لا خلاف في تل أبيب عملياً على ضم ما أمكن من أراضٍ فلسطينية محتلة في الضفة الغربية. الخلاف إن جرى، بين المؤيدين والمترددين، فإنه يتعلق بتقدير ردود الفعل لدى الفلسطينيين والمحيط العربي والدولي، ضمن معادلة الجدوى والتكلفة، ومن دون أي صلة بأصل الحق الفلسطيني أو فكرة الاستيلاء على أراضي الآخرين وسلبها. هذا التجاذب، الذي لا يلغي خطة الضم ولا يشكل خطراً عليها، ينسحب أيضاً على الجانب الأميركي ضمن إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تتعامل مع خطة الضم لجهة التوقيت والمضمون من منظور الجدوى والتكلفة ومن دون أي صلة بالحق الفلسطيني المسلوب، وهو موقف يمكن تفهّمه من جرّاء التماهي العربي مع مشروع الضم، إذ لا يتجاوز إطلاق المواقف، من دون ترجمات عملية، في حين أن موقف السلطة الفلسطينية على حاله: اللجوء إلى «التباكي البنّاء» لإجبار الاحتلال على التراجع عن خطته!على هذه الخلفية، تعرض إسرائيل خططها المختلفة تباعاً عبر تسريبات في الإعلام العبري والغربي، لاستدراج ردود الفعل، على أن تلجأ إلى الأنسب والأقل ثمناً، تمهيداً لاستكمال الضم لاحقاً إن جاءت أقل مما تسعى إليه الخطة، وهو ثلث أراضي الضفة، من دون أي ثمن مقابل للجانب الفلسطيني. هذا التوجه يفسر الحديث الأول عن ضم الأراضي دفعة واحدة في الأول من الشهر المقبل، ثم الحديث عن التأجيل أسابيع، وبعدها عن ضم متدرج للكتل الكبرى تعقبها بقية المستوطنات، ليعاد الحديث من جديد عن ضم كامل كما هو التخطيط الابتدائي. فبعد حديث الضم التدريجي أول من أمس، عادت مصادر «رفيعة» ومعنية بملف الضم، كما وصفتها صحيفة «معاريف»، وأكدت أنه «لا صحة ولا معقولية» لما يرد من تقارير عن ضم متدرج، بل إن «إسرائيل لا تعمل على بسط سيادتها على جزء من المستوطنات دون غيرها، أو المضي قدماً في تنفيذ الخطة على مراحل»، نافية التقارير العبرية عن ضم مرحلي لمستوطنات الكتل الكبيرة الثلاث: «معالي أدوميم» و«غوش عتسيون» و«أريئيل».
في هذا السياق، قالت وزيرة المستوطنات، تسيبي حوتوفلي، وهي عضو لجنة رسم الخرائط مع الجانب الأميركي، إن «جميع الخرائط المنشورة (عن خطة ضم مرحلية) غير ذات صلة بالواقع». ونقلت «إذاعة الجيش» عنها أن «التمييز بين الكتل الاستيطانية الرئيسية والمستوطنات الأخرى هو ما لا يمكن السماح بتمريره أبداً». كذلك، أكد وزير الاستخبارات، إيلي كوهين، أن فرض «السيادة» على الضفة «يصب في مصلحة إسرائيل»، مستبعداً إقامة دولة فلسطينية وجيش آخر بين نهر الأردن والبحر. وقال كوهين في حديث إذاعي أمس، إن «الفرصة مؤاتية لتطبيق خطة الضم من الآن حتى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة»، متهماً حزب «أزرق أبيض» بأنه «يتجاهل الواقع لاعتقاده بضرورة تحصيل موافقة دولية على خطة الضم قبل تنفيذها»، في حين أن دولاً كثيرة في العالم رفضت فرض السيادة على الجولان وكذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس. أيضاً تطرقت حوتوفلي إلى التجاذبات في المواقف وأقرت بها، قائلة: «لا توجد خريطة متفق عليها (للضم)، لكن لدينا عدد من الخطوط العريضة». وأضافت: «هناك مدرستان فكريتان في الجانب الأميركي أيضاً»، في إشارة واضحة إلى السفير الأميركي لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، الذي يؤيد توسيع الضم إلى أقصى حد ممكن، مقابل مستشار ترامب، جاريد كوشنير، الذي يؤيد تقليص الضم ما أمكن في هذه المرحلة، مع التشديد على موافقة غانتس وفريقه على أي خطة، بمعنى حدوث شبه إجماع إسرائيلي عليها، لتفادي أي تداعيات سلبية على حملة ترامب الانتخابية.
