تحمل الأشهر المقبلة، من الآن حتى نهاية آب، موعد تمديد مهمّة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، كمّاً كبيراً من الضغوط، داخلياً على السلطات اللبنانية والجيش، وخارجياً على منظمة الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن، في سبيل تحقيق تعديل رسمي لمهمة القوات «المتعددة الجنسيات». إلّا أن كل الضغوط والجهود الدبلوماسية الإسرائيلية والأميركية في الأروقة الدولية لا تبدو أنها حصلت حتى الآن على غطاء من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ليبقى سيف الفيتو الروسي والصيني والاعتراض الفرنسي احتمالاً كبيراً للحفاظ على مهمة اليونيفيل من دون تعديل.أمام هذا الواقع، وبخطوات صغيرة لكن مدروسة، يحاول ثنائي قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول وزميله رئيس الأركان العميد الفرنسي فريديريك باوتشر، تحقيق الإرادة الأميركية - الإسرائيلية في محاولة توسيع عمل اليونيفيل عبر تعديل الأداء لا المهام. في خطوة غايتها تقييد حركة المقاومة في الجنوب، بأساليب موازية للضغوط الدبلوماسية، والتهديد بالمقابل، بالمطالبة الإسرائيلية بتخفيض العديد!
وهذه السياسة، «التسلّل» إلى المبتغى بجرعات صغيرة، من دون استفزاز كبير للمقاومة، سياسة ناجحة إلى حدٍ ما، بدأت مع تعيين ديل كول (راجع «الأخبار»، 26 نيسان 2019). فالجنرال الإيطالي تعلّم من أسلافه أن المواجهة المباشرة مع المقاومة سياسة خاسرة، بينما تُعْطي مراكمة النقاط ربحاً مضموناً لأهدافه، وتحرم المقاومة من ذريعة نافرة للتصعيد.
أكثر من مصدر معني بمتابعة نشاط قائد القوات الدولية، الذي أجّلت جائحة كورونا تعيين بديل منه، يؤكّد أن الشغل الشاغل للأخير نقل رسائل العدوّ التهديدية إلى الجانب اللبناني، بكل مستوياته، وإقناع المسؤولين بأن المقاومة تخرق القرار 1701. وفي الوقت نفسه، يسعى ديل كول وباوتشر إلى منح قواتهما قوّة أمر واقع بخطوات عملية ميدانية على مسرح العمليات الجنوبي، تمكّنهم من تسديد المطالب الإسرائيلية على دفعات.
ولا يكفي أن الحكومة استعجلت قرار التمديد للقوات الدولية في رسالة «حسن سلوك» للقيّمين على صندوق النقد الدولي، كان هذه المرّة رئيس الحكومة حسان دياب ومعه وزيرة الدفاع زينة عكر هما هدف «الإقناع» عند أركان القوات الدولية، حيث حفل اللقاء الذي جمعهم في الناقورة قبل أيام بحملة دعاية موجّهة، غايتها إحراج دياب وتثبيت قيام المقاومة بخروقات للخط الأزرق والـ1701 والاستقرار في الجنوب، أمامه.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن دل كول استعان بشاشة كبيرة ليشرح مهمة اليونيفيل وعمل البعثة وتنظيمها بشكل عام، عارضاً التعاون «الإيجابي» مع الجيش. وسلّط الضوء على مدة عمل اليونيفيل والتجديد السنوي لها، مفصّلاً التقرير الفصلي الذي يصدر كل أربعة أشهر حول الالتزام بالـ1701، ودور قواته «الحيادي»، مع تركيز كبير على حرية حركة القوات (freedom of movement ). إلّا أن هذه المقدمات تبعها استعراض «دعائي» للأحداث على الخط الأزرق، وبعض الحوادث المتفرقة التي حصلت مؤخّراً، كحادثة مجدل زون والأنفاق التي قيل إنها للمقاومة. واستخدم ديل كول مقطع فيديو كان «الإعلام الحربي» في المقاومة قد بثّه غداة إطلاق صاروخ في 1 أيلول الماضي باتجاه آلية معادية قرب مستوطنة «أفيفيم» شمال فلسطين المحتلة، رداً على قيام العدو باستهداف الضاحية الجنوبية بطائرات مسيّرة.
