في آذار المقبل تنتهي الاشهر الستة من استدعاء العميد الركن ادمون فاضل من الاحتياط الى الخدمة، كي يستمر في منصبه مذ عين عام 2008 مديرا للمخابرات، في ولاية غير مسبوقة في مدتها لاي من اسلافه ما خلا انطون سعد (1952 ـــ 1964). في ايلول الفائت، بعد استنفاد فاضل سنين خدمته في الجيش بانقضاء 42 عاما واحالته من ثم على التقاعد، لجأ وزير الدفاع سمير مقبل الى اجراء ــــ للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف على مستوى ضابط كبير ــــ يقضي باستدعائه من الاحتياط للالتحاق بالخدمة مجددا عملا بمرسوم رقمه 3354 صدر في 10 نيسان 1992، الرامي الى تنظيم دعوة الاحتياطيين الى الخدمة في الجيش. توسل الوزير ما نصت عليه المادة 3 في المرسوم، واستدعى فاضل بقرار مهره بتوقيعه، على ان تتجاوز مدة الاستدعاء ستة اشهر، بسبب تعذر انعقاد مجلس الوزراء اولا، واستحالة توافقه على تعيين مدير جديد للمخابرات ثانيا، عملا بالمادة نفسها التي تجيز له الاستدعاء من الاحتياط لمدة تزيد على ستة اشهر بمرسوم يصدر عن المجلس.
مع قرب انتهاء مدة الاستدعاء من الاحتياط، الاولى، عاد الخلاف الى قلب المؤسسة العسكرية، وفي الصالونات السياسية، بازاء منصب حساس مهم يتداخل فيه الشق الامني بالشق السياسي. يختلط فيه كذلك الاستقطاب المحلي والخلاف على المرشح البديل مع ما يشاع عن نصائح، اميركية خصوصا، بابقاء القديم على قدمه في مرحلة الشغور الرئاسي وانتظار انتخاب رئيس للجمهورية.
شأن الخلاف الذي نشب في ايلول مع احالة فاضل على التقاعد، قبل العثور على المادة 3 في المرسوم 3354 لتفادي مأزق خلو المنصب واستدعائه تاليا، عود على بدء الآن، على ان يفتح الباب على مصراعيه في الاسبوعين السابقين لانتهاء مدة الاستدعاء من الاحتياط في آذار: يتمسك مقبل بفاضل، بينما يقترح قائد الجيش العماد جان قهوجي مدير مكتبه العميد كميل ضاهر لخلافة المدير الحالي للاستخبارات العسكرية.
فنيش والحاج وحمصي او شريم يملأون شغور المجلس العسكري

على ان استعادة السجال وتحريك الملف باكرا اقترنا ببضعة معطيات:
اولها، اصرار مقبل على وجهة نظر تقول باستمرار تمسك الاميركيين حاضرا، كما من قبل ابان وجود السفير السابق في بيروت دافيد هيل في السنوات الثلاث المنصرمة، ببقاء فاضل في منصبه، في مقابل وجهة نظر مغايرة يقول بها قهوجي هي انهم اصبحوا اكثر انفتاحا وتقبلا لتعيين مدير آخر للمخابرات، وتحديدا ضاهر.
بيد ان النصائح الامنية الغربية لا تقتصر على الاميركيين. ثمة اجهزة استخبارات مؤثرة تعاونت المديرية معها في السنوات الاخيرة، ابان ولاية فاضل، اثمرت كمّا هائلا من المعلومات المتبادلة المرتبطة بملفات الارهاب والتطرف وتنقل الاشخاص المشبوهين وتفكيك خلايا وتنقلها، منهم الفرنسيون والالمان والروس والبريطانيون والاوستراليون والكنديون والقبارصة اعتادوا اسلوب تعاملهم مع المدير الحالي.
ثانيها، اجتماع ضاهر ثلاث مرات بمسؤولين امنيين في السفارة الاميركية في بيروت، اثنتان في اليرزة وثالثة في عوكر في سياق التعارف. وهو يحظى بثقة قهوجي الذي سبق ان اقترح تسميته في ايلول.
