"لمن مراكب الصيد واليخوت؟"، تسأل إحدى الناشطات في الحملة المدنية الرافضة لمشروع "ميناء نبيه بري للسياحة والنزهة"، تقول: "الـ40 مليار ليرة التي ستُنفق على هذا المشروع، كانت آثار البلدة وأهل عدلون أولى بها". التساؤل الذي طرحته ابنة البلدة خلال الاعتصام الرمزي الذي نظّمه "تجمّع جمعيات وهيئات المجتمع المدني لأجل عدلون"، أمس، أمام المتحف الوطني، ينطلق من واقع مفاده أن البلدة تحتاج إلى مشاريع تنموية تنهض بالسكان وتحسّن مستوى عيشهم، لا مشاريع مخصصة للأثرياء ويخوتهم يستفيد منها بعض النافذين من خلال عقود الاستثمار والتشغيل اللاحقة، وذلك على حساب الحق العام بالشاطئ والبحر والآثار والذاكرة الجماعية.
اختارت وزارة الأشغال العامة والنقل واحداً من أهم المواقع التاريخية على الشاطئ اللبناني لإقامة "ميناء لليخوت"، وهو الواجهة البحرية لمدينة "مآروبو" الفينيقية ومينائها الأسري وبقايا دباغاتها. ودافعت الوزارة عن مشروعها بالقول إنه سيحتضن مراكب الصيادين أيضاً كي تكسب موافقة بعض السكان، إذ صرّح المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي بأن هذا المشروع هو خدمة للصيادين وللحياة البحرية في المنطقة، إلا أن جمعية "الجنوبيون الخضر" ردّت بأن بلدة عدلون ليس فيها أي مركب واحد للصيد يستفيد من هذا المشروع، ومرفأ الصرفند للصيادين لا يبعد أكثر من كيلومترات قليلة عن موقع المرفأ الجديد المزمع إنشاؤه.
تتجاوز مقاييس إنشاء الميناء مقاييس مرفأي صور وصيدا حجماً

أمس، أعطت وزارة الأشغال العامة والنقل أمر مباشرة العمل للشركة المتعهدة (شركة خوري للمقاولات) التي شرعت بأعمال ردم الأحواض والحاويات الصخرية والأجران وتدميرها، وقد كانت تستخدم قبل آلاف السنين كملاحات ودباغات ومشاغل مراكب في مدينة "مآروبو"، أول أسماء عدلون المدونة. تقول الجمعية إن المشروع "سيقوم بالكامل على آلاف الأمتار المربعة من الأملاك العامة البحرية، نصفها يشكّله الشاطئ والنصف الآخر من خلال عملية ردم البحر"، لافتة إلى أن "أعمال الردم الواسعة التي سيتضمنها المشروع ستلحق أبلغ الضرر بالتنوع البيولوجي للشاطئ (...) وستؤدي إلى تدمير موائل السلاحف البحرية، التي ما زالت توجد في محيط الموقع وتعشّش على شطآنه، وهو ما سيؤدي إلى اختلال إضافي في النظام البيئي المُحيط".
ينقل التجمع المناهض للمشروع عن بلدية عدلون معلومات مفادها "أن المشروع سيقوم على جرف وردم ما يزيد على 164 ألف متر مربع من هذا الشاطئ الفريد"، وتحديداً على الموقع التاريخي حيث بنى الفينيقيون مدينتهم التاريخية "مآروبو" ما بين الألف الأول والألف الثاني قبل الميلاد.
واجب الحكومة الللبنانية والوزارات والجهات المعنية العمل على حماية هذا الموقع التاريخي وحماية الشاطئ والعمل على تأهيله ضمن خطة تنموية شاملة تنهض بالبلدة التاريخية. ولكن بدلاً من ذلك، أُعلن مشروع بناء مرفأ بتسعة أحواض، يتسع لـ 400 يخت ومركب، وسنسولي حماية (600 م و240 م)، وهي مقاييس تتجاوز مقاييس مرفأ صور أو مرفأ صيدا حجماً، "في بلدة تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة وتعاني ومواقعها التاريخية والبيئية إهمالاً مُزمناً"، على حد تعبير "الجنوبيون الخضر".
