لماذا لم يستردّ وزير الاتصالات طلال حواط إدارة قطاع الخلوي من شركتَي «أوراسكوم» (ألفا - ميك 1) و«زين» (تاتش - ميك 2)؟ لأنّه «يبحث عن الطريقة المُثلى لإقناع الرأي العام بضرورة تمديد العقد مُجدّداً»، تقول مصادر معنيّة بالملف. وتُضيف بأنّ «طيف الوزير السابق، محمد شقير، لا يزال يُهيمن داخل الإدارة». المقصود من الكلام هو العقلية القديمة السارية في هذا الوضع الاستثنائي، و«النهج التدميري» لقطاع الاتصالات، من خلال المشاريع التي كان يسير بها رئيس الهيئات الاقتصادية. استمرار عمل شركتَي الخلوي، يُشكّل مخالفة صريحة للقانون ولتوصية لجنة الاتصالات النيابية ولرأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، ولموقف رئيس الجمهورية ومعظم الكتل النيابية. خاصة أنّ الشركتَين اللتين لا تزالان مؤتمَنَتين على القطاع، أي «أوراسكوم» و«زين»، إدارتاهما مُشتبه بهما بملفات هدر مال عام وفساد. وعوض أن يتمّ إبعادهما عن دائرة القرار، ريثما يصدر الحكم النهائي بالقضية، كما يحصل في معظم الشركات التي تُجري تحقيقات داخلية، «يُفرض» التمديد لهما بحكم الأمر الواقع، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّها ستكون المرة الثامنة التي يُجدّد لهما (وُقّع العقد مع «زين» في 2008 ومع «ألفا» في 2009، وجُدّد للمرّة الأولى عام 2012)، رغم الشكوى الدائمة من تراجع الإيرادات واستخدام «الداتا» في مقابل الارتفاع بالنفقات التشغيلية والاستثمارية.
قال حواط لنواب لجنة الاتصالات إنّ التمديد لمصلحة الدولة (هيثم الموسوي)

التجديد السابع للشركتين، انتهى في 31 كانون الثاني 2019. يومها، أرسل شقير رسالة إلى كلّ من نجيب ساويرس («أوراسكوم») وبدر الخرافي («زين») يُخبرهما فيها أنّه «في ضوء القرار رقم 165/1، وفقاً للمادة 31 من عقد التشغيل، يجب أن يتمّ التسليم للدولة اللبنانية خلال الستين يوماً التالية لموافقة مجلس الوزراء على إجراءات التسلّم والتسليم»، بعد أن فشل شقير في انتزاع التمديد للشركتين من الحكومة، بعدما رفض الرئيس ميشال عون، في كانون الأول الماضي، التوقيع على المرسوم الاستثنائي الذي يُمدّد عقد شركتَي الخلوي. في 2 كانون الثاني، راسل شقير رئاسة مجلس الوزراء، طالباً «بغياب الحكومة ونظراً إلى ضرورة تسيير المرفق العام واستمرار خدمة الهاتف الخلوي، الموافقة الاستثنائية بالسرعة القصوى على عدم تمديد هذين العقدين وإدارة الشركة بطريقة مباشرة». يُسهّل الإقدام على هذا الإجراء، أنّ كلّ موظفي الشركتين (باستثناء 5 في «أوراسكوم» و2 في «زين») يحصلون على رواتبهم من الدولة، ومعظمهم كانوا يعملون في «ميك 1» و«ميك 2» قبل أن يتمّ نقلهم إلى الشركتين المُشغّلتين. يُضاف إلى كتاب شقير، ردّ هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، التي أجابت في 5 شباط عن سؤال رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن إن كان استرداد القطاع بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء، وجدت «الهيئة» أنّه على وزارة الاتصالات «ممثلة بشخص الوزير أن تُبادر، وبشكل فوري وتلقائي، ومنذ الساعة الصفر ليوم الأربعاء الواقع فيه 01/01/2020، إلى اتّخاذ الإجراءات الإدارية والعملية كافة لتسلّم إدارة القطاع الخلوي، على أن تتولّى وزارة الاتصالات بواسطة المديرية العامة للاستثمار والصيانة مهمّة الإدارة، من دون الحاجة إلى أي ترخيص أو موافقة يصدران عن أي مرجع آخر سواء في السلطة التنفيذية، القضائية أو التشريعية. بعد التنفيذ، يجوز لوزير الاتصالات أن يرفع كتاباً إلى مجلس الوزراء يطلب فيه إجراء مناقصة جديدة لإدارة القطاع أو يطلب إجراء مزايدة وفقاً لدفتر شروط تُعدّه الهيئة المنظّمة للاتصالات لمنح الترخيص».