ينسحب التجاذب أيضاً على الإدارة الأميركية من دون خلاف على المضمون


هذا التناقض العلني والمسرب يؤكد التجاذب في رؤية التداعيات وتقديرها، إضافة إلى «جس نبض» الآخرين والعمل لاحقاً على تليين مواقفهم، الأمر الذي ينسحب على الجانب الأميركي، إذ لا يقل ممثلوه انشغالاً في خطة الضم عن الإسرائيليين أنفسهم. ووفق الإعلام العبري، من المقرر أن يجتمع فريدمان مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن بيني غانتس، وكذلك وزير الخارجية غابي أشكنازي، لمناقشة مضمون خطة الضم وشكل إخراجها، الأحد المقبل. إلى جانب ذلك، قررت إسرائيل إجراء أول إحصاء للسكان في الضفة منذ 1967 مع اقتراب تنفيذ قرار الضم. وذكرت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن مسؤولي «الإدارة المدنية» غير متفقين إلى الآن على تحديد كيفية ومعايير التعداد، خاصة أنه غير واضح لديهم إلى الآن الحدود الجغرافية للأراضي المنوي ضمها. لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» قالت إن التعداد، الذي سيتركز على مناطق «ج» في الضفة، الهدف منه «تقرير مصير الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المقرر ضمها، ومصير الجنسية الإسرائيلية، كما أكد نتنياهو في وقت سابق، إضافة إلى الحؤول لاحقاً دون انتقال الفلسطينيين من أجزاء أخرى في الضفة إلى الأراضي الملحقة بإسرائيل، وتحصيل المكانة القانونية التي لم تتحدد بعد».
إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي العام تأييد 68% من اليهود خطة الضم بصيغتها الحالية. وجاء في الاستطلاع، الذي نشرته القناة السابعة، أن غالبية المستطلعة آراؤهم (72%) ممن أعطوا رأياً بخصوص الخطة يرون أنه لا يجب على حكومتهم «ترك مستوطنات معزولة في الضفة كجيوب داخل المناطق الفلسطينية». وذكرت القناة أن الاستطلاع نظمه «مجلس مستوطنات شمال الضفة» لإثبات وجود غالبية تدعم الخطة، لكنه لا يعبّر عن وجهة نظر أكثر من 40% من المجتمع ممن لم يبلوروا وجهة نظر حتى الآن بهذا الخصوص.



الحرائق تعود إلى «غلاف غزة»
سُجّل اندلاع حريقين في «كيبوتسات» إسرائيلية مجاورة لقطاع غزة أمس، بعد إطلاق مجموعة من البالونات الحارقة والمتفجرة، وذلك عقب توقفها منذ ما يزيد على سبعة أشهر، مع أنه جرى إطلاق بالونات فارغة قبل نحو أسبوع، في تحذير فصائلي من مواصلة العدو تجاهله تنفيذ التفاهمات الأخيرة بواسطة مصرية، ولا سيما تأخر صرف المنحة القطرية. ونقل الإعلام العبري أنه رصد عدداً كبيراً من البالونات طوال أمس أطلقت باتجاه مستوطنات الغلاف، فيما قالت مصادر فلسطينية إن التصعيد الميداني سيعود تدريجياً خلال الأسبوع المقبل.
(الأخبار)