يجزم رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي علي متيرك (وهو واحد من أبناء بلدة عدلون) بأنه "لم يجر إطلاع أهالي البلدة على الجدوى الاقتصادية للمشروع، ولم تُجرَ دراسة تقويم الأثر البيئي". في الواقع، إن عدم تقديم المشروع لأي تقرير أثر بيئي وعدم إجراء المسوحات للمواقع ليس المخالفة الوحيدة التي يرتكبها المشروع، كذلك إن هذه المخالفة ليست وحدها التي تفضح تقاعس وزارة البيئة ووزارة الثقافة. يؤكد الأهالي أن أعمال الردم والجرف بدأت منذ نحو أسبوعين من قبل المتعهّد "شركة خوري للمقاولات"، على الرغم من وجود كتاب صريح موجه من قبل وزارة الثقافة إلى محافظ لبنان الجنوبي يطلب فيه وقف العمل. وعلى الرغم أيضاً من أن وزارتي البيئة والثقافة كانتا قد طلبتا من وزارة الأشغال توفير الخرائط ودراسة تقويم الأثر البيئي للمشروع وإجراء مسح للموقع قبل إعطاء موافقتهما، إلا أن وزارة الأشغال تجاهلت كل ذلك وأصرت على المضي بالمشروع، وصمتت الوزارتان ولم تستخدما صلاحيتهما من أجل وقف المشروع قسراً.
وكانت عملية تلزيم شركة خوري للمقاولات بأشغال المرفأ السياحي الجديد قد انطوت على ملابسات كثيرة وشبهات. إذ أصدر مجلس شورى الدولة قراراً يقضي بموجبه بإبطال قرار وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر تلزيم أشغال إنشاء مرفأ عدلون (السنسول الرئيسي ــ المرحلة الأولى)، للشركة المذكورة لمخالفته الأصول القانونية في عملية التلزيم. إذ ألغى الوزير المعني نتائج المناقصة ورفض السعر الأدنى البالغ 4.88 مليارات ليرة (الذي قدّمته شركة الجنوب للإعمار)، وأصدر قراراً يقضي بتحويل التلزيم من مناقصة عمومية إلى استدراج عروض محصور عبر استدعاء 5 شركات فقط مسماة من قبله، من بينها شركة واحدة فقط شاركت في المناقصة الملغاة هي شركة خوري للمقاولات التي فازت في النهاية! اللافت أن هذه الشركة فازت في استدراج العروض بسعر أعلى مما قدمته في المناقصة الملغاة بمبلغ 2.49 مليار ليرة. (راجع الأخبار العدد السبت ١٧ تشرين الأول ٢٠١٥ http://al-akhbar.com/node/244051 والعدد الاثنين ١٢ تشرين الأول ٢٠١٥ http://www.al-akhbar.com/node/243723).
يقول متيرك إنه لم يجرِ إشراك أهالي البلدة بالمشروع، لافتاً إلى أن هذا الشاطئ المستهدف ترتاده "الفئات الشعبية في البلدة"، وعلى الرغم من أن القيّمين على المشروع تعهدوا بإبقاء الشاطئ مسبحاً شعبياً، إلا أن تحويل البحر أمامه إلى حوض ومرسى لليخوت سيسبب الضرر الأكيد للرواد لأسباب عدة، منها تلوث مياهه من الزيوت المتسربة من اليخوت.
مصادر في بلدية عدلون قالت لـ "الأخبار"، إنه منذ أكثر من 3 سنوات طُرح المشروع على أساس إقامة مسبح شعبي "قبل أن ينحرف عن مساره ويصير ميناء نبيه بري للسياحة والنزهة".
يقول الناشطون في البلدة إن الأهالي منقسمون بين معارض كلياً للمشروع وبين مؤيد للمشروع وبين من لا يزال متخوّفاً من إبداء رأيه. يطرح متيرك مسألة "غياب مساحة النقاش الموجودة بين أهالي البلدة"، في إشارة إلى أن "الصراع" بين مؤيدي المشروع ومعارضيه محكوم باعتبارات حزبية وسطوة قوى الأمر الواقع وترويجها مزاعم عن أن المشروع سيُسهم بخلق 400 وظيفة. ولم يتوان مؤيدو المشروع عن إطلاق تهديدات ضد كل من يعارض إنشاء الميناء.
أمس، ناشد التجمّع المناهض المعنيين كافة التحرّك لإنقاذ الشاطئ التاريخي لبلدة عدلون. على ماذا تراهنون؟ يقول المتحدّث باسم "الجنوبيون الخضر" وسيم بزيع: "نراهن على القضاء والشعب، كذلك نراهن على إحراج المعنيين من خلال الضغط على المنظمات الدولية التي تُعنى في هذا الملف". يكشف رئيس الجمعية هشام يونس أنه التقى في العاصمة البريطانية، لندن، عدداً من الأكاديميين والخبراء الأثريين الأوروبيين الذين وافقوا على الحضور إلى عدلون في شهر أيار المقبل وعقد مؤتمر خاص عن إرث البلدة التاريخي في محيط المرفأ الفينيقي.