مثّلت تداعيات فيروس «كورونا» توقيتاً سيئاً لـ«حرب الأسعار» السعودية ـــ الروسية. لكن انتهاء المعركة، بعد مرور شهر على انهيار اتفاق الخفض المنسّق لإنتاج النفط، والمعمول به منذ بداية عام 2017 ضمن تحالف «أوبك+»، لا يبدو أكيداً، في ظلّ عدم وضوح نتائج اجتماع دول المجموعة المرتقب يوم غدٍ الخميس، سوى من خلال تصريحات سعودية وروسية لا تزال ترى في التحالف مخرَجاً مِن الأزمة، وأخرى أميركية تسعى إلى طمأنة قطاع الطاقة المتضرّر بشدّة لديها.وبينما تتعدّى سُبُل الحلّ مسار تحالف «أوبك+» بشكله الراهن (يضم دول «أوبك» ومنتجين مستقلّين بقيادة روسيا)، ثمّة سيناريوات ثلاثة تلوح في الأفق لحلٍّ أوسع وعلى مدى أبعد. هذه السيناريوات قد تنتهي: إمّا إلى توسيع «أوبك+» ليضمّ الولايات المتحدة ودولاً أخرى مثل كندا والبرازيل (وهو مطلبٌ روسي عبّر عنه أكثر من مسؤول)؛ أو إلى خروج روسيا لينشأ تحالف أميركي - سعودي يضمّ دولاً حليفة (هذه الفكرة، وهي من بنات أفكار مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض، جُمِّدت راهنا، وإن كان مجرَّد طرحها يسلّط الضوء على عمق الأزمة التي تواجه صناعة النفط العالمية وتنامي أهميتها بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي)؛ وإما إلى ذهاب ترامب إلى خيار إجبار الرياض على تَحمّل الحصّة الأكبر من أعباء خفض الإنتاج.
وبعيداً من الحماسة التي أبدتها السعودية لجهة الاتفاق، واستعدادها التراجع عن خيار إغراق السوق، مترافقاً مع إرجائها طرح الأسعار الرسمية لشهر أيار/ مايو في انتظار مخرجات الاجتماع، فإن ذلك لا يعني، حسب الخبراء، نهاية الأزمة، وخصوصاً في ظلّ دخول الطلب العالمي على النفط دوّامة هبوط حادّ غير معروف مداها، تتراوح بين 25 و30% (25 إلى 30 مليون برميل يومياً)، بفعل إجراءات العزل التي فرضها الوباء. هذه النقطة تحدّث عنها بوضوح رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، الأسبوع الماضي، بالقول إن الأمر سيستغرق «وقتاً طويلاً» للتخلّص من فائض المعروض العالمي.
إزاء تحوّل «الحرب» إلى أزمة، انتقلت من مرحلة الهجوم على روسيا بعد قرار الأخيرة الانسحاب من اتفاق خفض الإنتاج، إلى مرحلة البحث عن حلٍّ مرضٍ لكلا الطرفين، بعدما فشلت رهانات الرئيس الأميركي الخارجية بالضغط على موسكو للالتزام بمقترحات «أوبك» بما يتناسب مع أسعار تحفظ لواشنطن مكانتها في السوق. وأيضاً فشل رهاناته الداخلية للاستفادة مِن النفط الرخيص، سواء بملء خزانات احتياطي النفط بالكامل، ومنح شركات النفط إعفاءات ضريبية وقروضاً بلا فوائد، أو حتى الاستفادة من سعر البنزين الرخيص في إطار حملته الانتخابية، بعدما بات أمام الرأي العام في موقع المسؤول عن تصرفات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ولا سيما أنه رحّب في البداية بوصول الأسعار إلى مستوى «لم أكن أحلم به من قبل».
أمام ذلك، تبدو موسكو في موقف قوي، حتى الآن، على رغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها. لكن، في ظل تزايد خسائر شركات النفط الصخري التي تحقّق خمس شركات منها فقط أرباحاً في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تراهن على ضغوط ترامب على الرياض لدفعها إلى التراجع، مع العلم أن ردة فعل الرئيس الأميركي قد تكون أعنف قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية. لكن، وإن لم ينجح ذلك وأدّى بالتالي إلى تغيير استراتيجي في العلاقة بين واشنطن والرياض، سيترقّب الروس حينها مغادرة شركات النفط والغاز الصخري الأميركي للسوق، ما من شأنه تعافي الأسعار من جديد. ويمكن أن تصل، بحسب الرئيس التنفيذي لـ«روسنفت»، إيغور سيتشن، إلى 60 دولاراً للبرميل.

