفته، آذربيجان، خرجت واشنطن وباريس وموسكو، التي تشكّل معاً «مجموعة مينسك» (وسيطة النزاع بين الجارتَين)، ببيان فاتر، تدعو فيه إلى وقف القتال إفساحاً في المجال أمام استئناف المفاوضات. دعوةٌ لم تلقَ آذاناً صاغية من جهة باكو وراعيتها التركية، التي رفضت تدخّل «المجموعة» في منطقة متنازَع عليها في جنوب القوقاز، بالنظر إلى تجاهل تلك الدول الأزمة هناك على مدى 30 سنة.في هذه الأثناء، عبّر الرئيس الأرميني، أرمين سركيسيان، عن خشيته من تحوّل القوقاز إلى سوريا جديدة، إذا لم يتدخّل المجتمع الدولي لإيقاف الحرب في ناغورني قره باغ، فيما أبدى وزير خارجيته، زهراب مناتساكانيان، استعداداً للحلّ السلمي، بقوله إنه «لا توجد شروط مسبقة لدى أرمينيا للحوار»، ما يمثّل تحولاً واضحاً في موقف يريفان التي كان رئيس وزرائها، نيكول باشينيان، أوصد الباب أمام المفاوضات مع باكو برعاية موسكو. تحوّلٌ يمكن إرجاعه إلى تحشيد تركيا التي تلقي بثقلها في معارك جنوب القوقاز، حيث يقاتل خبراؤها العسكريون جنباً إلى جنب مع القوات الآذربيجانية، وفق ما تؤكّد وزارة الخارجية الأرمينية. وإلى الوجود التركي، أكّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما كانت أعلنته روسيا عن وجود مرتزقة سوريين يقاتلون في ناغورني قره باغ. ولدى وصوله للمشاركة في قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل مساء أمس، قال ماركون إن لدى بلاده معلومات «تشير بشكل مؤكّد إلى أن مقاتلين سوريين من مجموعات جهادية انتقلوا عبر غازي عنتاب للوصول إلى مسرح العمليات في ناغورني قره باغ. هذا واقع جديد خطير للغاية يغيّر الوضع»، مشيراً إلى أنه اتفق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على «تبادل كلّ المعلومات المتوفّرة لدينا حول هذا الوضع والقدرة على استخلاص كلّ العواقب». كذلك، دعا الزعماء الثلاثة، في بيان مشترك، «إلى وقف تامّ لإطلاق النار» في قره باغ، كما دعوا «قادة أرمينيا وآذربيجان إلى الانخراط الفوري في استئناف المفاوضات». إلّا أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، جدّد إعلانه، يوم أمس، أن وقف إطلاق النار في الإقليم لن يكون ممكناً ما لم تنسحب القوّات الأرمينية من المنطقة الانفصالية وكلّ شبرٍ من الأراضي الآذربيجانية. تصريحات إردوغان، التي جاءت قبل دقائق من صدور بيان «مجموعة مينسك»، أشار فيها إلى أن القوى الثلاث التي تحاول حلّ النزاع في إطار المجموعة فشلت في التوصل إلى حلّ دائم للنزاع ولا حقّ لها في المطالبة بهدنة، قائلاً: «لأن أميركا وروسيا وفرنسا، أي ما يعرف بمجموعة مينسك، أهملت هذه المشكلة على مدى نحو 30 عاماً، فإن طلبها الآن بوقف إطلاق النار غير مقبول».
أكدت يريفان أنه لا توجد شروط مسبقة لديها للحوار مع باكو


في غضون ذلك، تواصل روسيا مساعيها لإيجاد حلّ لجولة التصعيد الأخيرة في المنطقة، لتجنّب الانجرار إلى صدام مع تركيا. وفي هذا الإطار، ناقش الرئيس الروسي الأزمة مع مجلس الأمن في بلاده، بعدما عرضت موسكو استضافة وزيرَي خارجية أرمينيا وآذربيجان لإجراء محادثات تمهّد لإنهاء الاقتتال الذي اندلع قبل خمسة أيام، وأحيا صراعاً يعود إلى عقود على الجيب الجبلي الواقع في منطقة جنوب القوقاز. وأكّد الكرملن أنه لا بديل من استخدام «الطرق السياسية والدبلوماسية» لحلّ الأزمة.
ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع الآذربيجانية، يوم أمس، أن قواتها قامت بـ»ضربات مدفعية ساحقة على مواقع القوات الأرمينية في الأراضي المحتلة» طوال الليل. ووصف مسؤولون في قره باغ الوضع الليلي على طول خطّ الجبهة بـ»المتوتر»، وقالوا إن الجانبين تبادلا القصف المدفعي. وأوضحوا: «حاول العدوّ إعادة تجميع قواته، لكن القوات الأرمينية قمعت كلّ هذه المحاولات». ونشرت وزارة الدفاع الآذربيجانية، في المقابل، مقاطع مصوّرة تظهر قصفاً بطائرة مسيّرة لآليات وقوافل عسكرية قالت الوزارة إنها أرمينية، وكانت متّجهة لدعم القوات في جبهات القتال.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا