ساعات قليلة فصلت بين تشييع الشهيد عباس سيف الدين في بلدة النبي عثمان، والتفجير الانتحاري في ساحتها. الانفجار سمعت أصداؤه في أنحاء البقاع الشمالي، وصولاً الى القاع والهرمل. وفي التفاصيل أن سيارة من نوع «غراند شيروكي» رباعية الدفع، يقودها انتحاري، أقدم على تفجير نفسه لدى الاشتباه به واعتراضه من قبل إحدى دوريات الحماية، الأمر الذي يؤكد فرضية أن السيارة لم يكن هدفها المكان الذي فجرت فيه، وأنها كانت متوجهة إلى مكان آخر للتفجير.
فالمعلومات الأمنية الأولية تشير إلى أن الانتحاري سلك طريقاً «لم يحدد بعد»، لكن يرجح أنه أحد الطرقات بين بلدتي الفاكهة ورأس بعلبك باتجاه العين، فالنبي عثمان، وخصوصاً أنها لم تتجه صوب الهرمل. وبحسب شهود عيان، فان إحدى السيارات كان قد ثقب أحد إطاراتها على الطريق الدولية، الأمر الذي لفت انتباه عدد من الأهالي، ما دفع بإحدى دوريات الحماية في حزب الله إلى اعتراض سائقها بقصد سؤاله، لكنه سرعان ما أقدم على تفجير نفسه، ما أدى إلى استشهاد كل من عبد الرحمن القاضي وخليل محمود خليل، في حين نقل 14 جريحاً إلى مستشفيي دار الحكمة والبتول، حال أربعة منهم خطيرة جداً بحسب مصادر طبية.
وأفادت المعلومات بأن لوحة السيارة تحمل الرقم 266963/و، ورجحت مصادر أمنية أن رقم محركها هو «807MX21» وأن زنة العبوة تقريباً حوالى 120 كلغ بالنظر إلى قوة الانفجار التي أدت الى تطاير قطع السيارة المفخخة إلى أكثر من مئة متر، مع إحداث حفرة عمقها 70 سنتيمراً بقطر يتجاوز ثلاثة أمتار، فضلاً عن الدمار الذي لحق بالمباني والسيارات.
وأعلنت «جبهة النصرة في لبنان»، عبر «تويتر» مسؤوليتها عن التفجير، بعدما كان ما يسمى «لواء أحرار السنة في بعلبك»، تبنّاه أولاً. وذكرت «النصرة» أن العملية «رد سريع على تبجّح وتشدّق حزب إيران من اغتصابهم مدينة يبرود بعمليّة استشهاديّة مباركة على منطقة النبي عثمان إحدى أوكار هذا الحزب».
وأثار الانفجار ردود فعل شاجبة، وأعلن رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز إعادة قطع الطريق بين اللبوة وعرسال، «في انتظار رد الفعل والإجراءات التي ستتخذ في ما خص الوضع الأمني». وقال: «طلبنا من أهل عرسال التعاون مع الدولة التي هي قادرة على ضبط كل شيء»، قائلاً: «إما أن تأخذ الدولة حق المواطنين أو سنذهب إلى شريعة الغاب». وأضاف: «سنخرج عرسال من هذه البؤرة السامة».
ولفت وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى أن «السيارة المفخخة التي انفجرت في النبي عثمان كانت قادمة من الأراضي السورية باتجاه عرسال إلى مكان آخر لم تصله بفعل اشتباه عناصر من حزب الله بها». وأشار إلى أننا «سنتصرف في هذه الحكومة بكل مسؤولية وبتضامن مع كل القوى السياسية لمعالجة مربع الموت، الذي يضم مناطق محددة من بريتال، وسنقوم بكل جهدنا لمنع أي ضرر يلحق باللبنانيين نتيجة مثل هذه الأعمال». وقال تعليقاً على التفجير: «ليست مهمتنا التعاون مع أجهزة أمنية خاصة، فنحن نقوم بواجباتنا، والأجهزة الأمنية على أعلى درجات التنسيق وتقوم بواجباتها»، مشدداً على أن «هذه الحكومة بتحالفاتها وطبيعتها وبيانها الوزاري ستفعل الكثير».