ثالثها، تسلح الوزير بحجة تقول ان المادة 3 التي تجيز له الاستدعاء من الاحتياط بقرار شرط عدم تجاوزه ستة اشهر، تقيّده بالمدة لا بالمرات او المستدعى. مغزى الاجتهاد في المادة 3 ان للوزير اصدار اكثر من قرار، ستة اشهر تلو اخرى، للشخص المعني نفسه من دون اضطراره الى استدعاء ضابط آخر من الاحتياط يخلفه في المكان اياه. الا ان له ايضا ان يستدعي ضابطا آخر لهذا المنصب.
رابعها، الحجة المتداولة بعدم جواز تعيين مدير جديد للمخابرات قبل ان يسبقه تعيين قائد جديد للجيش، وقبل هذا وذاك انتخاب رئيس للجمهورية نظرا الى ارتباط منصبي القائد والمدير بالرئيس الجديد في مطلع عهد جديد، وعدم احراجه بمَن عُيّن قبل انتخابه في المنصبين لم تكن له كلمة في الاسمين.
خامسها، احاديث شتى في ان هذا الفريق السياسي او ذاك يدعم هذا المرشح، او يرغب في الآخر.
سادسها، لا اسم ثالثا لمديرية المخابرات سوى فاضل او ضاهر، رغم الاعتقاد بأن تعيين مدير مكتب قائد الجيش يعني تعيينا جديدا وليس استمرارا لما رافق المؤسسة العسكرية قبل ثلاث سنوات، من خلال رزمة تمديد الولاية عبر تأجيل التسريح شمل على السواء قائد الجيش ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان والامين العام للمجلس العسكري اللواء محمد خير. حينذاك، اقترن الابقاء على فاضل بامرار الرزمة هذه متكاملة.
يقيم كباش مقبل ــــ قهوجي بالتزامن مع الجهود المبذولة لملء الشغور في المجلس العسكري بتعيين الاعضاء الشيعي والارثوذكسي والكاثوليكي. كان دار حديث على احتمال دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد للتصويت على تعيين ثلاثة عمداء في المقاعد الشاغرة، وترفيعهم الى رتبة لواء.
لهذا الملف ايضا معطيات:
1 ـــــ الاقتراب من الاتفاق على تعيين الضباط الثلاثة، وهم: الشيعي العميد محسن فنيش مديرا عاما للادارة (يتولى حاليا تسييرها)، الارثوذكسي العميد سمير الحاج مفتشا عاما للجيش، الكاثوليكي العميد جورج شريم (اصغر عمداء الجيش يدير مكتب الملحق العسكري في واشنطن) او قائد الشرطة العسكرية العميد غابي حمصي. كان قد طرح للمقعد الشيعي اسم رئيس المحكمة العسكرية العميد الطيار خليل ابراهيم، سرعان ما تردد انه استبعد بسبب ملف الوزير السابق ميشال سماحة. ورد في «لائحة الضباط الافضل للترشيح» ايضا اسم العميد خير فريجي للمقعد الارثوذكسي ورئيس فرع بيروت في مديرية المخابرات العميد جورج خميس للمقعد الكاثوليكي.
2 ــــ من باب لزوم ما لا يلزم القول ان للرئيس ميشال عون الكلمة الفصل في تسمية الضابطين اللذين يحلان في المقعدين الارثوذكسي والكاثوليكي.
3 ــــ لتعيين العمداء الثلاثة هؤلاء محظور يرتبط بكونهم سيُرفعون الى الوية فيتقدمون على النواب الاربعة لرئيس الاركان الذين يتقدمونهم اساسا في الاقدمية، ما يتسبب بامتعاض هؤلاء، وبينهم مَن لم يخف تلويحه بالاستقالة من الجيش ما ان يتحولوا من رؤساء الى مرؤوسين. الا اذا صار ما هو محظور بدوره: ترفيع نواب رئيس الاركان الى الوية. الخيار المستبعد حتى اشعار آخر.