«سنة 2016 ستكون سنة خير، لكنها سنة دقيقة. مصرف لبنان يتخذ ما يلزم لتمضية السنة بشكل إيجابي، علماً بأن الأسواق أخذت السلبيات بالاعتبار». بهذه العبارات، افتتح حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، اللقاء الشهري الأول في عام 2016 مع جمعية مصارف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، محدداً أولويات العام 2016 من دون أي ترتيب مسبق. وهي أولويات، في غالبيتها، متصلة بالظروف القائمة والواجب مواجهتها على المدى القصير؛ فإلى جانب أزمة انخفاض أسعار النفط وأثرها الانكماشي على التحويلات إلى لبنان بسبب المنافسة الخليجية على استقطاب الودائع، يبرز ملف التوجهات الخارجية (الأميركية) للتشدّد على العمليات المصرفية مع لبنان، وكذلك هناك انعكاسات الأزمة السورية المتواصلة منذ عام 2011 على النموّ الاقتصادي، الذي لم يصل إلى 1% في عام 2015، وتقلبات أسعار العملات في الأسواق العالمية، فضلاً عن المعايير المفروضة على لبنان من قبل منظمة OECD والتي يجب تطبيقها قبل نهاية 2017.
الأثر النفطي
كان ممثلو المصارف مستمعين إلى سلامة في معظم وقت اللقاء. قدّر حاكم مصرف لبنان معدّل نموّ الاقتصاد في عام 2015 بأقلّ من 1% مع انعدام للتضخم. وأشار إلى الأثر الانكماشي لتدني أسعار النفط على التحويلات إلى لبنان، متوقعاً أن يتراجع معدل نموّ الودائع المصرفية نظراً إلى المنافسة التي تتعرض لها من المصارف الخليجية. ويمكن تفسير كلام سلامة من خلال ارتفاع العجز في موازنات دول الخليج وتخصيص مبالغ أكبر لتمويل الحرب في اليمن ولجوء بعضها إلى إجراءات ضريبية جديدة على الاستهلاك في محاولة لتحسين الإيرادات... إلا أن تزامن الحرب مع انخفاض أسعار النفط انعكس سلباً على إنفاق دول الخليج الاستثماري وأثّر ذلك بدوره على المشاريع وعلى مدّة تنفيذها والوظائف التي تخلقها.
محلياً، ينعكس مجمل هذا الوضع بصورة مختلفة. فما بات معروفاً أن لبنان يعتمد على التدفقات المالية الخارجية لتمويل الاستيراد. هذه التدفقات تصبّ لدى القطاع المصرفي، ثم يحوّل قسماً منها إلى الدولار يمتصّه مصرف لبنان لتكوين احتياطاته بالعملات الأجنبية، ويذهب قسم منها إلى الاكتتاب بسندات الخزينة وبشهادات الإيداع... وبالتالي فإن معدّل نموّ الودائع يعدّ مؤشراً حيوياً لاستمرارية هذا المسار.
لم يغفل سلامة الإشارة إلى عجز ميزان المدفوعات، الذي بلغ 3 مليارات دولار في عام 2015 «منها مدفوعات الدولة بالدولار بقيمة 1.8 مليار دولار (والتي يفترض أن تكون لتمويل شراء الفيول)». غير أن أزمة انخفاض أسعار النفط وأثرها على لبنان، لا تنتهي عند هذا الحدّ، إذ يشير سلامة إلى أن «التوقعات تشير إلى استمرار أزمة النفط (سعر البرميل أدنى من 30 دولاراً) خلال عام 2016 بسبب ضعف النمو في الاقتصاد الصيني، ويرتبط بهذا الواقع خسائر قد تسجّلها المصارف التي موّلت شركات النفط الصخري، ما يوجب الحذر في التعامل من قبلكم».
"التوجّه في الخارج إلى الرقابة المتشدّدة على العمليات مع لبنان"

