عودة الى مقترح شربل نحاس. والمسألة، هنا، لا تتعلق بموازين القوى فقط، بل بالقدرة على إنتاج حلول ممكنة. الرفيق شربل يرفض أن يلعب دور المستشار. هو، هنا، يعتبر أن المشاركة في إنتاج الحل من خارج السلطة نوع من الاستشارة في خدمة سلطة فاقدة للشرعية الاخلاقية والشرعية القانونية. وبالتالي، يصرّ على أن المشاركة في إنتاج الحلول، تتطلّب تكويناً من نوع مختلف للسلطة.قد يكون من الصعب، وفق موازين القوى القائمة، الأخذ بمقترحه إعادة تكوين السلطة بالتوافق بين جميع اللاعبين. الجميع ممن تعاقبوا وخرجوا أو استمروا، ليسوا في وارد التنازل طوعاً، وما حمله حراك 17 تشرين لا يقود الى إبعادهم. وما يجري اليوم في العالم، وفي بلادنا، لا يؤشر إلى استعداد اجتماعي لقلب الطاولة.
لكننا نقف، اليوم، أمام حكم مكوّن من قوى وجهات لها جذورها القوية في المجتمع، وتمثل غالبية القطاعات المؤثرة في حياة الناس. وهو حكم قادر على خلق وقائع، ولديه قوة دفع اسمها المزاج العام الذي قام بعد حراك 17 تشرين. وهي فرصة جدية للأخذ بعناوين مقترح شربل نحاس. وأهم ما فيه الآتي: التوزيع العادل للخسائر على جميع اللبنانيين!
هذا يعني، ببساطة، أن على من بيده القرار اليوم، وتحديداً على فريق الرئيس حسان دياب، المبادرة الى خطوات تتجاوز ورشة الاستطلاع الواسعة التي قامت بها الحكومة خلال الأسابيع الماضية. صار لزاماً على الحكومة المبادرة الى خطوات يجري أصلاً البحث فيها، لناحية إعادة تنظيم دورة العمل في القطاعين العام والخاص. لكن خطوة أساسية لا تزال ناقصة، تمثل مرحلة جوهرية في المشروع العاقل لشربل نحاس، وهي القيام بالجردة.
اليوم، يكتشف الوزراء الجدد، ومن معهم من مساعدين، كما فريق الرئيس دياب، حجم الكوارث في الإدارة العامة. وكل الأبحاث والمناقشات حول الخطط المالية والاقتصادية، تكشف عن الكوارث الكبرى في القطاعات الاقتصادية والمالية والإنتاجية. اليوم، لدى كل هؤلاء فكرة عن حقيقة الوضع. لكن ذلك لا يكفي. من يرُد اتخاذ القرار، بحاجة الى معطيات كاملة بين يديه، وهذا يعني أنه بحاجة الى هذه الجردة. وهي مهمة قاسية ودقيقة وصعبة. لكنها ليست مستحيلة. والأهم، أنه من دونها لا مجال لقرارات عاقلة، ولا مجال لمواجهة حيتان الطوائف والفساد الذين يؤلفون الدولة العميقة في لبنان اليوم. ومن دون هذه الجردة، لا يمكن توزيع المسؤوليات، قبل الدخول في مرحلة توزيع الخسائر.
الجديد، أن الغالبية الكبيرة من القوى السياسية لا تزال تمارس الألاعيب ذاتها. فريق الرئيس نبيه بري يتهم جبران باسيل بأنه يدير الحكومة بكل تفاصيلها، وأن الترشيحات للمناصب الشاغرة في مؤسسات مصرف لبنان تعكس نفوذه. في المقابل، ينفي باسيل كل هذه الحكاية، بل يشكو من أنه لا يتم الاستماع اليه حتى من الفريق الوزاري الذي تولى هو ترشيحه. أما رئيس الحكومة فيحاذر الى الآن الجهر برأيه الكامل، وإن كان صار يلمح الى شعوره بوجود عرقلة منظّمة من القوى السياسية. والى جوار هؤلاء، تقف كل الطبقة السياسية في الدولة على الناصية تراقب ما يحصل، وتستعد للانقضاض على الحكومة متى أتيحت لها الفرصة. وتكفي مراجعة سلوك سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع لفهم هذا الموقف.
من يتخيّل عودة الناس الى الحراك بصورته السابقة يكن جاهلاً بتاريخ الناس وتاريخ هذا البلد


عملياً، نحن على عتبة مرحلة حاسمة من عمر هذه الحكومة. وإذا لم يخرج فريق الرئيس دياب بحل حقيقي للشروع في مرحلة القرارات القائمة على معطيات دقيقة، فإن كل الغبار الذي تثيره عاصفة كورونا لن ينفع في حماية أو تغطية أحد. ومن يتخيّل عودة الناس الى الحراك بصورته السابقة يكن جاهلاً بتاريخ الناس وتاريخ هذا البلد. كل التعب، وكل القهر، لا يقود إلا الى الفوضى القاتلة التي تنافس كورونا في الانتشار والفعالية.
ولأن الأمر متصل بواقع الحكومة، فإن المسؤولية لا تتعلق فقط بالرئيس دياب وفريقه، بل تقع أساساً على عاتق القوى الحاملة والرافعة لهذه الحكومة. ثمة حاجة الى جلسات نقاش ومراجعة بين ثلاثي التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله. وهي مراجعة لا تنفع معها توصيات «التباعد الاجتماعي» بين البشر، بل تتطلب مغامرة وتنازلات، وإلا، فلن يجد هذا الثلاثي شجاعاً جديداً مثل حسان دياب يقبل بتحمّل هذه المسؤولية.