وكشف عن اجتماع أمني موسع سيعقد خلال الساعات الـ 24 المقبلة. وقال: «نحن مسؤولون عن اللاجئين السوريين المدنيين ولن نسمح بأي لجوء عسكري».
من جهته، أكد وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر في حديث تلفزيوني أن «الحكومة عليها أن تطلق يد الجيش اللبناني من دون أي تحفظ وفي أي مكان»، مشيراً الى أن «الشعب اللبناني يجب أن يكون على مستوى هذا الخطر وأن نكون في جبهة واحدة ضد الإرهاب».
وأشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد إلى «أننا إذا لم نحارب الإرهاب جميعاً فهو قد يطال كل لبنان». وقال: «ما جرى في النبي عثمان أسقط جرحى، ولكن العناية الإلهية أنقذت لبنان مرة أخرى لأن السيارة التي انفجرت كانت متوجهة إلى منطقة أخرى».
واستنكر مفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي التفجير، متمنياً أن «تتوقف الأمور عند هذا الحد»، واعتبر أنه «لا بد من الحوار بين كل القوى السياسية، فالحوار يجنب لبنان تداعيات الأزمة السورية». وأشار إلى أن «أي أمر يقع لا ينبغي أن يحمّل لبلد معين أو لمجموعة من الناس، بل على الأفراد تحمّل مسؤولية أفعالهم».
حكومياً، حدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري يومي الأربعاء والخميس المقبلين موعداً لانعقاد المجلس النيابي في جلستين صباحية ومسائية لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة بالحكومة على أساسه.
وتعليقاً على مضمون البيان الوزاري لجهة بند المقاومة، اعتبر الرئيس سعد الحريري أن «معادلة الجيش والشعب والمقاومة انتهت، سواء كانت خشبية أو ذهبية، ولم يعد هناك أي مجال للشك بأن سلاح المقاومة أو سواه هو قضية خلافية ستبقى برسم الحوار الوطني والرئيس الجديد».
من جهته، أكد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أن «التسوية السياسية التي لاحت في الأفق، والتي بدأت تباشيرها مع إخراج البيان الوزاري من عنق الزجاجة، يريدها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن تكون مقدمة لتسوية أكبر في البلد».
وقال في احتفال للحزب التقدمي الاشتراكي في الشويفات، لمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لاغتيال كمال جنبلاط :«بعدما وصلنا الى ما وصلنا إليه، ألا يحق لنا أن نسأل باسم وليد جنبلاط: هل أدركتم اليوم أن وليد جنبلاط لا يبحث عن دور ولا يبحث عن أن يكون كما يقول البعض بيضة القبان؟».
من ناحيته، رأى عضو كتلة الوفاء المقاومة النائب علي فياض في احتفال في ميس الجبل، أن الاتفاق الذي حصل في شأن البيان الوزاري «يتناسب تماماً مع أدبيات المقاومة ودورها ورؤيتها لدور الدولة».
وفي مجال آخر، رد فياض على خطاب وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في مراكش، وأكد أنه «لم يحصل من قبل أن بلغ وزير مسؤول عن أمن اللبنانيين هذا المستوى من الانحياز والتشويه والافتراء والتضليل، سواء في الواقع أو في التحليل الأمني، أو في إخفاء المخاطر الحقيقية التي يواجهها اللبنانيون»، معتبراً أن خطاب المشنوق «لم يقتصر فقط على تحميل إيران مسؤولية العنف في دول عربية عدة».
ورأى أن«أخطر ما في خطاب المشنوق، هو تغييبه لدور القاعدة في ممارسة العنف في الساحات، متجاوزاً ذلك إلى شرعنة القاعدة»، متسائلاً: «كيف يحق لوزير مسؤول في الحكومة اللبنانية أن يستغل موقعه الرسمي وصفته التمثيلية للبنان لإطلاق رؤى ومواقف لا تعبر عن رأي الحكومة اللبنانية بمكوناتها وتستفز قسماً كبيراً من الشعب اللبناني وتخفي المخاطر الحقيقية التي تهدد اللبنانيين وتبرر أسبابها ومنطلقاتها ودوافعها».