رؤساء الأقسام وأعضاء المكتب السياسي وأعضاء اللجنة المركزية في حزب الكتائب مدعوون اليوم إلى مقر رئيس حزبهم النائب سامي الجميّل في بكفيا، لسماع موقفه من تبني القوات اللبنانية ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. الموقف الذي تأجل إعلانه من الأربعاء إلى اليوم شبه محسوم: «تمايز وعدم قبول الحزب بأيّ رئيس غير وسطي»، استناداً إلى مسؤول حزبي. علماً بأن مصادر أخرى في الحزب أوحت أن «الموقف هذه المرة سيُفاجئ الجميع وسيكون عالي النبرة».
يريد الكتائب أن تكون الصورة اليوم شبيهة بمشهد جمع كوادر القوات. ولكن في مرحلة يحسم كل طرف اصطفافه وخياره السياسي، «يهرب» الكتائب إلى الموقف الأحب إلى قلبه: الحياد، «بسبب عناد سامي الجميّل». يوضح المسؤول الكتائبي: «منذ ثلاث سنوات، حاول العونيون إقامة هذا التحالف معنا. العرض بقي قائماً الى ما قبل سنة، إلا أنّ الجميّل ظل يلفّ ويدور حتى أصبحنا خارج كادر الصورة».
إصرار «الشيخ سامي» على معارضة الالتقاء القواتي ــــ العوني، «غير مفهوم» بالنسبة إلى المسؤول الكتائبي. «التقى الوزير جبران باسيل وعدداً من المسؤولين العونيين، لكنه بقي غير مقتنع بكلامهم. بعد ذلك، استدعى الخبير الانتخابي ربيع الهبر طالباً معرفة صدى لقاء معراب في الشارع المسيحي، وأتاه الجواب مغايراً لأمنياته. رغم ذلك لا يريد أن يسير في خيار ميشال عون».
كيف جعجع عن إمبراطورية بناها مع الحريري مفضلاً الانحسار مسيحياً مع عون؟

سبقت إعلان الحزب موقفه اليوم اجتماعات عدّة عُقدت في اليومين الماضيين وطالت إلى ساعات الفجر الأولى. دار النقاش، بشكل أساسي، حول طرحين: الأول عرّابه وزير العمل سجعان قزي ويقضي بأن «يعيد الكتائب إحياء ترشيح الرئيس أمين الجميّل لإعادة التوازن إلى المعركة وعدم حشر أنفسنا بين مرشحين اثنين»، استناداً إلى مصادر متابعة للكتائب. صحيح أن الحزب بذلك «لن يتمكن من إيصال مُرشحه، ولكنهم يعولون على تمتين العلاقة مع تيار المستقبل بعد أن فترت علاقة الأخير بالقوات. هي عودة إلى عام 2005 ومحاولة استعادة القليل من إرث الوزير الراحل بيار الجميّل». طرح قزي سقط في النقاش، «حصرت معراب المنافسة بين مرشحين، لذلك الرئيس الجميّل لن يقبل بالتلاعب باسمه وتعريضه للبازار السياسي». أما الطرح الثاني، فيتبناه أصحاب الرأي «الذين يفضلون الحياد». مشكلة الكتائبيين الحقيقية، كما تُفندها المصادر، هي «حبهم للمزايدة مسيحياً وكبريائهم بأن القوات خرجت من رحمهم والتيار الوطني الحر هو استكمال لنهج قائدهم بشير الجميّل». هذا الحزب «الذي يحصر، أقله معنوياً، الوجود الماروني في جبل لبنان، فوجئ بالحالة الشعبية الإيجابية التي خلقها لقاء معراب، فوجد نفسه محرجاً: القبول به يعني الالتحاق بالفريقين الكبيرين والقبول بدور هامشي. ومعارضته تعني حصر الكتائب في خندق ضيق مع المستقلين».
«يبدو أن حزب الكتائب هو الذي سيدعو هذه المرّة إلى اجتماع للأمانة العامة لقوى 14 آذار». تُعلّق مصادر في «الأمانة» ساخرة من أنه لم يبقَ في الميدان «سوى نحن وقيادة الصيفي».
نكسات عديدة منيت بها الأمانة العامة لقوى لا يجمع بينها سوى الخيارات المتناقضة، ولا يجرؤ أي من مكوّناتها على نعيها ووضع نهاية سياسية لعدد كبير من شخصياتها. تفرق مصادر بارزة في الأمانة العامة بين تنظيم 14 آذار «لا نتصور أنه لا يزال بالإمكان الحديث عن قوى مجتمعة»، وبين الشعارات والمبادئ «التي لا تزال موجودة». الهمّ الاساسي، بالنسبة إلى المصادر، «عدم العودة إلى طوائفنا. مدرستنا هي التأسيس لتلاقٍ إسلامي ـــــ مسيحي يحفظ وحدة هذا البلد»، ولا يهم إن «زعلت القوات أو المستقبل، قناعتنا هي أن كلفة الشراكة أقل كلفة من الفصل الطائفي. حلّ الأزمات يكون من خلال المساحة الوطنية المشتركة». رغم هذه الشاعرية كلها تؤكد المصادر أن «هذا ليس كلاماً شاعرياً»!
انطلاقاً من هذه القناعة، تجري مقاربة لقاء معراب. تُفضل «الأمانة» عدم إصدار موقف، فهذه «المرحلة ستمر». ولا يحلو «التحليل» للآذاريين من دون إضفاء طابع إقليمي ــــ دولي: «يجب إعادة قراءة خطاب الرئيس باراك أوباما حول حالة الاتحاد حين تحدث عن مرحلة انتقالية تمر بها المنطقة ستدوم لأجيال. فهل نتحدث نحن عن رئاسة ولامركزية إدارية؟ هيدا مزح! لانتخاب رئيس نحن بحاجة إلى حد أدنى من التفاهم السعودي ــــ الإيراني. في غياب هذا الأمر، لوين رايحين؟ إذا دعمنا عون، فهل سنكون قادرين على انتخابه؟».
تعترف المصادر بأن جعجع «نجح في الصورة من أخذ زعامة المسيحيين مقابل تقديم شيك بلا رصيد لعون»، معتبرة أنه «لو لم يُقدم على هذا الاستعراض الهوليوودي لكان وضعه صعباً». بيد أنها لا تعتبر هذه الخطوة «ذكية»، فهل «يتخلى أحدهم عن الإمبراطورية التي بناها مع سعد الحريري، مفضلاً الانحسار مسيحياً مع عون، وفي الوقت نفسه لا يربح حليفاً آخر كحسن نصر الله، بينما عون يُحافظ على حلفائه؟». الأسف هو لأن «القوات جُلّ ما يهمها الصورة التي نجحت في تسويقها والتي لاقت استحساناً في الشارع المسيحي. القوات لا ترى ما يحصل إقليمياً».
لم ينقطع التواصل بين القوات اللبنانية وأمانة 14 آذار، عبر مسؤول جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي ومنسق الأمانة العامة فارس سعيد، إلا أن موقف الأخير لم يتغير: «لا فرنجية ولا عون». المصادر تتحدث أيضاً عن «وجود قرار بعدم الاستسلام في العمل من أجل وحدة البلد بمسلميه ومسيحييه. لا نرى أن الانتخابات الرئاسية قريبة، بالتالي لا نجد مصلحة في الاختلاف».