بين يدَي طلال حواط كلّ «أوراق القوة» ليستردّ القطاع من دون مناورة، كما يفعل حالياً. ولكن مشكلته الحقيقية في أنّه لا «يؤمن» بأنّ الدولة يجب أن تُدير الاتصالات. فخلال جلسة لجنة الإعلام والاتصالات في 25 شباط، أخبر حواط النواب الحاضرين ما معناه أنّ «قيمة الشركتين والمداخيل ستتدنى في حال استردادها من قِبل الدولة، لأنّها مُدير سيئ»، مُتحجّجاً بأنّ الوضع الاقتصادي «سينعكس على مداخيل القطاع، لذلك يجب تخفيض المصاريف». لم يُقدّم الوزير جواباً واضحاً حول ما ينوي القيام به، «بل اكتفى بالحديث عن استراتيجية يعمل على وضعها، وبأنّه أتى ليستمع إلى النواب ويُكوّن تصوّراً بناءً على مداخلاتهم». إلّا أنّ مسار كلامه يُشير إلى خياره بالمضي قدماً بالتمديد، فذكّر بما «فعلته الشركتان من أجل لبنان»، وأنّ «التمديد هو مصلحة للدولة قبل أن يكون لهما، خاصة إذا تمكّنت الوزارة من تغيير شروط العقد وفرضت مثلاً هدفاً على الشركتين أن تُحققاه وإلا تخسران من مداخيلهما». وواحدة من أفكاره مُستقاة من دفتر الشروط الذي وضعه شقير، وهي إعادة المصاريف التشغيلية إلى كنف الشركات المُشغّلة، «على أن يُطلب من كلّ شركة شطب مبلغ 50 مليون دولار من هذه المصاريف»، عبر صرف موظفين مثلاً، بحجّة أنّه «توظيف غير مُجدٍ». بناءً على أيّ دراسة علمية جرى تحديد رقم 50 مليون دولار؟ وما الوفر الذي سيُحققه؟ كيف سيتم ضمان حقوق الموظفين المصروفين؟ ماذا عن باقي المصاريف التشغيلية والاستثمارية؟ وما هي استراتيجية الدولة للقطاع، بالتوازي مع تخفيض عدد الموظفين؟ لا جواب لدى الوزير، ولكنّ فكرة الصرف «لقيت صدى إيجابياً لدى إدارة تاتش»، استناداً إلى المصادر. أمّا الهدف البعيد المدى الذي أفصح عنه حواط، فهو تطبيق القانون 431 الصادر سنة 2002، ويختصّ «بتنظيم قطاع خدمات الاتصالات، وقواعد تحويله أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص، بما في ذلك دور الدولة في هذا القطاع»، مع ما يتضمن ذلك من تشكيل الهيئة الناظمة للاتصالات وتأسيس شركة «اتصالات لبنان». تقول المصادر إنّ دون هذه الخطوة «عقبات سياسية وإجرائية. فضلاً عن أنّ القانون 431 لا يُمكن أن يُطبّق بعد 18 سنة من إقراره من دون تعديلات، بسبب التطور الذي شهده القطاع». إذاً ما العمل؟ «المماطلة من قِبَل الوزارة، وتمديد مُقنّع للشركتين، ريثما يُطبق الـ431».
الهدف البعيد المدى لحواط، هو تطبيق القانون 431


اتصلت «الأخبار» بحواط لتسأله عن صحة نيّته التمديد للشركتين، طالبة توضيح نقاط عدّة يُتّهم بها، فردّ بأنّه سيعقد مؤتمراً صحافياً في حال كان لديه شيء ليقوله، من دون أن يجد نفسه معنيّاً بإيضاح كلّ ما يُقال عنه. بقي مُصرّاً على عدم الحديث، رغم سؤاله عن اتّهامه بعقد اتفاق مع نائب رئيس مجلس إدارة «زين» ورئيسها التنفيذي بدر الخرافي. وحول النقطة الأخيرة، الكثير من علامات الاستفهام، و«الأقاويل» بأنّ الاتفاق «بعيد المدى» يمتدّ بينهما إلى ما بعد انتهاء ولاية مجلس الوزراء الحالي، والتجسيد الأبرز لهذا الاتفاق سيكون على شكل التمديد للشركتين. يوضح أحد المسؤولين في وزارة الاتصالات أنّ «حواط قابلَ الخرافي في السرايا الحكومي مع رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب، وكان الحديث حول ما يُمكن أن تُقدّمه «زين» للبنان، في ما خصّ المساعدة في تخفيض المصاريف ومداخيل الشركة الخاصة، مقابل رفع الإيرادات للخزينة العامة. لا يوجد اتفاق خاص». أمّا في ما خصّ التمديد للشركتين، فيقول المسؤول إنّ «جميع الخيارات القانونية مطروحة أمام الوزير، في النهاية سيُقرّر ما هو الأنسب لوضع البلد، ويحفظ القطاع من كلّ الجهات»، مع التأكيد أنّه سيُعلن «الخطة في الأيام القليلة المقبلة، والخيار يجب أن يكون قابلاً للتطبيق قانونياً».