برحيل أميرها، صباح الأحمد الجابر الصباح، يُتوقَّع أن تمضي الكويت، المثخنة بمصاعب جمّة، على الخطى التي ثَبّت أُطُرها مَن يُلقّب بـ»عميد الدبلوماسيّة» وسط خليج يعادي الحالات المتفلّتة، ولا سيّما إن كانت ترفض السير بـ»نصائحه»، وما أكثرها. رحيل الأمير الذي اتّبع سياسة مستقلّة عن نظيرات بلاده الخليجية، ساعدت في تحصين سمعة الكويت الإقليمية وصقلها، رغم الأزمات المتلاحقة، أعقبه ما بدا أنه انتقال سلس للحكم. فنادى مجلس الوزراء بوليّ العهد، نواف الأحمد الصباح، خلفاً لأخيه، لتبدأ مرحلةٌ جديدة مع الحرس القديم نفسه، لكون الأمير الجديد تخطّى، بدوره، أعوامه الـ80، ما يمكن أن يمثّل «فأل خير»، بالمقارنة مع «جيلٍ شاب» يحكم الجزيرة العربية.
طويت مسيرة أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي رحل، يوم أمس، عن 91 عاماً، في توقيت شديد الحساسيّة، إن كان داخليّاً، حيث تعاني الإمارة الخليجية مِن أزمات متلاحقة فاقمتها الآثار المترتبّة على وباء «كورونا» اقتصادياً، أو على المستوى الإقليمي والدولي، بانطلاق قاطرة التطبيع، بهمّةٍ الإمارات والبحرين، ومباركة السعودية، وفي ظلّ رفض الكويت الانضمام إلى ركّابها، على رغم الضغوط الكثيرة. ومع رحيل أميرها ومهندس سياستها الخارجية بشكلها الحالي، اتّجهت الأنظار إلى وليّ العهد، نواف (83 عاماً)، الذي أصبح حاكماً للدولة الخليجية خلفاً لأخيه غير الشقيق صباح الأحمد، في انتظار مبايعته أميراً للبلاد مِن جانب أعضاء مجلس الأمّة صباح اليوم.
«عملاً بأحكام الدستور والمادة الرابعة من القانون رقم 4 لسنة 1964 في شأن أحكام توارث الإمارة، فإن مجلس الوزراء ينادي بولي عهده (...) صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميراً لدولة الكويت». بهذا الإعلان، أصبح الشيخ نواف، عملياً، أميراً للبلاد، بعد 14 سنة أمضاها خامس أبناء أحمد الجابر الصباح، في ولاية العهد. سُمّي في منصبه الأخير بإجماع أفراد الأسرة الحاكمة الذين اختاروه لتولّي المنصب، بعدما تدرّج في مناصب أمنية رفيعة المستوى، حتى وصف بأنه «الأب الروحي للأمن والاستقرار». بدأ الأمير الجديد مسيرته قبل نحو نصف قرن حاكماً لمحافظة حولي، إلّا أن أبرز أدواره في السلطة كان قيادته لوزارة الدفاع إبان غزو القوات العراقية بقيادة صدام حسين لبلاده في عام 1990. وعُيّن في أعقاب حرب الخليج الأولى في منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، قبل أن يتولّى رئاسة الحرس الوطني في عام 1994. وعاد إلى الحكومة وزيراً للداخلية سنة 2003، وسُمِّي، في العام ذاته، نائباً لرئيس الوزراء، إلى أن أصبح ولياً للعهد بعدها بثلاث سنوات. وفي 18 تموز/ يوليو الماضي، ومع سفر أمير البلاد لتلقّي العلاج في الولايات المتحدة، حيث توفّي، تمّت الاستعانة بوليّ العهد لممارسة بعض اختصاصات الأمير الدستورية في إدارة شؤون البلاد.
ستُراقَب عن كثب عملية اختيار الأمير الجديد لوليّ العهد ورئيس الوزراء


يتسلم نواف سدّة الحكم في مرحلة شديدة الحساسية، تشوبها التوتّرات الإقليمية بين السعودية وإيران، وفي خضمّ أزمة خليجيّة سبّبتها مقاطعة الثلاثي السعودية والإمارات والبحرين لعلاقاتها مع قطر منذ عام 2017، إلى جانب انطلاق قاطرة التطبيع في المنطقة بهمّة أبو ظبي والمنامة. مع ذلك، يُتوقّع أن يواصل الأمير الجديد سياسة سلفه القائمة على الوساطة بين الأفرقاء، والتي أثمرت، بقيادة صباح للكويت، منذ 29 كانون الثاني/ يناير 2006، خلق دبلوماسية متّزنة في منطقة ملتهبة، إذ سعى الأمير الراحل إلى تحقيق توازن في العلاقات مع جيران الكويت، فوثّق علاقات بلاده مع الشقيقة الكبرى، السعودية، وأعاد بناء العلاقات مع العراق المحتلّ السابق للكويت، وحافظ على حوار مفتوح مع إيران. يرجع ذلك إلى كون الراحل، وقبل تسلّمه مقاليد الحكم، قضى عقوداً في الدبلوماسية والسياسة في عهدَي أخيه غير الشقيق الأمير الراحل جابر الصباح، وابن عمه الراحل سعد الصباح. وعرف خلال فترة عمله في الوزارة بكونه وسيطاً موثوقاً من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي. كذلك، يُستبعد أن تؤثّر الخلافة على سياسة النفط أو استراتيجية الاستثمار الأجنبي عبر الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم. فالسياسة النفطية يرسمها المجلس الأعلى للبترول في البلاد، الذي يعيّن أعضاءه الأمير. وستُراقَب عن كثب عملية اختيار الأمير الجديد لوليّ العهد ورئيس الوزراء، الذي سيُكلَّف بإدارة علاقة الحكومة، والتي غالباً ما تكون صعبة مع البرلمان، ولا سيما في وقت تتعرّض فيه المالية العامة للكويت لضغوط كبيرة، على خلفية انخفاض أسعار النفط ووباء «كورونا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا