الحسكة | بعد «الصمود» النسبي للاتفاق الروسي ــــ التركي الأخير، حول وقف إطلاق النار في إدلب، تشهد منطقتا رأس العين وتل أبيض نشاطاً عسكرياً تركياً لافتاً قد يهدف إلى استئناف عملية «نبع السلام»، يقابله وصول تعزيزات عسكرية روسية وسورية إلى المناطق الحدودية. ومع ارتفاع فرص النجاح لتثبيت وقف النار في إدلب، عبر الاستمرار بالخطوات المتفق عليها، لتأمين فتح طريق حلب ــــ اللاذقية الدولي (M4)، بدأت عيون أنقرة تتّجه صوب عين العرب (كوباني) للسيطرة عليها وضمها إلى مناطق «نبع السلام».يكشف دفع أنقرة تعزيزات عسكرية واسعة باتجاه مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين عن نيات لربط مناطق سيطرتها في محافظتي حلب والرقة. وتقدّر مصادر ميدانية، في حديث إلى «الأخبار»، وجود نية تركيّة للعمل على التهيئة لعملية واسعة للسيطرة على مقطع طريق M4 الرابط بين تل أبيض وعين العرب مروراً بعين عيسى، كون «أنقرة تريد السيطرة على منطقة استراتيجية تساعدها على تحقيق رغبة ملحة في ربط مناطق درع الفرات في ريف حلب مع مناطق نبع السلام في ريفي الرقة والحسكة». تمنح هذه الخطة، في حال نجاحها، فرصة لخلق واقع ميداني جديد عنوانه خلق امتداد جغرافي مترابط عسكرياً على الحدود السورية بطول يتجاوز 200 كلم، يمكنها من ربط مناطق سيطرتها من علوك في ريف رأس العين شرقاً حتى جرابلس في ريف حلب غرباً.
هذا العمق، في حال تحقّق، سيمكّن أنقرة أيضاً من التخفيف من حدة الخسارات الميدانية التي منيت بها في ريفي حلب وإدلب، بإعلان «نصر» يخفّض وطأة الانتقادات بحق رئيسها، رجب طيب إردوغان، بعد مقتل عشرات الجنود الأتراك في إدلب. كذلك، يبدو أن تركيا تريد الاستفادة من إخلاء الأميركيين نقاطهم في ريفي حلب والرقة، عقب «نبع السلام»، لشن عملية توسّع فيها سيطرتها هناك. ولعل تأكيد المتحدث الرسمي باسم «التحالف الدولي»، مايلز كاغنيس، خلال مؤتمر عقده في قاعدة «رميلان باشا» في ريف الحسكة الشمالي، أن «مناطق نفوذ التحالف في سوريا باتت محصورة في الحسكة ودير الزور»، هو ما رأت فيه ضوءاً أخضر (أميركياً) للتوسع.
أرسل الجيش السوري والقوات الروسية تعزيزات إضافية إلى الحدود


مع ذلك، لا تبدو هذه الخطوة سهلة، في ظلّ احتفاظ روسيا بنقاط وقواعد في عين عيسى وعين العرب ومنطقة الجلبية على طريق M4، إذ تشكّل عائقاً أمام الخطط التركية الجديدة. وربما إرسال موسكو تعزيزات جديدة إلى القامشلي وعين عيسى في الأسبوع الماضي يترجم موقفها الرافض للتحركات التركية، ويعطي رسالة عن رفض موسكو أي توسع لغريمتها في الشمال. أيضاً، دفع الجيش السوري تعزيزات إلى خطوط التماس مع الجيش التركي في ريفي حلب والرقة، ما يؤشّر على توافق روسي ــــ سوري لمواجهة أي عدوان جديد، بالتنسيق مع «قوات سورية الديموقراطية» التي لا تزال تحتفظ بوجود في تلك المناطق.
تشرح المصادر الميدانية أن «تركيا ضغطت كثيراً خلال اجتماعات الوفود العسكرية المشتركة في أنقرة وموسكو للاستحصال على موافقة الأخيرة على ربط ريف حلب بريفي الرقة والحسكة... الخطّة قوبلت بالرفض الروسي المطلق». تلفت المصادر نفسها إلى أن «روسيا نقلت تأكيدات سورية بمواجهة أي عدوان تركي جديد في الشمال». رغم الرفض الروسي، فإن أنقرة لم تتوقف عن الإيحاء بسعيها إلى التصعيد، بل يمكن أن تشن هجمات على عين عيسى. ويتوقع أن تظهر الجدية التركية بعد الخامس عشر من الشهر الجاري، الموعد المحدّد لتسيير دوريات تركية ـــ روسية في إدلب، ستمهد لفتح M4.
بالتوازي مع ذلك، لقي خمسة جنود أتراك حتفهم، مع ثلاثة عناصر من «الشرطة المحلية» التابعة لفصائل «الجيش الوطني»، إضافة إلى عدد من المدنيين، جراء تفجير انتحاري استهدف سوق بلدة تل حلف في ريف رأس العين. وفق مصادر أهلية، انفجر «بيك آب كيا» كان مركوناً بجانب مبنى بلدية تل حلف ظهر أمس، لتدخل سيّارات إسعاف من الأراضي التركية لإجلاء القتلى والمصابين إلى هناك. وهذا التفجير هو الخامس في تل حلف (3 كلم غرب رأس العين)، كما أن الأربعة السابقة نتجت عن سيارات مركونة في أماكن في البلدة، إضافة إلى انفجار دراجة نارية استهدف السوق. وعادة ما تتّهم تركيا وفصائل «الوطني» الوحدات الكردية بالوقوف خلف هذه التفجيرات، لكن الأخيرة ترد على الاتهامات بالقول إن التفجيرات نتيجة خلافات داخلية بين الفصائل غير المتجانسة التي تحتلّ مناطق في ريفي الحسكة والرقة.