المفاجأة أن ديل كول وفريقه مرّروا من بين الخروقات صورة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع عرض مواقفه الأخيرة من اليونيفيل، التي اعتبرها الجنرال الإيطالي خرقاً خطيراً للقرار 1701، في ترويج واضح للدعاية الإسرائيلية!
وذكّر الجنرال الإيطالي بحوادث بليدا الثلاثة، عندما قامت عدة دوريات من القوات الدولية بسلوك طرق غير متفق عليها مع الجيش، ما وضعها أمام اعتراضات أهالي البلدة. طبعاً، لم ينسَ التذكير بـ«أفضال» اليونيفيل في مساعدة بلدية بليدا، لكنّه اعترف بأن بعض الدوريات يسلك أحياناً أماكن عن طريق الخطأ، وأن من الواجب على القوات الدولية التعويض عن الأضرار التي تحدثها في الممتلكات والسيارات وغيرها، معتبراً الاجتماع الثلاثي في الناقورة مفصلاً مهماً لمنع التصعيد.
مرّر ديل كول أمام دياب صورة لنصر الله معتبراً مواقفه خرقاً خطيراً لـ1701


وفيما تجوب الطائرات المسيّرة المعادية الأجواء اللبنانية يومياً، ويسمعها اللبنانيون في منازلهم، لفت ديل كول إلى أن «الخروقات الجوية الاسرائيلية انخفضت إلى حدّ ما بعد أن قمنا بإيصال رسائل إلى إسرائيل بضرورة وقف الخروقات». ثم طلب درس إعادة تعليم 17 نقطة مرسمة سابقاً على الحدود الجنوبية، وشكر الحكومة على طلبها إبقاء عديد اليونيفيل على حاله. من جهته، طالب رئيس الحكومة القوات الدولية بأن «تضع خروقات العدو تحت المجهر»، مؤكّداً أن «دور اليونيفيل مهم جداً وإيجابي للبنان».
الضغط الرسمي لا يقارن خطورةً بتلك الخطوات التي بدأت اليونيفيل تتخذها ميدانياً، إن بشكل منفرد أو بالضغط على بعض ضباط الجيش اللبناني العاملين في قطاع جنوب الليطاني لاتخاذ قرارات داعمة للتوجهات الجديدة (راجع «الأخبار»: الأربعاء 8 كانون الثاني 2020)، إذ علمت «الأخبار»، أن اليونيفيل اتخذت قراراً بتفعيل نشاطها الأمني والاستخباري في الجنوب، وتوسيع دائرة التعاون مع البلديات والجهات المحليّة، للاستعلام عن نشاط المقاومة أفراداً وتنظيماً، بعد أن تبيّنت فعالية هذا النوع من العمل على حساب العمل العسكري، ومحاولات الدخول الفاشلة إلى الممتلكات الخاصّة بذريعة وجود أسلحة فيها.



من الجنوب إلى الحدود السورية
لا تنفصل التحرّكات الدولية في الجنوب عن التحرّكات على الحدود الشرقية مع سوريا، تحت عنوان مكافحة التهريب والمعابر غير الشرعية، التي تهدف أوّلاً وأخيراً من الوجهة الدولية إلى حصار المقاومة في لبنان عن عمقها البري الاستراتيجي، وحصار سوريا من غربها الاستراتيجي. ولم تكن مفهومة الأسباب التي دفعت دياب إلى التبنّي الكامل للحملة على الحدود الشرقية وقيامه بزيارة لها، تعطي أبعاداً سياسة أكبر من حجم التهريب الفعلي التاريخي والطبيعي على الحدود الوهمية بين البلدين. لكن، علمت «الأخبار» أن رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي والمدير العام للجمارك بدري ضاهر سيشاركان في الاجتماع المقبل بين ممثلي صندوق النقد الدولي والحكومة ومصرف لبنان، في خطوة هدفها إرضاء الصندوق، الذي يربط البعض قروضه بـ«ضبط الحدود».