قبل نحو عشرة أيام، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من مصرف «سيتي بنك» تجميد عمليات تحويل الأموال التي يقوم بها لصالح اتحاد الطيران الدولي (أياتا).ومن المعروف أنّ هذا المصرف معتمد من قبل الاتحاد الذي «يجبي» من مكاتب السفر في لبنان فواتير بيع التذاكر وفق خطة الفوترة والتسوية (Billing and Settlement Plan/ BSP)، حيثُ تُحوّل أموال تلك الفواتير إلى اتحاد الطيران كل أسبوعين تقريباً.
المعلومات تشير إلى أنّ قرار «التجميد» يأتي على خلفية شبهات تتعلّق بعمليات «تهريب» أموال يقوم بها عدد من مكاتب السفر عبر عمليات بيع تذاكر لمكاتب أخرى خارج لبنان. كيف؟
بحسب وثيقة الفوترة المتعلّقة بمبيعات التذاكر لشهر كانون الثاني الماضي، والتي حصلت عليها «الأخبار»، بلغ مجموع المبيعات 34 مليوناً و537 ألفاً و164 دولاراً، «وهو رقمٌ لافت جداً قياساً إلى واقع سوق الطيران في لبنان المتدهور منذ أشهر بنسبة تتجاوز 40%، ومُقارنةً مع مبيعات كانون الثاني من العام الماضي حيث كان موسم البيع مزدهراً ولم يتجاوز حينها 41 مليون دولار»، بحسب مصادر مُطّلعة.
هذه الأرقام «أثارت ريبة» الحاكم، ودفعت المعنيين إلى تتبّعها، «ليتبيّن أن بعض أصحاب المكاتب يصدّرون تذاكر السفر الى مكاتب خارج لبنان (الأردن والعراق وليبيا ومصر) لقاء عمولات مغرية تتجاوز 20%».
واللافت أنّ عدداً من شركات الطيران منع أخيراً مكاتب السفر في لبنان من بيع تذاكر الـsoto، أي تلك التي يتم شراؤها وإصدارها من دولة لا تتضمّن خطي سير الرحلة (sold outside, Ticketed outside)، وحصر البيع بتذاكر الـ SITI، أي التي يتم شراؤها وإصدارها من الدولة التي تتضمن خطوط سير الرحلة (Sold Inside, Ticketed Inside). وذلك، على خلفية قرار مصرف لبنان الذي يُهدّد إمكانية تحصيلها أموالها.
وفيما كان مُتوقّعاً أن يجتمع حاكم مصرف لبنان ومُمثّلون عن «سيتي بنك»، أمس، للبحث في تداعيات القرار، علمت «الأخبار» أن الاجتماع أُلغي، فيما تتخوف شركات الطيران، ومن خلفها مكاتب السفر، من الإبقاء عليه، «لما سيكون له من تداعيات على قطاع السفر في لبنان المتدهور أصلاً بفعل الأزمة النقدية وتضارب سعر الصرف من جهة، وبسبب انتشار فيروس كورونا من جهة أخرى»، وفق عدد من أصحاب وكالات السفر في لبنان.
وأعرب هؤلاء في اتصال مع «الأخبار» عن خشيتهم من دفع ثمن ممارسات البعض، ما سيزيد في تراجع أعمالهم، فيما هم مشغولون في الوقت الراهن في «معركتهم» لتوحيد سعر صرف التذاكر بينهم وبين شركات الطيران الأجنبية وشركة طيران الشرق الأوسط.
ومن المعلوم أن مكاتب السفر مُلزمة بتسديد فواتير البيع بالدولار، فيما تبيع شركات الطيران الأجنبية وشركة «ميدل إيست» بالليرة اللبنانية أو بالدولار على أساس سعر الصرف الرسمي، ما دفع المُسافرين الى شراء تذاكرهم من شركات الطيران مُباشرةً على حساب المكاتب.
وكان من المُقرّر أن تعقد نقابة أصحاب مكاتب السفر، أمس، مؤتمراً صحافياً لـ«شرح واقع قطاع وكالات السفر والموقف من شركات الطيران والإجراءات المصرفيّة التي تطال القطاع»، إلّا أنه أُلغي «نزولاً عند تمنيّ معالي وزير السياحة رمزي مشرفيّة الذي وعد بمتابعة قضيّة وكالات السفر بإدراجها على جدول الاجتماعات الرسميّة ليوم غدٍ (اليوم)».
بلغت المبيعات 34 مليون دولار الشهر الماضي رغم الأزمة ما أثار ريبة مصرف لبنان


الجدير ذكره أن أصحاب مكاتب السفر كانوا قد طالبوا «الميدل إيست» ببيعهم التذاكر بالليرة أسوة بالمواطنين، وأسوةً بالشركات الأجنبية التي باعت عدداً من المكاتب بالليرة. ويتساءل أحد أصحاب المكاتب: «أي موقف أغرب من أن تبيعنا شركات الطيران الأجنبية التذاكر بالليرة أو على أساس سعر الصرف الرسمي وفق ما تقتضيه إرشادات وزارة الاقتصاد، في حين أنّ الشركة الوطنية لا تزال تتعنّت في موقفها؟»، متّهماً الـ«الميدل إيست» بأنها تتعمد الإبقاء على هذا الواقع بهدف احتكار بيع التذاكر واستغلال الوضع الراهن.
وعلمت «الأخبار» في هذا الصدد أن اقتراحاً أعدّه «تجمّع وكالات السياحة والسفر» يقضي بالسماح لمكاتب السفر بشراء التذاكر «أونلاين» من «الميدل إيست» أسوةً بالمواطنين، كـ«حلّ وسط» إلى حين التوصل إلى صيغة موحدة. وحتى الآن، لم يُعرف «مصير» الاقتراح، فيما تُرجّح المعطيات أن ترفضه الشركة، بينما يتوعّد عدد من أصحاب المكاتب بالتصعيد في حال بقيت «ميدل إيست» على موقفها.