الحسكة | ترتفع وتيرة النشاط الأميركي والروسي، كل على حدة، لتشكيل جسم عسكري جديد عماده أبناء العشائر في محافظتَي الحسكة ودير الزور، شمال شرق وشرق سوريا، للحصول على أكبر دعم عشائري ممكن في إطار الكباش العسكري والسياسي المستمر بينهما هناك. وفي وقت يتركّز فيه النشاط الأميركي على دير الزور لأهميتها الجغرافية والاقتصادية وملاصقتها الحدود العراقية ومناطق النفوذ الإيراني، ولاحتوائها على أغنى آبار النفط، يتركّز الاهتمام الروسي بالحسكة بصفتها منطقة شهدت حراكاً مناهضاً للوجود الأميركي، وتشكل أرضية جاهزة لتمدد النفوذ الروسي.مع أن النشاط الأميركي ليس جديداً تماماً، فإن ما تظهره الأيام هو حرص واشنطن على السيطرة على ما يعرف بـ«طريق النفط» الذي يربط المنطقة من رميلان، مروراً بتل حميس والهول، وصولاً إلى الشدادي وريف دير الزور، لكن هذه المرة بقوات جديدة لا ترتبط بـ«قسد»، بل بالعشائر وأبناء المنطقة. بدأت هذه النية تتكشّف أوضح مع إعلان أميركي العزمَ على تشكيل قوة محلية للعمل إلى جانب «التحالف الدولي»، بإشرافه وتدريببه. وتركّز الولايات المتحدة على المقاتلين الذين أنهت التعاقد معهم استجابة لقرار رئيسها دونالد ترامب ــــ الذي عاد وتراجع عنه عملياً ــــ الانسحابَ من سوريا العام الفائت، إضافة إلى أبناء العشائر في الحسكة ودير الزور. ويمكن قراءة أهدافها من هذه القوة في ثلاثة اتجاهات:
ــــ مواجهة محاولات توسّع النفوذ الروسي
ــــ المساهمة في كبح النشاط العسكري المتزايد لخلايا تنظيم «داعش»
ــــ منع أيّ تمدّد للحضور الإيراني في البادية باتجاه شرق الفرات.
المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر مطّلعة على الملف تؤكد أن مسؤولين من «التحالف» في سوريا التقوا على نحو منفصل مع قيادات من «قسد» ومجلسَي دير الزور العسكري والمدني، إضافة إلى وجهاء العشائر هناك، لبحث خطط جديدة لتوسيع الحضور العسكري في المنطقة. كما أبلغت واشنطن «قسد» أنها تريد تشكيل قوة محلية لتكون قوة عسكرية تساند قوات «التحالف» في حراسة المنشآت النفطية والقواعد العسكرية، وتنفيذ الحملات ضد خلايا «داعش»، فيما أخبرت العشائر أنها تعمل على قوة من «المكوّن العربي» في دير الزور لتكون مستقلة عن «قسد»، وتشكل نواة لجسم عسكري عربي سيكون له اليد الطولى في دير الزور لاحقاً.
في هذا السياق، تنقل مصادر محلية أن «الأميركيين تواصلوا مع عدد كبير من الشخصيات العشائرية للحصول على دعمهم في المشروع الجديد»، مشيرة إلى أن «الأميركيين تحدثوا عن مخاوف من عودة داعش إلى المنطقة، لكنهم أشاروا إلى ضرورة مواجهة أي محاولات تمدّد للروس والإيرانيين». ويقول مصدر عشائري لـ«الأخبار»، إن «الشخصيات العشائرية طلبت من واشنطن منح أبناء المكوّن العربي صلاحيات عسكرية ومدنية، والتخفيف من استحواذ الأكراد على مفاصل الحياة في دير الزور»، كاشفاً أنهم عرضوا «راتباً شهرياً يصل إلى 350 دولاراً لحملة الشهادة الابتدائية والإعدادية، و400 و450 لحملة الشهادة الثانوية وخرّيجي الجامعات». ويشير المصدر إلى أنه «على الأرجح سيكون العدد المراد تطويعه مفتوحاً... على أن يتم تدريبهم في معسكرات خاصة بالتحالف في حقلَي العمر وكونيكو في دير الزور، ومديرية حقول الجبسة وكم البلغار في الحسكة».
