خمسُ سنوات استلزمت القضاء لإصدار قرارٍ ظنّي في الدعوى المُقامة من رجل الأعمال سامر الجميل على النائب ميشال ضاهر بجرم اختلاس مليونين و٧٣٤ ألف دولار أميركي، لكنّ الحكم المنتظَر لم يصدر بعد. ستون شهراً لزمت ليصدر قرار ظنّي عن قاضي التحقيق في جبل لبنان نقولا منصور اتّهم فيه ضاهر بإساءة الأمانة ومخالفة قانون الأسواق المالية. غير أنّ تأخّر قضاء التحقيق هذه المدة الطويلة لم يحُل دون صدور قرار سريع عن رئيس دائرة تنفيذ المتن القاضية رنا عاكوم بالحجز على منازل نائب الأمّة وعقاراته وشركاته، بناء على الطلب المقدّم من وكيل المدّعي المحامي جورج كرم الذي طلب الحجز على سياراته أيضاً على اعتبار أن الدين المترتّب في ذمة المدّعى عليه بلغ لغاية تاريخ الطلب أكثر من أربعة ملايين دولار. بات صاحب شركة ماستر تشيبس للبطاطا المقرمشة، مدّعى عليه في ملف شائن ومحجوزٌ احتياطياً على ممتلكاته. صحيح أنّ القضاء لم يُدنه. وستبدأ محاكمة ضاهر العلانية بدءاً من حزيران المقبل أمام القاضي المنفرد الجزائي كارين أبي عبد الله. القصة بدأت عندما فتح سامر الجميل حساباً مالياً (حساب وديعة) في شركة ضاهر للوساطة المالية. غير أنّ ضاهر، بحسب مدّعي عام جبل لبنان والنائب العام المالي وقاضي التحقيق وهيئة الأسواق المالية، قد أساء الأمانة واستولى على هذه الوديعة. ولا يزال حتى اليوم متمسّكاً بعدم رفع السرية المصرفية عن هذا الحساب.
في الشكل، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ قاضي التحقيق منصور الذي أصدر القرار الظني والنائب العام الاستئنافي غادة عون التي ادّعت على ضاهر، يواليان التيار الوطني الحر الذي ترشّح النائب المدعى عليه للانتخابات النيابية على لوائحه. أما في المضمون، فيبيّن الملف القضائي للنائب أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان قد أقرّ أنّ ضاهر ارتكب جرم مخالفة قانون النقد والتسليف، لكنه لم يُرسل طلباً خطّياً للسماح بملاحقته. وطالما أنّ المحكمة الخاصة بالأسواق المالية لم تُنشأ، ونظراً إلى مخالفة النائب المذكور قانون النقد والتسليف، لم يتحرّك الحاكم لطلب ملاحقة الضاهر أمام القضاء الجزائي لاستعادة الأموال التي يقول المدّعي إنها مختلَسة. وتبعاً للقانون، كان يمكن لحاكم مصرف لبنان الحجز على جميع مداخيل ضاهر، باستثناء راتبه في المجلس النيابي، لحين دفعها بدلاً من تمنّعه عن طلب ملاحقته (إضافة إلى المبلغ الذي يدّعي الجميل أنه مختلَس، ينص القانون على فرض غرامة تعادل أربعة آلاف ضعف الحد الأدنى للأجور أي نحو 3 مليارات و800 مليون ليرة أو تكون عشرة أضعاف الأرباح التي قد يكون حققها نتيجة العمليات المخالفة). علماً أنّ المخالفات موثّقة بموجب كتاب صادر عن هيئة الأسواق المالية يحمل الرقم 82/هـ أ/15 يحمل توقيع الحاكم نفسه. وهذه الملاحظة دوّنها كلّ من القاضيين نقولا منصور وغادة عون للتذرّع بمنع المحاكمة عن نائب الأمة بهذا الجرم.
منع المحاكمة عن ضاهر بمخالفة قانون النقد والتسليف لم يحُل دون ملاحقته بجرم إساءة الأمانة والاختلاس. والقرار الظني الصادر وفقاً لمطالعة النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، رغم أنّه جاء متأخراً خمس سنوات، هو الأول من نوعه بحق نائب في البرلمان اللبناني، لكون قاضي التحقيق نقولا منصور ظنّ بالمدعى عليه ميشال ضاهر وابنه مارك ضاهر وشركة ماستر كابيتال غروب، بجنح المادتين ٦٧١ من قانون العقوبات و٢٤/١٧ من قانون تنظيم مهنة الوساطة المالية التي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة ثلاث سنوات. وطلب محاكمة المدعى عليهم أمام القاضي المنفرد الجزائي في المتن حيث يتوجّب على ضاهر الحضور إلى المحاكمة العلنية شخصياً.
امتنع سلامة عن ملاحقة ضاهر بذريعة غياب المحكمة الخاصة بالأسواق المالية


ضاهر سبق أن رفع لواء الدفاع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رافضاً استبداله. كرّر ذلك في أكثر من مقابلة تلفزيونية. فقال في إحداها: «أنا ضد تغيير حاكم مصرف لبنان لأنّه لا يمكن الإطاحة بشخص موجود منذ ٢٥ سنة في المصرف المركزي. هناك أمور لا يعرفها سواه». غير أنّ نائب البقاع الأوسط لم يلبث طويلاً قبل أن يغيّر وجهته ويبدأ بمهاجمة سلامة.
اتّصلت «الأخبار» بالنائب ضاهر للوقوف على رأيه بشأن القرار الظني الصادر ضدّه. بداية طلب ترك الأمر للقضاء وعدم إثارة القضية في الإعلام، لكن عند إبلاغه بأننا بصدد النشر، طلب إرجاء النشر لمدة أسبوع ليتسنّى له عرض مستنداته. كان ذلك في 27 كانون الثاني 2020. ونزولاً عند طلبه، أُرجئ النشر. لكنه عاود التأجيل بذريعة أنّه بصدد السفر خارج البلاد. ثم أرجأ مجدّداً لكونه منشغلاً بجلسات مجلس النواب، قبل أن يتوقف عن الإجابة على الاتصالات. المحاولة الأخيرة للتواصل معه كانت يوم الثلاثاء الماضي.