سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | ثلاث سنوات على الجحيم السوري. لا ربيع ولا خريف ولا صيف ولا شتاء. إنه الجحيم بحدّ ذاته. ليس من خبر في سوريا من دون موت. أعداد قتلى وحجم من الدمار. فقر وعوز ونزوح وهجرة. لا صورة غير تلك التي ترسم أشلاء ناس أو أمكنة أو ملامح دولة. وبعد كل ذلك، هل من يراجع نفسه؟ هل من يحاسب؟ وهل من يجرؤ على التقدم صوب مساءلة تستهدف توزيعاً عادلاً للمسؤولية عمّا حصل؟
الانقسام السياسي الحاد الظاهر على السطح له جذره بين الناس. ربما لم يعد الانقسام يمثل حقاً مزاج الشارع التائق الى حياة آمنة. لكن الانقسام يخفي ما هو أخطر في مآل السوريين. هو الانقسام الذي يخفي التعسف، ويخفي التعامل مع الأعداء، ويخفي الانسلاخ عن الهوية الوطنية، ويخفي الهروب من كل أنواع السلطات، ويخفي استسهال إدخال الخارج في لعبة تعيش على دماء السوريين.
ليس من أحد على وجه الكرة الأرضية قادراً اليوم على ادّعاء قدرة على وصل ما انقطع. وليس من أحد قادراً على بث الأمل بحياة أفضل. وليس من أحد، داخل سوريا نفسها، قادراً على جمع الناس تحت راية واحدة. وليس هناك من يقدر على فرض قانون واحد، وسلطة واحدة، وولاء واحد على السوريين.
لكن معركة سوريا المشتعلة ليست كلها جنوناً. فيها نار لا تترك مجالاً لهواء نظيف. لكنها ليست كلها من دون مقابل. ولأن الحياد في سوريا اليوم يمثل الهروب من المسؤولية، فليس بمقدور من يدّعي الحاجة الى تغيير أن يقف على الحياد. ليس من تل يقف عليه أحد لينتظر جولات المتقاتلين. ليست سوريا امرأة تنتظر مبارزة لتربح المنتصر. سوريا اليوم مدن من طابقين. واحدة سفلية تتسع لكل أنواع الموتى. وثانية من فوق، ستكون مضطرة إلى استقبال من بقي على قيد الحياة.
أمام الناس والسلطة واجبات كثيرة. ولا إمكانية لتأجيل شيء بحجة أنه زمن المعركة فقط. وكل سوري يتخلف عن تحمل مسؤوليته التاريخية اليوم، سيجد نفسه يدفع الثمن، هو نفسه، والأبناء والأحفاد، إن تأخر زمن الحساب. والمسؤولية تقتضي، أولاً وقبل كل شيء، وقف النار. وقف النار بأي ثمن. وليس على ما يقول المقاتلون، من أنهم لن يرموا البندقية إلا متى حصلوا على مطالبهم. لم يعد هناك من معنى لأي مطلب في أرض تحرق وتدمر ويقتل أهلها كل يوم وكل ساعة.
نحن الذين نعيش خارج الدائرة الاولى من النار، لسنا خارج الأزمة، ولسنا خارج دائرة الحساب. أما الذين يعيشون بعيداً، قليلاً، فلن يتأخر الوقت حتى تصلهم ألسنة اللهب، قبل أن تندلع النيران في قلب منازلهم.
ولأن الحقيقة واضحة الى هذا الحد، ولأن الحياد ليس خياراً، يمكن قول الآتي:
ــ إن سوريا تهم كل الناس، ولكل الناس دورهم في حماية هذا البلد. ومن أخطأ في فهم سوريا والسوريين واستعجل تغييراً على طريقة ممالك القهر، عليه العودة الى الوراء، والتصرف بطريقة مختلفة. وإذا ما ظل يمسك بحبل نجاة وهمي، يقدمه له غرب استعماري، وخليج متخلف، وعدو متعطش، فلن يبقى له مكان في أي سوريا ستقوم.
ــ إن سوريا بلد لكل أهله. ومن يعتقد من أهل الحكم هناك أن الانتصار يعني هزيمة قسم من الشعب، فهو يتصرف على أساس أنه لن يحكم إلا قسماً من شعب سوريا. ومتى اقتنع النظام بأن سوريا بلد موحد، يعي أن التغيير صار ممراً إلزامياً لحفظ وحدة البلاد واستقرارها. وهذا التغيير يجب أن يكون مطابقاً لآمال الناس، وليس وفق ما يظن النظام أنه تغيير مناسب للناس.
إن سوريا تنتظر مرحلة قاسية جداً. فيها تفقد الجسد، والسؤال عن مفقود، وزيارة ضريح فقيد، وفيها التعوّد من جديد على إلقاء تحية الصباح على جار من دون السؤال عن اسمه وطائفته ومذهبه، وفيها أيام من الشح والفقر، وأحزمة مشدودة لشعب سيقتصد أكثر حتى يعيش جيله المقبل براحة أكثر. ومتى أدرك السوريون حقيقتهم القاسية هذه، وأن بقاء الدولة سابق على شكل النظام، فسيفهمون معنى تلبية النداء: ألقوا السلاح!