أحمد علاء الدين*دوماً عند وقوع حرب في هذه الجغرافيا الملعونة، يتم إعداد الرجال وتجهيز السلاح، وحفر القبور، وتهيئة الأرض، فمن العثماني الأخير إلى الفرنسي الأول حتى الانقلابات العسكرية، فالتوتر السياسي، انتهاءً بالنموذج الأخير، وسوريا لم تسترح يوماً واحداً، وإنه لمن السهل جداً إثخان الجسد المتعب بالجراح، حتى إذا قاوم، أُنهِك وإذا لم يُقاوم انتُهِك، وسوريا جسد أتعبته الحروب.

الحرب السوريّة. استحق ما يجري في سوريا هذا النعت بعد مرور وقت على الأحداث_ حيث وُصِّفَ ما يجري في البدء على أنه أزمة تمرُّ بها البلاد، وما أن تبدّت شواكل الهلاك حتى أُطلقت تسمية «حرب» بشرعيّة كاملة. لكن هنالك شيءٌ ما كان يتوقع حدوثه أحد، ليس وقوع الحرب، إنما غياب المقاتل. الحرب الآن قائمة على حربها، تتصارع أدواتها بأدواتها، وكل البنادق مسدودة تنعكف على مطلقها، إذن من الغالب؟ وأي الأهداف تُقصد؟
بتأثير من التاريخ الناطق بالمستقبل، استطاعت البلاد مناقشة الدماء إلى حدٍ ما وتفادت أكبر قدرٍ من كرات النار الموجّهة عليها، على الرغم من هشاشة المواضع وتوالي الضربات فإن ذاكرتها حيّة تجريديّة، لكن ما جدوى المعرفة دون الصنيع، وترك تاريخ الأرض وحده يحارب الغموض!
باستغراب قد يُسأل: كيف لهذا البلد روحٌ إلى الآن أمام كل هذا العنف والقوة البربرية المكثفة، وما تكون الآثار على المدى الطويل من وحشية حرب لا حدود لها؟!
دمشق، ابنة سوريا السيئة الحظ إن صح التعبير، هي التي ورثت كل هذه الصراعات الدموية وحملت عبء وجود الأرض بمحيطها، لم تزل كما وصفها محمد الماغوط «دمشق... عربة السبايا الوردية» تتنازع على نتفة غيمٍ عابرة، وبحرة في بيت عربي قديم تنشج الهواء الحزين وترجعه بسلامٍ إلى الأماكن الرطبة. فهي لطالما ظنت أنها على موعدٍ مع الصبابة بعد كمدٍ وبؤس أحاط بها قرون عدّة، لتتفاجأ بظهور الردى الجديد من القبو، وتشهد في الوقت نفسه تجزئة نموذجية تماماً، تستبدل المنحوتات والثقافات المحفوظة بالآثار المذهبية الضارة.
2011 _ 2014 نبوءات الخراب القديم تتحقق حصيلةً لغياب الفكر المعتبر، تتفجّر متمدّدة في ممرات المدينة بين شوارع الهاربين الضيقة، في خضمِّ موطنٍ كان منشأ للعقل المعرفي الأول، ورغبةَ المدنيّة المبتكرة، والمعبر الأعظم صوب الحضارة، وهنا تكون المعركة.
شاعر سوري