المضاربات على العملات
ومن أبرز النقاط التي أثارها سلامة أمام المصارف، تلك المتصلة بالتقلبات في أسعار العملات. سلامة كان قد حضر المؤتمر الأخير لمحافظي المصارف المركزية، وتبيّن له أن تقلبات أسعار العملات أمر متوقع «نظراً إلى تقلص إمكانات التدخل في الأسواق بعد استنفاد آلية الفوائد التقليدية واللجوء المتزايد إلى توسيع ميزانيات المصارف المركزية من خلال آلية شراء السندات». أي أن الدول التي تحتاج إلى استقطاب الأموال لم تعد قادرة على استعمال أسعار الفائدة كأداة للاستقطاب بعدما استنفدت الأموال الاحتياطية المتوافرة لديها على إنقاذ المتعثّرين في الأسواق أو من خلال برامج دعم يستفيد منها المتعثرون والمفلسون، ولذا فقد عمدت المصارف المركزية إلى توسيع ميزانياتها من خلال إصدار سندات تستهدف استقطاب الأموال، وبالتالي فإن المضاربة على أسعار العملات باتت متاحة أكثر، في ظل ضعف المصارف المركزية.

إلغاء الأسهم لحامله
أثار ممثلو جمعية المصارف بنداً يتعلق بالتعديلات الجارية على قانون الإجراءات الضريبية لجهة تسجيل «الأسهم لحامله». الجمعية قالت إن تسجيل الأسهم لحامله أمر غير عملي، وإنها تسجّل عند حضور أصحابها الجمعيات العمومية وتحفظ في سجلات الشركات. لكن سلامة رأى أن هذه الفئة من الأسهم يجري إلغاؤها في العديد من الدول نظراً إلى صعوبة تحديد أصحاب الحق الاقتصادي لحامليها وللحؤول دون استعمالها من قبل مبيّضي الأموال. وأشار إلى أنه يفضّل عدم قبولها في حسابات المصارف رغم معرفة المصارف بأصحابها، ويندرج ذلك في سياق المعايير الدولية للـ OECD والمطلوب الإبلاغ عن الالتزام بها حتى عام 2017. «وللعلم، فإن صيغة الأسهم لحامله غير مسموح بها في الشركات العقارية ولا في ملكية المصارف. إننا أمام ثقافة جديدة في العالم ويجب الانخراط فيها».

رقابة متشددة
وجاء الموضوع الأبرز في ختام هذا اللقاء. فقد أعلمت الجمعية سلامة بمضمون وأهداف الزيارة الروتينية للولايات المتحدة. المصارف اعتادت أن تكلّف وفداً مختصاً من مجلس إدارة الجمعية ضمن جدول أعمال يهدف إلى لقاء المصارف الأميركية المراسلة للمصارف اللبنانية، فضلاً عن لقاءات في الاحتياط الفدرالي الأميركي، ومع أعضاء في الكونغرس من أصل لبناني، وأعضاء في لجنة الخدمات المالية والمصرفية.
موقف الحاكم في هذا المجال كان واضحاً. فقد أوصى المصارف بالإبقاء على التواصل مع المصارف المراسلة وخصوصاً مع مسؤولي الامتثال، ونصحهم بزيارة أقسام التحقق لدى المصارف المراسلة إفرادياً لنسج أفضل علاقات للعمل معهم «فالتوجّه في الخارج إلى الرقابة المتشدّدة على العمليات مع لبنان». سلامة يعتقد أن تنظيم الزيارات للولايات المتحدة «إيجابية بمعزل عن كل ما يقال وهي لمصلحة لبنان وقد حمتنا من الـDe Resking الذي طاول دولاً وضعها أفضل من وضعنا».
يفسّر بعض الخبراء عبارة سلامة حول الرقابة المتشدّدة، بالإشارة إلى القانون الأميركي الذي أقرّه الكونغرس والذي يفرض على المصارف المتعاملة مع حزب الله أو المؤسسات التابعة له، أو الأشخاص الذين يمثّلون واجهات لتعامل كهذا، عقوبات مالية تفضي أولاً وأخيراً إلى إقفال المؤسسة المالية أو المصرف. القلق في لبنان من التداخل الكبير بين حزب الله والبيئة الشيعية التي أفرزت رجال أعمال ومستثمرين وتجاراً.