إلى تحالف ثلاثي؟
ربما تنجح الإجراءات السعودية في إعادة روسيا إلى طاولة «أوبك+». لكن الهدف المراد، وهو اتفاق يضمن تحرّكاً مشتركاً لخفض 10 ملايين برميل يومياً، كما أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين، يبدو، بحسب الخبراء، صعب المنال من دون إشراك باقي المنتجين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. أبدت موسكو استعداداً للتعامل مع واشنطن، بعدما كانت ترفض تدخّلها كوسيط. ويبدو دخول الأخيرة على الخط كشريك، بالنسبة إلى كل من روسيا والسعودية، ضرورة أيضاً لتحقيق ذلك الغرض، برغم أن خفض الإنتاج العاملي بـ10% لن يكون كافياً لموازنة السوق المُتخمة، نظراً إلى الانخفاض الهائل في الطلب على الخام، في موازاة امتلاء خرانات الاحتياطي حول العالم على آخرها. يعزّز اتجاه الاتفاق الثلاثي تأكيد المدير العام للصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، كيريل دميترييف، أول من أمس، «نحن قريبون أكثر مما يعتقد الكثيرون»، وكشفه عن أن بلاده «تعمل بشكل وثيق مع واشنطن كي تنضم إلى الاتفاق النفطي الجديد». لكن، إلى حينه، تبدو الفكرة بعيدة عن ذهن ترامب، الذي يؤكد استعداده الانضمام إلى السعودية وروسيا، إذا تطلّب الأمر، في المحادثات الجارية لا أكثر. وقد عبّر عن رفضه هذا الخيار، السبت الماضي، بالقول إن الولايات المتحدة «لن تنضم إليهم... لا أعبأ في شأن أوبك»، والإشارة، يوم أمس، إلى أن دول المنظمة لم تضغط عليه ليطلب من منتجي النفط في الولايات المتحدة خفض إنتاجهم لدعم أسعار الخام العالمية، لكنّه أضاف أن إنتاج النفط الأميركي انخفض تلقائياً، على أيّ حال.
تبدو موسكو في موقف قوي، حتى الآن، رغم الخسائر الكبيرة


ضيق خيارات ترامب، في حال رفض شراكة ثلاثية مع الرياض وموسكو في توزيع الحصص السوقية، قد يدفعه إلى القبول بها في نهاية المطاف، أو الاتجاه في أحد خيارين صعبين إذا أصرّت موسكو على موقفها في الاجتماع المقبل:
الأول؛ الذهاب نحو تشكيل تحالف نفطي أميركي ـــ سعودي، من شأنه، بحسب مراقبين، جعل السعودية والولايات المتحدة تستحوذان، وحدهما، وبإنتاجهما الحالي، على حوالى 25% من السوق النفطية، ومع انضمام منتجين آخرين إلى هذا الحلف سترتفع النسبة، بما يسمح للبلدين باكتساب تأثير كبير في تحديد الأسعار. وعلى الرغم من أن المشروع، المُجمَّد راهناً، طُرح بالفعل في أروقة البيت الأبيض، إلا أن خياراً من هذا النوع يبدو مستبعداً في الوقت الحالي، ولا سيما أنه من الصعب جداً أن تنسّق الولايات المتحدة خفضاً إنتاجياً مع بلد آخر، كون شركات النفط ليست مملوكة للدولة.
أما الخيار الثاني؛ فهو ذهاب ترامب إلى إجبار السعودية على وقف «الحرب» وفرض رسوم جمركية على واردات النفط، وبالتالي إجبارها على أخذ عملية خفض الإنتاج على عاتقها وحلفائها بعيداً مِن روسيا، بغضّ النظر عن الخسائر الكبيرة والمخاطر المحتملة، بما لها من تأثير على علاقة البلدين الاستراتيجية. وهو خيار مستبعد أيضاً، لكونه يتطلّب أولاً تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية، بالنظر إلى ارتباط المشاريع الأميركية في المنطقة بالسعودية، وثانياً لكونه يستدعي تعاوناً روسياً - أميركياً في نهاية المطاف.



الإعلام السعودي: الحلّ بانضمام واشنطن
ركّز الإعلام السعودي شبه الرسمي، في الآونة الأخيرة، بشكل يبدو منسّقاً، على فكرة أن لا حل سوى بدخول الولايات المتحدة في نادي «أوبك+»، والخضوع لقرارات التخفيض. الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي، محمد البيشي، في حوار مع قناة «روسيا اليوم»، قال: «الحل مرهون بموافقة الولايات المتحدة على المشاركة في سياسة خفض الإنتاج، في حال قبلت روسيا أن تتقاسم هذا الخفض بشكل واقعي مع الرياض».
وفي الاتجاه ذاته، رأت المحللة شيرين دمج، في حديث إلى قناة «العربية»، أن «أوبك بلاس لا تستطيع وحدها خفض إنتاج النفط بما يتراوح بين 10 ملايين و15 مليون برميل يومياً»، معتبرةً أن «خفض الإنتاج العالمي بهذه الكمية، يتطلب مشاركة منتجين خارج أوبك بلس، مثل الولايات المتحدة». من جهته، أكد الخبير النفطي، كامل الحرمي، في حديث إلى القناة ذاتها، أن «أوبك» لا تستطيع أن تخفض إنتاجها بنحو 3 ملايين برميل يومياً، لتعيد التوازن إلى السوق الذي فقد توازنه بسبب تراجع الطلب الصيني. وبدا لافتاً تكرار عنوان «هل تنضم أميركا إلى أوبك بلس في تخفيض إنتاج النفط؟» في أكثر من وسيلة إعلامية. وذكرت «العربية» تحته أن «هناك من يرى أن أي تخفيضات فعالة يجب أن تشمل الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم حالياً». وسرد عبد العظيم محمود حنفي، في صحيفة «الخليج»، تحت العنوان ذاته، ملخّصات لبعض البحوث الأميركية التي تتحدّث عن احتمالات انضمام أميركا إلى منظمة «أوبك»، «لتقود مع حلفائها في المنظمة الدفة في التحكم وضبط أسعار النفط العالمي».