تسعى واشنطن إلى تشكيل قوة جديدة لحماية «طريق النفط» الحدودي


وفعلاً، وصل خلال اليومين الماضيين 12 خبيراً عسكرياً من «التحالف» إلى مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي قادمين من الحسكة، للاطلاع على بعض المناطق في قريتَي الجزرة وحاوي الهوى، ومحيط مدينة الطبقة، وذلك لإعادة تموضع قوّاتهم فيها، وفق تنسيقيات المسلحين. وأضافت التنسيقيات إن القوّات الأميركية «تعمل على إعادة الانتشار في أرياف الرقة، وتوسيع نقاطها في ريف الحسكة، لمنع تمدد القوات الروسية والجيش السوري».
النشاط الأميركي يقابله نشاط عسكري واجتماعي روسي في الحسكة هدفه الاستحصال على دعم عشائر المنطقة أيضاً، بالتوازي مع استمرار الخطوات لتوسيع الحضور العسكري في منطقة الجزيرة السورية. وعملت موسكو أخيراً على تثبيت قاعدة لها في مساكن الضباط في مطار القامشلي، مع معلومات عن نية روسية لتوسيع المطار ليكون القاعدة العسكرية الجوية الثانية كبراً لروسيا على الأراضي السورية، بعد مطار حميميم. وتستغل موسكو المزاج الأهلي المناهض لواشنطن في تلك المنطقة لتوسيع نفوذها، كما تبدي اهتماماً خاصاً بتشكيل جسم عسكري مشابه لـ«الفيلق الخامس» (أنشأه الروس في الجنوب السوري من عناصر الفصائل المسلحة)، قوامه من أبناء العشائر العربية، ليكون قوة رديفة تعمل بتدريب وإشراف روسي، على أن يجري تدريبهم في معسكرات تابعة للجيش السوري.
لتطبيق ذلك، عقد ضباط روس عدة اجتماعات مع شيوخ ووجهاء عشائر قبيلة طي في ريف القامشلي، وآخرها اجتماع في قرية جرمز، لمناقشة تشكيل القوة العسكرية الجديدة. ويتحدث مصدر عشائري واكب الاجتماعات الروسية مع العشائر، لـ«الأخبار»، عن تفاصيل النقاشات التي حصلت، ويؤكد أنهم «تبلّغوا رغبة الروس بتشكيل جيش عشائري، واستعدادهم لتقديم كل الدعم اللازم لتحقيق هذه الخطوة». ويبيّن المصدر أن «العشائر طالبوا بوضع حد لاستفزازات قسد والأسايش والاعتقالات التعسفية التي يقومون بها ضد أبناء العشائر»، لافتاً الى أن «الطرفين اتفقا على ضرورة عدم القبول باستمرار تفرّد قسد والأميركيين بالتحكم بحقول النفط والغاز لكونها ثروة وطنية لكل السوريين».
أمام هذا الواقع المستجد، لا تبدو واشنطن قادرة على الحصول على دعم عشائري كافٍ لتشكيل جسم عسكري كبير، لأسباب تتعلق بالمخاوف التي تسكن العشائر العربية من تكرار الخذلان الأميركي لهم، مثلما صار مع الأكراد حين قرر ترامب الانسحاب العام الماضي ولم توف واشنطن بوعودها منح سلطات مدنية وعسكرية لهم. في المقابل، يرجّح أن تستفيد موسكو من ولاء أبرز الوجوه والشخصيات التي لها امتداد تاريخي واجتماعي لدمشق، لاستثمار ذلك في تشكيل جيش عشائري يحمي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من جهة، ولتشكيل ضغط اجتماعي وعشائري ضد الأميركيين من جهة أخرى. كما ترى دمشق وموسكو أن تشكيل جيش عشائري سيغيّر الصورة التي سعى الإعلام الغربي إلى تكريسها عن كون المكون الكردي هو المسيطر والأبرز في المنطقة الشرقية، الأمر الذي ينافي الواقع، حيث للعشائر حضور واسع في الحسكة ودير الزور ينافس الحضور الكردي.