بغداد | بعد ساعات على اختيار عبد العزيز المحمداوي نائباً لرئيس «هيئة الحشد الشعبي» خَلَفاً للشهيد أبو مهدي المهندس، سارعت الفصائل المحسوبة على «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) إلى «نفي علمها بالتنصيب»، وهو ما قد يؤدي إلى إفشال تعيين المحمداوي. الأخير، وفق معلومات «الأخبار»، كان واحداً من ثلاثة مرشحين للمنصب، هم إلى جانبه نائب معاون رئيس «الهيئة» أبو علي البصري، ومدير «استخبارات الحشد» أبو إيمان الباهلي. لكن الرجل كان الأوفر حظّاً، في ظلّ إجماع لجنة اختيار الخَلَف، التي ضمّت إلى جانب المتقدّمة أسماؤهم كلّاً من: أحمد الأسدي (زعيم «كتلة السند») وأبو منتظر الحسيني (المستشار العسكري لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي لشؤون «الحشد») و«أبو آلاء الولائي» (زعيم «كتائب سيد الشهداء») وليث الخزعلي (القيادي في «عصائب أهل الحق»)، على ضرورة «تصدّي أبو فدك لهذا الموقع». ومن هنا، أعلن البصري، مساء الخميس الماضي، أن «قادة الحشد اتفقوا على اختيار المحمداوي لمنصب رئيس الأركان»، مضيفاً إن «المجتمعين أُبلغوا بأن الأمر الديواني بالتعيين سيوقّعه القائد العام للقوات المسلحة خلال اليومين المقبلين، بعد الاتفاق عليه من قِبَل الهيئة».
«أبو فدك» أم «الخال»؟
يُعدّ المحمداوي، المشهور بـ«أبو فدك»، أحد أبرز قادة «كتائب حزب الله ــــ العراق»، وواحداً مِمَّن تسنّموا منصب الأمين العام داخل التنظيم. قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، قاد عمليات عدّة ضدّ النظام السابق، وكان واحداً من قادة «فيلق بدر» (الجناح العسكري لـ«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» بزعامة محمد باقر الحكيم). ويقول الأسدي عن المحمداوي إنه «واحدٌ من المجاهدين العاملين في فيلق بدر قبل سقوط النظام، وقد انخرط في مقاومة الاحتلال بعد السقوط ضمن صفوف كتائب حزب الله، وكان أحد القادة العسكريين للحشد في عمليات التحرير والحرب ضدّ داعش»، مضيفاً إنه «ترك العمل مع الكتائب منذ أكثر من عام، وتفرّغ للعمل في الهيئة... فهو أحد أركانها، ومن الطبيعي أن يُرشّح كرئيس للأركان، وهو شخصية محترمة، وصاحب خلق عالٍ ومخلص في عمله ومحب لوطنه».
تتّجه الأنظار إلى جهود الفياض الذي لا يزال ملتزماً الصمت إلى الآن


كذلك، ثمة إجماع على أن الرجل أدى دوراً بارزاً في مقاومة الاحتلال الأميركي، وتطوير البنية التحتية للمقاومة العراقية، إضافةً إلى قيادته معارك عدّة ضدّ «تنظيم داعش»، في جرف الصخر والفلوجة وتلعفر والقائم. وتتهم واشنطن «أبو فدك» بالوقوف وراء هجمات صاروخية متكررة استهدفت سفارتها في بغداد وقواعد عسكرية تستضيف جنودها على مدى الأشهر الأخيرة. وفيما يقول البعض إن المحمداوي هو «الخال» نفسه الذي كُتب اسمه على الجدار الخارجي للسفارة الأميركية في 31 كانون الأول/ ديسمبر الماضي أثناء التظاهرة التي نظّمتها فصائل المقاومة هناك، حيث ظهرت عبارة «الخال مرّ من هنا»، تنفي مصادر «الحشد» صحة ذلك، علماً بأن بعض المعلومات تفيد بأن «الخال» لقبٌ يُمنح لكلّ مَن يشغل منصب الأمين العام لـ«الكتائب».

الولاء لطهران أم للنّجف؟
بعد ساعات على «سريان» خبر اختيار المحمداوي، أصدرت «فرقة الإمام علي القتالية» (التابعة لـ«العتبة العلوية»)، و«فرقة العباس القتالية» (التابعة لـ«العتبة العباسية»)، و«لواء علي الأكبر» (التابع لـ«العتبة الحسينية»)، و«لواء أنصار المرجعية»، بياناً جاء فيه: «ليس لنا علمٌ بأيّ تنصيب لمنصب نائب رئيس هيئة الحشد حتى الآن»، وأن «ذلك يحتاج إلى سياقات قانونية غير متوفرة الآن، في ظلّ حكومتين، إحداهما تصريف أعمال والأخرى لم يكتمل تكليفها». وختم البيان بأن «القوّات المشكّلة من قِبَل العتبات قدّمت رؤيتها لرئيس الهيئة، وتنتظر الإجابة عليها بشكل رسمي».
بيان التشكيلات المحسوبة على «المرجعية» عُدّ رفضاً ضمنياً من قِبَلها لتنصيب المحمداوي، وهو ما يعكس خلافاً بين النجف وطهران في شأن قيادة «الحشد». وفقاً للمعلومات، ترفض النجف تكرار سيناريو المهندس، انطلاقاً من اعتقادها بأن هذه المؤسسة يجب أن تكون «عراقية الهوى»، وأن تخدم عقيدتها القتالية «توجّهات الدولة العراقية فقط». بتعبير آخر، لا تريد «أذرع النجف تمدّد الأذرع/ الوجوه الإيرانية داخل الحشد»، لأسباب سياسية ودينية (تتصل الأخيرة بمسألة التقليد). كذلك، تتحدّث بعض المصادر عن أن ميثم الزيدي، الأمين العام لـ«فرقة العباس»، يأمل أن يُسند المنصب إليه، بعدما كان رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، قد «وَعَده به» في صيف 2017. وتلفت إلى أن العلاقة بين الزيدي من جهة، والمهندس وقائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الشهيد قاسم سليماني من جهة أخرى، دائماً ما اتسمت بـ«التوتّر»، لكن قيادة «الحشد» فضّلت «السكوت» آنذاك حرصاً على وحدة المؤسسة، ما عدّه الزيدي ــــ على ما يبدو ــــ فرصة للاستمرار في التغريد خارج السرب.
إزاء ذلك، تتّجه الأنظار إلى جهود رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، فالح الفياض، الذي لا يزال ملتزماً الصمت إلى الآن. وبحسب المعلومات، فإن الفياض يُفضّل فكفكة هذه المعضلة بتوافق سياسي يحفظ التوازنات، ويأخذ في الاعتبار موقف النجف.