تتسارع مؤشرات الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها كيان العدو الإسرائيلي بسبب وباء كورونا، ومن أبرزها ارتفاع نسبة الدين العام من الناتج المحلي، ودخول الأخير مرحلة الانكماش، في وضع ينسحب أيضاً، وفق التقديرات، على ارتفاع نسبة العجز في الموازنة العامة، وعودة نسب البطالة إلى التحليق بعدما نجحت حكومة بنيامين نتنياهو في تخفيضها إلى مستويات غير مسبوقة. لذلك، من الواضح أنه لو استمر هذا المسار، ستكون له تداعياته الاجتماعية والسياسية والاستراتيجية الكبيرة على إسرائيل. كما أنه لا يوجد تقدير موحّد إزاء مواعيد وسبل الخروج من هذه التداعيات، فثمة من يقدر أن إسرائيل ستستعيد انتعاشها في أواخر 2021، لكن أكثرهم تفاؤلاً يرى أنها ستخرج نهاية العام الجاري من أزمتها. وتتعدّد هذه التقديرات باختلاف النظرة إلى مُحدِّدين أساسيين: مدى إطالة الإغلاق، ونوعيته مستقبلاً.مع ذلك، واضحٌ أن الأزمة الاقتصادية الحالية سوف تُلقي بظلال ثقيلة جداً على الاقتصاد خلال السنوات المقبلة. فقبل «كورونا» كانت معدلات البطالة قد وصلت إلى أقل نسبة لها في تاريخ إسرائيل: 4%، ثم ارتفعت بعد انتشار الفيروس إلى 25%، بل تحولت إلى الهاجس الأكبر الذي يطارد الحكومة و«بنك إسرائيل المركزي» في المرحلة التي تلي. ووفق بعض التقديرات، ستبلغ نسبة البطالة مع انتهاء الأزمة نحو 12%، فيما يقدر البنك أن تستقر النسبة عند 6%. في هذا السياق، يكشف تقرير جديد للبنك أن الاقتصاد الإسرائيلي سيشهد هذا العام «انكماشاً غير مسبوق» بنسبة 5.3%، وهي غير مسبوقة في العقود الثلاثة الأخيرة، علماً أن أعلى نسبة انكماش كانت في ذروة انتفاضة الأقصى عام 2002: حوالى 2%.
ينطلق تقدير هذه النسب من معطيات الواقع الحالي، لكن لو استمرت القيود الاقتصادية كما هي إلى تموز/يوليو المقبل، فإن الانكماش سيرتفع إلى 8.8%، وهي نسبة كبيرة جداً على الاقتصاد الإسرائيلي. في النتائج، ستشهد إسرائيل تراجعاً في الطلب الإجمالي بسبب تراجع الاستهلاك والاستثمار، وارتفاعاً في أعداد الشركات المفلسة لانخفاض الطلب الموجّه إليها، مع ارتفاع معدلات البطالة بسبب تسريح الشركات للعمال وعجز الاقتصاد عن خلق وظائف وفرص جديدة، وانخفاض في الإيرادات الضريبية التي تحصّلها الدولة بسبب تراجع الاستهلاك وأرباح الشركات. رغم هذا، وانطلاقاً من سيناريو أن تنتهي الأزمة خلال العام المقبل، يتوقّع «بنك إسرائيل» أن يشهد الاقتصاد في المرحلة التي تلي نمواً مرتفعاً قد يصل إلى 8.7%، لكن نسبة التكاثر الطبيعي خلال هذه المدة تصل إلى حدود 4%، ما سيجعل هذا المستوى من النمو غير كافٍ لتعويض الاقتصاد عن خسائره، بل يحتاج إلى بضعة أعوام بمعدل نمو يتجاوز 4% على الأقل سنوياً.
يتجه الاقتصاد الإسرائيلي نحو انكماش غير مسبوق منذ عقود


البنك لفت أيضاً إلى أن من ضمن ما استند إليه تقديره حدوث انكماش اقتصادي يتراوح بين 5% إلى 6% في الدول المتطوّرة، وبخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية التي تستورد نحو 60% إلى 70% من الصادرات الإسرائيلية، علماً أن «المركزي» أعلن خفض نسبة الفائدة البنكية من 0.25% إلى 0.1%، لكن هذا الانخفاض كان متوقّعاً من دون أي صلة بأزمة كورونا، خاصة بعدما رفعها إلى هذه النسبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وبخصوص العجز في الموازنة العامة، ذكرت صحيفة «كالكاليست» أن التقديرات في وزارة المالية تتحدث عن ارتفاع قد يصل إلى نسبة 10% من حجم الناتج العام، ما يعني ارتفاعاً حاداً في المديونية، بعدما كان سجّل العجز حتى بداية الأزمة عند 4%.
جراء هذه الوقائع، ذكرت صحيفة «ذي ماركر» الاقتصادية أن الأزمة الحالية «شطبت الإنجازات الاقتصادية لأكثر من عقد»، بعدما كان النمو في إسرائيل متسارعاً تقريباً منذ عام 2005، باستثناء مرحلة الأزمة المالية العالمية، «حتى تدنّت نسبة البطالة إلى حضيض لم تبلغه طوال تاريخ إسرائيل». وفي عام 2009، كانت نسبة الدين العام، من حجم الناتج المحلي الإجمالي، نحو 75%. وبحلول نهاية 2019، انخفض الدين إلى 60%، لكن جراء التداعيات الاقتصادية للوباء من الواضح أنه سيعود إلى الارتفاع بنسب كبيرة. ويبقى أن أحد أهم الهواجس التي تسكن مؤسسات القرار في تل أبيب أنها تواجه على مسار موازٍ تحديات وتهديدات متصاعدة في بيئتها الإقليمية، ولذلك تحرص ألا تبدو منكفئة عن سياساتها العدوانية نتيجة انشغالها بالوضع الداخلي، بل تسعى لتعزيز صورتها الردعية وأن تقدم نفسها كأنها غير مكبوحة عن العدوان بفعل وضعها. لكن كل هذه المساعي سوف تتبدّد في اللحظة التي تجد نفسها فيها أمام اختبار عملي بفعل خطأ في التقدير دفعها إلى التورط في تجاوز خطوط حمراء مُحدَّدة.